ميشال عون .. لوثة الطموح الرئاسي وإسفافه

ميشال عون .. لوثة الطموح الرئاسي وإسفافه

07 يونيو 2014

الأسد مستقبـلاً عون في دمشق ديمسبر 2008 (فرانس برس)

+ الخط -

ربما يكون ميشال عون، رئيس ما يُسمى "التيار الوطني الحر" في لبنان، أحد الذين ذهبت بهم نرجسيتهم إلى النقيض ثم النقيض، في خط كاريكاتوري، لا يليق بطامح إلى رئاسة الجمهورية في بلاده. وللأسف، كانت الكيديات في سياسة الإقليم وخيارات الأنظمة سبباً رئيسياً في تقلباته، ولأن الموجود هو الديكتاتوريات العاتية، فلا بأس بالنسبة إليه، أن يتقلب بينها، ويفتش عن فرصته، وعن ثغرات ينفذ منها إلى ما يطمح!
سمّاه الرئيس الأسبق أمين الجميّل، في نهاية عهده في سبتمبر/ أيلول 1988، رئيساً للحكومة، بعد أن أقال حكومة سليم الحص، وفي ذلك تجاوز عن المحاصصة الطائفية للمناصب السيادية، إذ تكون رئاسة الحكومة للمسلمين السُنـّة. كان مناخه، وقتها، يحمل النقيضين، أو الضدين. فمن جهة، هو ينبثق عن وضعية معاهدة 17 مايو/أيار 1983 بين إسرائيل ولبنان، ومن نصّبه هو أمين الجميل، خليفة شقيقه بشير بعد اغتياله، وكان الأخير حليف بيغن وشارون. ومن جهة أخرى، يقيم الصلة، بعد الاستحواذ على منصب السنّة في لبنان، مع القطب السُنّي الإقليمي، الرئيس صدام حسين، ويتقبل صدام الصلة ويسانده، في واحدة من النكايات في الإقليم، وفي تلك البُرهة كان عدوه اللدود النظام السوري. وهذا الأخير لم يمهل ميشال عون طويلاً، فما إن أدخل صدام حسين نفسه في متاهة الغزو الأحمق للكويت في أغسطس/ آب 1990، وما إن عُرفت وجهة الولايات المتحدة حيال ذلك الحدث، حتى اهتبلها حافظ الأسد فرصةً للإجهاز على عون، بدعمٍ وتأييدٍ أميركييْن صريحين، جاهر بهما الرئيس الأسبق، جورج بوش الأب، واستحثا تأييداً من الأمم المتحدة نفسها. ففي ليلة 12 أكتوبر/تشرين الأول 1990 كان الرجل يلقي خطاباً في مناصريه، فأطلقت عليه رصاصة لتقتله فأخطأته، مما جعل حافظ الأسد يرسل إليه في اليوم التالي طائرات قاذفة، هاجمت قصر بعبدا من الجو، وتقدمت قواته العاملة في لبنان، آنذاك، لتحاصر القصر، فانتشله السفير الفرنسي، وحمله معه الى سفارته، وأمضى فيها عشرة أشهر، قبل أن يُسمح له بالسفر إلى باريس لاجئاً سياسياً.
قبلها، كان عون، في مناخه المسكون بعاملين نقيضين، قد أعلن حرباً تحريرية ضد القوات السورية. ولما أبرم "اتفاق الطائف" في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1989، رفضه ميشال عون، ووصف الموقعين عليه بـ "الخونة"، لأنهم وافقوا على بقاء القوات السورية، ولم يحددوا موعداً لانسحابها، ولا سقفاً زمنياً لبقائها. هنا، كان يداعب عواطف المسيحيين، ويؤسس لنفسه شعبيةً في بلد تُختبر فيه المواقف والأسماء في كل يوم، وترتفع النجوم وتسقط، لا سيما عندما يدحض النجم بنفسه الأسباب التي رفعته إلى سوية الرواج الشعبي!

"يرى ميشال عون المتطرفين المعارضين للنظام السوري، ولا يرى المتطرفين الموالين. أصابه العمى، ولا يرى المنطقة الوسطى التي يكابد فيها الشعب السوري، ويُسفك دمه، وهو الذي طرح نفسه مدافعاً عن دم وكرامة شعب لبنان، توأم الشعب السوري. وفي إسفافه هذا، تناسى أن دمه هو شخصياً كان سيُسفك في أثناء إلقائه خطاباً في عام 1990"


في منفاه الباريسي، ظل ميشيال عون يحافظ على خطابه المناوىء للنظام السوري، وحل ضيفاً دائماً على شاشات التلفزة، مما جعله معقد رجاء اللبنانيين المتبرمين من الوجود العسكري السوري، الفاسد والغليظ، في بلادهم. لكن عودته التي أتيحت إلى مسرح الفعل، وأرض الطموح إلى الرئاسة، مثلت له تحدياً وجودياً، لأن النظام السوري يقتل، أينما كان، ووقتما أراد. فقد قتلت مصالح الاستخبارات السورية الرئيس، رينيه معوض، في أكتوبر/تشرين الأول 1989 بعد سبعة عشر يوماً من تنصيبه، بالتوافق على أرضية "الطائف"، لأنه لم يرضخ لضغط النظام في دمشق، لكي يعزل ميشال عون. عندئذٍ، لم يكن أمامه إلا أحد خيارين: الموت، أو الحياة التي من مباهجها أنها تعطيه الفرصة، لكي يحاول العودة إلى قصر بعبدا. تكتم في قلبه، على عداوته المريرة لحافظ الأسد في ذُعرٍ لافت، واختار الأخذ بناصية الود والحب الجميل للنظام السوري، من دون أن ينسى أن افتراض الغدر قائم، بأيدي نظامٍ ليس له صديق، ولا عهد، ولا أمان.
هو، اليوم، يقول، بالفم الملآن، إنه الحليف الصادق الصدوق للنظام السوري. يرى المتطرفين المعارضين لهذا النظام، ولا يرى المتطرفين الموالين. أصابه العمى، ولا يرى المنطقة الوسطى التي يكابد فيها الشعب السوري، ويُسفك دمه، وهو الذي طرح نفسه مدافعاً عن دم وكرامة شعب لبنان، توأم الشعب السوري. وفي إسفافه هذا، تناسى أن دمه هو شخصياً كان سيُسفك في أثناء إلقائه خطاباً في عام 1990. أعمته لوثة الطموح عن رؤية شعب سورية، الذي أراد الانعتاق، وفجر ثورة سلمية، وديموقراطية ومدنية، لكن تظاهراته قُصفت بالمدافع، ولما سقط الأبرياء، قُصفت جنازات الضحايا وقُتل المشيعون. فأية رئاسة هذه التي يتوخاها لنفسه رجل لم ير هذا كله، ويرى الآن أصولية السُنة وجماعاتها، ولا يرى أصولية الشيعة وميليشياتها متعددة الجنسيات، ويغض النظر عن شعبٍ بأكمله؟
يقول إن بشار الأسد يستحق جائزة نوبل للسلام، لأنه يُحارب "الإرهاب"، وهو يعرف أن مرشحه هذا لـ "نوبل" إرهابي ومنتج إرهاب، ولم يكن سيبقى بغير ميليشيات الأصوليين تُدير معركته، وبمفاعيل البراميل المتفجرة. ربما كنا سنجد له عُذراً، لو أنه اقترح مشروعاً لنجاة بشار الأسد، أما عند إلحاق الإهانة اللفظية بجائزة "نوبل" على هذا النحو، فإن الأمر يصبح هذيانَ مذعور.
يقول هذا الطامح إلى موقع لن يناله، بمنطق طائفي ومن دون حياء: "إذا ربح الشيعة، فهم أقلية وسنربح معهم". وبهذا الغباء، لا يفقد ميشال عون أعصابه وحسب، وإنما يصاب بالعمى، فلا يرى أن أولئك الذين يدمرون سورية ويقتلون ويشردون شعبها، هم مجرد أقلية، وأصحاب مشروع طائفي، لن يُبقي مكاناً لأي طيف من أي لون، في نطاق قوسهم المبتغى، من قم إلى صور.
بئس طامح كهذا إلى رئاسة بلد، أريد له أن يكون واحة حضارية للتعايش، في المشرق العربي، وبئس من يشد على يديه!