هل تعاني جماعة الإخوان أزمة أم أزمات؟ [2/2]

هل تعاني جماعة الإخوان أزمة أم أزمات؟ [2/2]

31 ديسمبر 2015
هل تفيق جماعة الإخوان لنفسها قبل ضياع الوقت(فرانس برس)
+ الخط -
في حياة الأمم كما الأفراد والجماعات والدول حينما تتعاظم المصيبة، من حرب وانقلابات وخيانة، يظل الفرد وتظل الجماعات والدول، بل الأمم تحت "سكرة" المفاجأة والألم الأول وضراوة الضربات يأخذ العقل إجازة، إذ إنه يظل فترة من المفترض أنها محدودة متسائلاً عن أسباب ما هو فيه، وكيف يمكنه الخروج منه، وغالباً يُلقي باللوم على الآخرين، وبعد فترة إن لم يجد العقل "حلاً" للأزمة تحل العاطفة كليّة محلّ التفكير، وتصبح سبل الخروج من الأزمة آمالاً بل أوهاماً، ليس لها أساس من الصحة، وتصبح محاولات رأب الصدع وإيقاف نزيف الدماء مجرد "ترهات" لدى العقل الغائب، يَسِمُها الصف غالباً بالانسحاب والانسحاق في معركة تمتْ الهزيمة فيها بجدارة، وفيما جُلُّ الهم الآني، هو استمرار دورة الحياة متوقفة في الأوصال .. وكان الحل هو استمرار ألّا حل في الحياة..


(1)
فقه المحنة: تكراراً لجميع المفردات السابقة المعتادة من قبل، الصبر والتضحية والثبات، ولابد لكي تستمر منظومة الدعوة من بذل الدماء، وبعد الموت والمحن والمعتقلات تكتشف الجماعة لمّا تهدأ الفورة، ويفيق الكبار، أو من صاروا كباراً بها، مع الاحترام للجميع، أن الحل هو المصالحة مع النظام الذي أوشك على إبادتها سابقاً، تم فعل ذلك من قبل مع نظام "جمال عبد الناصر" في أول عهد "محمد أنور السادات"، فلماذا كانت المحنة إذن؟ وعن أي شيء أثمرتْ؟ إذا كنتم في النهاية تتنازلون عن دماء الآلاف وتبدأون المسيرة من جديد؟!

وهل اليوم بعد محن 1954، 1966، من القرن الماضي، وقفت الجماعة وقفة متأنية مع نفسها وفكرتْ؟
إن جماعة الإخوان هي نفسُها التي رشحتْ وقدمتْ "جمال عبد الناصر" من قبل لينقلب عليها ويسجن ويقتل ويعتقل الآلاف من أفرادها، وما دارتْ دورة الزمان إلا لتقدم الجماعة، نفسها، عبد الفتاح السيسي ليفعل بها أشد مما فعله عبدالناصر، وكما ألزمتها الأيام بقبول "منحة" العودة إلى الحياة والوجود والعلن بلا محاسبة لمن قتلوا وشردوا وأصابوا ونهبوا كثيراً من تنظيمها فإنني لأخشى أن تودي الظروف والملابسات الحالية بالجماعة إلى نفس المآل، النتيجة، ولكن بعد سنوات ليست بالقليلة من عدم القدرة على تعلم دروس السنين!

(2)
قارب المسلمون الهزيمة في إحدى المعارك، وكان الرعيل الأول من الصحابة منهم صعب هزيمته فنادى قائدهم:
ـ أيها الناس تمايزوا حتى نعرف من أين نؤتى؟!
فلما تمايزت الصفوف بأن انحاز كل مجاهد إلى قومه استقامتْ الأمور لأن كل فرد أبى أن يلحق الهزيمة بنفسه وقومه وهو يقاتل إلى جوارهم!

فإذا كانت الجماعة لا تستطيع التمايز اليوم، ولا انتشال نفسها من "مستنقع" يزج بها في أتونه أفراد وأحياناً أكثر من مقام الفرد، وهؤلاء لا يُقصرون في السرقة والنهب ولمّ المال في جيوبهم، بل إن بعضهم تعدى لتقبل جرائم لا تتقبل في حق إنسان، لا فرد ولا قيادة "مدعاة" للإخوان، فمن أين يأتي التمايز؟ ومن أين تأتي رفعة الصف المكلوم، وأمثال هؤلاء ليس واحداً؟! وهم يسدون مسرى نهر العطاء الكامن في قلب الجماعة بتصرفات تخجل منها المراهقة والصبيانية؟

(3)
طرف من قيادات الصف اليوم، يرى واحدهم نفسه وزيراً لا يزال، ويتعامل على أنه كبير، بل إن كثيراً من نوابهم الذين هربوا من مصير أكثر من 170 منهم تضمه السجون الآن يصرون على تعريف أنفسهم بالنواب قبل الاسم، فلدينا النائب فلان وعلان وهلمّ جرا، على الرغم من أن المجلس كان "منحلاً" في عهد الرئيس مرسي نفسه، وأعرف وزيراً دعاه شباب ليتصوروا معه فقال لهم:
ـ إنني معتزل الحياة الآن .. فلا تدخلونني في "قصة"!

وهو يرى نفسه أكبر من ،ن يتصور مع أحد على الرغم من أنه لم يبق في الوزارة سوى شهور قليلة!
وهكذا تتقاذف الجماعة أهواء أفراد وقيادات لا تستطيع القول، إن الطرف الفلاني فيها على صواب والآخر على خطأ، بل إن قطاعاً عرضيّاً في الإخوان لا طوليّاً .. كله يجب استئصاله، ماذا عمّا لا يعد من الأموال يدخل جيوب أفراد بعينهم؟ ماذا عن اعتراف بالسرقة عياناً بياناً وكسر ذراع الصف كله وتهديده بإخراج فضيحته المالية، فضيحة أحدهم الخاصة، والقول إنها فضيحة الجماعة كلها، كمثل القول والاعتراف بعنف الجماعة في تفجيرات بعينها، والأسلوب والطريقة واضحة والجماعة تتراجع عن قرار المحاسبة كل مرة لأن ذراعها ببساطة تم ليّها، وكيف كان يمكن لجماعة لا تستطيع أن تحاسب نفسها وأفرادها حكم ومحاسبة بلد؟!

وصدق أحد القيادات لمّا قال لي بعد الانقلاب بشهور:
ـ ربما لو استمررنا في الحكم على هذا المنوال لتمّ انقلاب "قانوني" علينا بمجلس الشعب وأكثرية لا تعترف بنا تقيل الرئيس مرسي، ربما أراد الله تأديبنا من حيث لم نحتسب.

(4)
الكلمات التي تدور في مجالس الإخوان الخاصة أشد ضراوة مما كتبتُ هنا، ولكن الجميع لا يريد اعترافاً بأن الجماعة، إن لم تتداركها فإنها مقبلة على ما هو أشد من المحنة، وهو ما لا أتمناه ولا أريده ولا أحبه لها، وهي الآن تحاول "الاصطفاف" قبل 25 من يناير/كانون الثاني 2016، وتردد فرصة ثورية وهي تعرف جيداً أنه ما من فرصة ولا جودة في شيء اليوم، وإن الحل هو أن تفكر جيداً في طريقة مناسبة للخروج من المأزق الذي تم الزج بها فيه، بدلاً من الاستسلام لمشارط الخونة من هنا وهناك، مع الاعتراف بوجود المئات بل الآلاف في الصف صادقين أطهاراً، ولكن صفّ الخروج يحتاج لما هو أكثر من وقفة، وربما يحتاج كثيرون إلى مرحلة إبادة بلا رحمة أو تبرير بأن لديه أسراراً تشكك فيما يحيقه بعضهم بليل ليأتي على الآخر واليابس بها.

والذين يدفعون الثمن هم البسطاء الذين يعتقدون بطهر الصف من آسف، الوزير المذكور منذ سطور في أكتوبرـتشرين الأول 2013، ظهر ببذلة زرقاء مع "أحمد منصور" في "الجزيرة" في برنامج "بلا حدود" ليقول بلا حدود، إن هناك استراتيجية لكسر الانقلاب في اليوم المذكور، وفك ربطة عنقه لما ضغط عليه "منصور" ليقول جزءاً منها، فقال إنها أسرار، والنتيجة وفاة أكثر من 60 مصرياً في ذلك اليوم، ذهبت دماؤهم تشكو ظلم العسكر وفشل طرف من قيادات الإخوان، وبمثل كلماته وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، وقبل 25 يناير المقبل سيخرج علينا، السبت المقبل، ليلة كتابة السطور "محمود حسين" الأمين العام للجماعة، لكن على الجزيرة مباشر هذه المرة، فلم تعد حتى الجزيرة تولي هذه الكلمات المكانة المناسبة من الأساس، ليقول شيئاً عن القيادة والشباب، وفي فم الملايين من مستمعيه ماء ولا أزيد!

أين الانصاف يا سادة؟
وأين تلمس الخطى نحو الهدف؟ وأين الإرادة المتجردة التي تقود صاحبها إلى عنان السماء لو صدق مع الله؟ أين ذلك كله من الترهات والفرحون بأبنائهم إلى جوارهم في المهجر الناهبون للأموال الخاصة وبعضهم القليل للمال العام؟

فهل تفيق جماعة الإخوان لنفسها وأمتها قبل ضياع الوقت .. وتتخذ من القرارات الداخلية ما ينفع الصف منها والثورة التي لم تكتمل والأمة.. أم أنه فات الأوان؟
أتمنى أن تكون الإجابة غير الوقائع المريرة التي أراها وأرقبها والملايين!

اقرأ أيضاً: هل تعاني جماعة الإخوان أزمة أم أزمات؟! [2/1]

(مصر)

المساهمون