نصف الفلسطينيّين مع يهوديّة إسرائيل!

نصف الفلسطينيّين مع يهوديّة إسرائيل!

31 يناير 2014
+ الخط -
للمرة الأولى، ربما، يُستطلع رأي فلسطينيي الضفة وغزة في مسألة يهودية إسرائيل من قبل جهة فلسطينية. ليس كل الفلسطينيين مع يهودية إسرائيل، بحسب استطلاع للرأي، لكن إن جرى التصويت على اتفاق نهائي، فسيكون التأييد غالباً.

موقع "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، بالشراكة مع "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، غير الحكومي، بإدارة خليل الشقاقي، نشر استطلاعاً للرأي في الضفة وغزة أفاد بأنّ 60 في المئة من الفلسطينيين رفضوا ويرفضون حلاً مرحلياً يقوم على إقامة دولة فلسطينية مؤقتة، فيما قال 53 في المئة من الفلسطينيين إنهم يؤيدون حل الدولتين، في مقابل توقّع 57 في المئة من المستطلَعة آراؤهم أن يصوّت غالبية الفلسطينيين لصالح اتفاق في حال تم التوصل إليه بين الرئيس محمود عباس ورئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو.

مع ذلك، تثير الأسئلة التي شملها الاستطلاع الفلسطيني تساؤلات: ما سبب طرح موضوع يهودية إسرائيل على فلسطينيين في الأراضي المحتلة؟ وهل يُعقل فعلاً أن 42 في المئة منهم يريدون الاعتراف بإسرائيل "دولةً للشعب اليهودي"، في مقابل معارضة 56 في المئة فقط منهم؟

في التفاصيل، أن أوراق العمل والوثائق الرسمية لأعمال "المؤتمر السابع لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، كشفت أن مركز الأبحاث الفلسطيني المذكور قدّم خدمات بحثية للمركز الإسرائيلي، وأجرى مسحاً واستطلاعاً للرأي العام الفلسطيني حول مواقف الفلسطينيين من المفاوضات واحتمالات نجاحها، وخرج بهذه النسب المفاجئة.

وأكد المركز الإسرائيلي نفسه، أن الاستطلاع الفلسطيني أُجري تحديداً لصالح "مركز دراسات المفاوضات"، التابع لـ"مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، حيث قام المركز الفلسطيني بزيارة 1270 فلسطينياً شملتهم عيّنة الاستطلاع، وذلك في 127 نقطة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. بحسب المركز الإسرائيلي، أخذ نظيره الفلسطيني الأجوبة على مجموعة أسئلة، من بينها واحد خاص بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

 استطلاع كاذب

لدى محاولة "الجديد" الاتصال بمدير المركز الفلسطيني، خليل الشقاقي، أجاب أحد الموظفين نيابة عنه، ليجزم بعلمية طريقة اختيار عيّنات الاستطلاع. وعند سؤالنا إياه عمّا إذا كان فريق عمل مركزه قد زار أبناء المخيمات في غزة والضفة، أجاب ببساطة: ليس جميعهم. ثمّ حاول "الجديد" الاستفسار من الموظف نفسه عن المناطق التي شملها الاستطلاع والنسب العمرية التي تضمّنتها العيّنة، فما كان منه إلا الإجابة بـ"ليس في كل المناطق ولا كل الأعمار". أما السؤال الأصعب بالنسبة لمحاورنا، والذي رفص الإجابة عنه، فكان: "لماذا لم تقولوا عبر موقعكم الالكتروتي (http://pcpsr.org) إن الاستطلاع كان لصالح مركز إسرائيلي؟".

أما مصادر حركة "حماس"، فقد أكدت لـ"الجديد" أن "هذا الاستطلاع كاذب ومشبوه، حتى أن أحد قادة الحركة وصف الشقاقي بـ"العميل الاميركي".

بدورها، شككت السلطة الفلسطينية في رام الله بهذا الاستطلاع. وأوضح مصدر في الرئاسة لـ"الجديد" أن الاستطلاع "استخدم داتا قديمة وأدوات بحثية تعود إلى العام الماضي"، كاشفاً أن العيّنات أيضاً قديمة. وبحسب تعبيره، فإن هذا الاستطلاع "لا يمثل المزاج الفلسطيني العام، ونتائجه غير حقيقية، لأن الاسئلة لم تكن واضحة للمستطلعين".

عين إسرائيلية

وحول ما ورد في التقرير الإسرائيلي، فإنّ 51 في المئة من الإسرائيليين أعربوا عن تأييدهم لاتفاق سىلام دائم تقترحه حكومة نتنياهو، ينص على إقامة دولة فلسطينية تمتد على 95 في المئة من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك الأحياء العربية في القدس (أي من دون الانسحاب من البلدة القديمة). وتؤيد النسبة نفسها الاعتراف بإسرائيل دولةً للشعب اليهودي، والمحافظة على الكتل الاستيطانية والأحياء اليهودية في القدس، مع بقاء قوات عسكرية في غور الأردن. كل ذلك في مقابل إعلان الفلسطينيين عن نهاية الصراع ونهاية مطالبهم، وأن يعود اللاجئون فقط إلى أراضي السلطة الفلسطينية. في الجهة المقابلة، أعرب 49 في المئة من الإسرائيليين عن تأييدهم لحلّ على أساس الدولتين، شرط طرح الاتفاق على استفتاء عام.

وقد انفرد الموقع الالكتروني للمركز الاسرائيلي بالكشف عن أنّ 67 في المئة من الإسرائيليين "لا يؤمنون بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين"، علماً بأن 49 في المئة سبق وأعربوا عن اعتقادهم أن الفلسطينيين يريدون التوصل إلى اتفاق سلام.

كما تطرق الاستطلاع إلى الملف الإيراني وسبل التعامل معه. وأشارت نتائجه إلى أن 67 في المئة من مواطني الدولة العبرية يعتقدون بأنه على تل أبيب التعامل مع الملف الإيراني بالطرق الدبلوماسية، من دون التلويح بالخيار العسكري.

أهداف الاستطلاع

أشرف على الاستطلاع الباحث في معهد دراسات الأمن الإسرائيلي، يهودا بن مئير. والرجل ليس يهودياً عادياً، بل متديّن جداً، وعضو مؤسس في أحزاب إسرائيلية دينية عديدة. بن مئير مواطن أميركي ــ إسرائيلي، درس في جامعة كولومبيا، وكان عضواً في الكنيست لسنوات، وعمل في لجنتي الأمن والخارجية. كما أنه تولّى منصب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي قبيل وأثناء اجتياح لبنان في العام 1982.

وبعيداً عن تاريخه السياسي والعقائدي الصهيوني، فإن بن مئير يكتب حالياً في صحيفة "هآرتس"، وله العديد من الكتب، أحدها تحت عنوان: "صناعة قرارات الأمن الوطني في إسرائيل". ولعل أبرز ما في الكتاب، كلام للرجل حرفيته أنه "من المدهش حقاً أن تكتشف بأن إسرائيل لا تمتلك أية أجهزة لتحليل وتخطيط السياسات على أعلى مستويات كادرها السياسي، وأنها فاشلة تماماً على صعيد التنسيق بين الوزارات المختلفة، بل إنها أيضاً لم تضع أي أسس منهجية ومعروفة لزعامتها ونخبتها الحاكمة لاتخاذ وصناعة القرارات".

استنتاجات بن مئير في كتبه ومقالاته يشعرنا أن أمنيته هي أن يكون هو المخطط لإسرائيل، فهل هذا الاستطلاع دليل على ذلك؟ وما الذي يريده الاسرائيليون من استطلاع كهذا؟

اللافت في موقع "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، إشارة معدّ الاستطلاع إلى أن النتائج الإسرائيلية بشأن المفاوضات ومستقبلها، شبيهة إلى حدّ بعيد بالنتائج الفلسطينية للاستطلاع الذي قام به المركز الفلسطيني من حيث نسبة الفلسطينيين المؤيدين لاتفاق سلام، وحتى لمسألة الاعتراف بيهودية إسرائيل.

هذا يعني أن اسرائيل تحاول الترويج لأفكارها، وعرض هذه الاستطلاعات للطرف الأميركي والأوروبي وللجنة الرباعية. وإن سُرِّبت هذه النتائج لوسائل الإعلام الغربية، فستحشد الراي العام لصالح المزاج الإسرائيلي، وسيتم الضغط على الدول العربية وعلى المفاوض الفلسطيني إن رفض شرط يهودية إسرائيل. حتى يكاد العقل الإسرائيلي يقول علناً: لا بأس بالدولة اليهودية، وخصوصاً أن فلسطينيين كثر سيقبلون بها بحسب الاستطلاع!