هل أطاحت "التقاليد الذكورية" برئيسة تحرير "نيويورك تايمز"؟

هل أطاحت "التقاليد الذكورية" برئيسة تحرير "نيويورك تايمز"؟

22 مايو 2014
أول ظهور علني لأبرامسون بجامعة "وايك فورست" (Getty)
+ الخط -
كثرت التكهنات عن الإقالة المفاجئة لرئيسة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز"، جيل أبرامسون، التي تولت منصبها في أيلول/ سبتمبر 2011، لتكون أول امرأة تتبوأ هذا المنصب منذ تأسيس الصحيفة قبل 162 عاماً. فما الذي دعا الصحيفة الى التخلي عنها؟

انتقلت أبرامسون، عام 1997 من صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في واشنطن. وعملت هناك مراسلة وصحفية استقصائية ومن ثم محررة. ثم تولت رئاسة مكتب واشنطن بين الأعوام 2000 - 2003، لتعين بعدها أحد نواب رئيس تحرير الصحيفة، بيل كيلر، إلى أن تولت هي منصب رئيس التحرير في عام 2011.

تميزت أبرامسون، بعملها مراسلة من واشنطن فضلاً عن تميزها كمحررة ورئيسة مكتب. وحين عينت نائباً لرئيس التحرير كان ذلك في فترة صعبة تمر بها الصحيفة إثر فضيحة صحفية، عرفت باسم فضيحة "جيسون بلير" التي عصفت بصحيفة "نيويورك تايمز" وأدت إلى استقالة رئيس التحرير في حينه، وتعيين كيلر، الذي تولى زمام الأمور للنهوض بالصحيفة بعيد الفضيحة.

وتتلخص فضيحة "جيسون بلير" عام 2003، وهو أحد الصحفيين الذين عملوا مع "نيويورك تايمز" آنذاك، وحصل على جائزة "بولتزر" المرموقة، في قيامه باختراع الأخبار أو التفاصيل في تقارير صحفية كتبها وقام بتغطيتها. إذ كتب عن أماكن لم يزرها مدعياً أنه كان فيها، كما إنه لفق كثيراً من التفاصيل التي تبين لاحقاً أنها غير حقيقية، وسرق تقارير من صحف أخرى.

ثماني جوائز بولتزر

إضافة إلى هذه الفضيحة التي زعزعت مصداقية الصحيفة، فإنها كانت تعاني في الوقت نفسه من مشاكل مادية وتقليص في الميزانية. وتمكنت أبرامسون، خلال عملها نائبة لكيلر، من إثبات جدارتها في الإدارة طبقاً لمن عملوا معها ولتقارير الصحيفة نفسها. لذلك عندما قرر بيل كيلر، الاستقالة من منصبه، للعودة الى صفوف كتاب الصحيفة، لأنه لم يرغب بأن يبقى في منصبه إلى أن يخرج على المعاش، كانت هي أقوى المرشحين لخلافته.

وأثبتت أبرامسون، خلال توليها منصبها ولثلاث سنوات تقريباً جدارة كبيرة في إدراة العمل، فحصلت الصحيفة تحت إدارتها على ثماني جوائز "بولتزر"، كما سجلت العام الماضي ارتفاعاً في نسبة الأرباح وصلت إلى 36 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه، إضافة إلى نجاحها في التوفيق بين الطبعتين الورقية والرقمية على مستوى فرق العمل والانتشار، الأمر الذي لا تزال تتخبط فيه كثير من الصحف الكبيرة.

ولم تشهد فترة إدارتها للصحيفة فضائح أو أخطاء كبيرة تدعو الى هذا النوع من الإقالة المفاجئة، حتى لو وجه لها بعض انتقادات تصفها فيما يتعلق بأسلوب إدارتها للفريق بأنها "غير مرنة" في التعامل.

سيناريوهات الإقالة

يثير سجل أبرامسون، المهني والإداري ونجاحاتها، التساؤلات عن تنحيتها الأسبوع الماضي، وخاصة أن الطرفين، صحيفة "نيويورك تايمز" وأبرامسون، اتفقا على مبدأ الالتزام بالصمت وعدم الإدلاء بأي معلومات عن الموضوع، حتى اللحظة على الأقل. 

وتمحورت السيناريوهات التي طرحتها مصادر موثوقة ومقربة من بعض المصادر في "نيويورك تايمز" عن أمرين رئيسيين يتعلق أولهما كون أبرامسون امرأة، رفضت أن تُعامل أو أن تتصرف حسب معايير ذكورية تحكم بيئة العمل، وخاصة في ما يتعلق بنساء يشغلن مراكز إدارية عالية.

وقد تناولت صحف عدة طريقة التعامل مع النساء في أماكن العمل، خاصة اللواتي يتبوأن مناصب مهمة، والنعوت السلبية التي غالباً ما تلصق بالنساء القويات والواثقات من أنفسهن أو اللواتي يشغلن مناصب إدارية مهمة. ويبدو أن هذا هو ما حدث بصورة جزئية مع أبرامسون، التي وصفت بأنها "لحوحة" و"صعبة" و"خشنة".

من طرفها، طرحت مجلة "ذا نيويوركر" موضوع عدم المساواة في الأجر كواحد من الأسباب الرئيسية التي أدت الى ظهور خلاف بين أبرامسون، والناشر. وحسب المجلة فإن أبرامسون، طالبت صحيفتها برفع أجرها عندما اكتشفت أنها تتلقى أجراً أقل من سلفها في منصب رئيس التحرير. ويذكر أن أجرها عند توليها منصب رئيس التحرير عام 2011 وصل إلى 475 ألف دولار في السنة، ورفع لاحقاً ليصل إلى 525 ألف دولار. ومع ذلك فقد ظل أقل من أجر رئيس التحرير السابق للصحيفة الذي كان 559 ألف دولار.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الفارق إذ اكتشفت أبرامسون، كذلك فوارق أخرى بين أجرها وأجر زملائها الذكور في المناصب نفسها التي تقلدتها في السابق. وبعد أن اكتشفت أبرامسون، أنها لا تتسلم ما تستحقه، قررت أن تستشير محامياً لمناقشة مسألة أجرها مع الصحيفة، خصوصاً بعد فشل طلباتها المتكررة بتقاضي أجر يساوي أجر سلفها. وتبقى مسألة الأجر أمراً مهماً في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في الولايات المتحدة وفي بقاع أخرى من العالم، حيث تحصل النساء حسب بعض الدراسات في المعدل على 19% أقل مما يحصل عليه الرجال من أجر في الولايات المتحدة.

وجاء رد صحيفة "نيويورك تايمز" على ما ذكرته "ذا نيويوركر" ووسائل إعلامية أخرى، في بيان مقتضب تقول فيه إدارة الصحيفة "إن أبرامسون، تلقت في مجموع ما دفع لها، 10 في المئة زيادة على سلفها في المنصب نفسه، بيل كيلر.

لكن المثير أن "نيويورك تايمز" لم تعلق على أي من التكهنات الأخرى حول سبب الإقالة.

وستبدي لنا الأيام ما كنا نجهله فيما يخص هذه القضية، علما بأن أسهم الصحيفة شهدت تراجعاً منذ إعلان إقالتها قبل أسبوع تقريباً، حيث انخفضت بما يقارب الخمسة في المئة ولم تتعاف بعد.

هل تقاضي الصحيفة؟

وتشير بعض التقارير الصحفية إلى أنها تعتزم مقاضاة صحيفة نيويورك تايمز، بسبب، التفرقة في الأجور، الأمر الذي لا تزال الصحيفة تنفيه.

ومن ناحيتها، لم تتطرق أبرامسون، الى الامر خلال كلمة ألقتها في حفل تخرج طلاب جامعة "وايك فورست" في ولاية كارولاينا، وقالت: إنها لا تدري ما الذي ستفعله الآن، وإن ما حدث يؤلمها، ولكنها أكدت بأنها فخورة بعملها ضمن صفوف الصحيفة مع كثير من الزميلات والزملاء.

من هو رئيس التحرير الجديد؟

يخلف أبرامسون، الصحافي دين بوكيه، الذي يبلغ من العمر سبعة وخمسين عاماً، كان يتمنى أن يتسلم هذا المنصب في ظروف مختلفة وإيجابية. وخاصة أنه أول أميركي من أصل إفريقي يعين في هذا المنصب. ولعله هو الآخر سيواجه تحديات مختلفة في عالم الإعلام، والنفوذ الذي ما زال يحكمه الرجال البيض في الغالب.

المساهمون