مفاجآت لجنة تقصّي الحقائق في مصر

مفاجآت لجنة تقصّي الحقائق في مصر

29 نوفمبر 2014

وقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية في تونس (14 أغسطس/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

لخّص رئيس لجنة تقصّي الحقائق عن الأحداث التي تمت بعد انقلاب يوليو /تموز 2013 في مصر، فؤاد رياض، الهدف من تقرير لجنته، بأنه (لقطع الطريق على تشكيل لجان دولية لتقصي أحداث الداخل)، فلم يكن هدف اللجنة الانتصار للضحايا والمطالبة بالقصاص لدمائهم التي سالت من دون حساب، أو توضيح الحقائق للعالم، بقدر ما كان تبريراً وتسويقاً لجرائم الانقلاب في مصر. ومن دون التطرق إلى تفصيلات التقرير، وما ورد فيه من أخطاء موضوعية، هناك نقاط تطعن في حيادية تلك اللجنة، بما يجعل هذا التقرير غير مقبول شكلاً. فمن المفاجآت أن اللجنة ضمت عضوين سبق أن عينهما نظام حسني مبارك لتقصي حقائق (الانتفاضة الشبابية)، كما أطلق عليها قرار رئيس وزراء مبارك، أحمد شفيق، في 10 فبراير/شباط 2011، وهما إسكندر غطاس ومحمد بدران. ومن المفاجآت، أيضاً، أن لرئيس لجنة تقصي الحقائق لأحداث ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013، فؤاد عبد المنعم رياض، موقفه الثابت والمعلن من الأحداث، قبل تشكيل اللجنة، ما يستحيل معه إبداء رأي محايد، فيكفي مثلاً أن يعرف القارئ أنه كان من ضمن الوفد الشعبي الذي سافر إلى جنيف في 27 أغسطس/آب 2013، للدفاع إعلامياً عما حدث في ميدان رابعة ولترويج الانقلاب. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني/ 2013، صرح لجريدة الوفد بأن جرائم جماعة الإخوان المسلمين تعدّت مفهوم الإرهاب، ووصلت إلى حد ممارسة جرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم ممنهجة ومتواصلة ضد مجموعة غير محددة، ونصح بأن تعلنها الدولة جماعة إرهابية، حتى يسهل محاكمة ومتابعة تنظيم الإخوان دولياً، إذا ما أدرجتها الحكومة المصرية جماعة إرهابية، وبما يجعل من السهولة على مصر على حد قوله (مطالبة العالم بتسليم هؤلاء المجرمين من تنظيم الإخوان، ومن ثم محاصرتهم، وخلاف هذا النهج عاصفة في فنجان)، وهو ما تم بالفعل في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013، أي أنه مهندس هذا الإعلان.
وقد يظهر هذا الانحياز المسبق في البحث عن أي أدلة لتوريط الضحايا في المجازر في تصريحه لوكالة أنباء الشرق الأوسط، في 25 سبتمبر/أيلول 2014، أن اللجنة طالبت وزير الخارجية بمخاطبة السفارات المصرية في الخارج، خصوصاً في الدول التي يوجد فيها "الإخوان"، من أجل مد اللجنة بالمعلومات التي يمكن أن تتوفر لديهم عن "الإخوان" هناك، وبما أن خارجية الانقلاب شريك في الجريمة، فلنا أن نتخيل تلك البيانات التي تم تجميعها، ثم لماذا لم يطلب رئيس اللجنة طلباً مماثلاً عن قوى الثورة المضادة في دول خارجية، لا تخفى على أحد، فضلاً عن أن تخفى على سعادته.

وعندما أرادت اللجنة أن تستمع لآراء أساتذة في القانون الدولي، للتدليل على أن الاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة لم تكتمل له شروط الاعتصام السلمي، وبما يبيح فضهما بالقوة، اختارت في انتقائية عجيبة الدكتور أيمن سلامة، المعروف بموقفه المضاد للاعتصام، بل إنه أبدى رأياً في 4 يوليو/تموز 2013، في صفحته الرسمية، أن الرئيس محمد مرسي (ملاحق جنائياً لارتكابه جرائم جنائية، منها التخابر مع دولة أجنبية، فضلا عن تعطيل المؤسسات الدستورية في البلاد، وانتهاك الدستور المصري الذي كان سارياً حال كونه رئيساً للجمهورية). هكذا عرف تهمة التخابر من الكواليس، قبل توجيهها للرئيس رسمياً بعدها بأسابيع.
ومن الملاحظات الشكلية التي تجعلنا نترفع عن مناقشة التقرير موضوعياً، الاستناد إلى فيديوهات وزارة الداخلية، كما أدلى رئيس اللجنة، مثنياً على دقة التصوير وجودته، والتي من السهل تمثيلها وتصويرها تحت إشراف المخرج البارع الذي اعترف بأنه استخدم الحيل السينمائية في إظهار تجمعات 30 يونيو/حزيران الشهيرة.
ويعد إعلان تقرير لجنة تقصي الحقائق الاغتيال الثالث لضحايا مذبحة فض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة، وما سبقها وتلاها من مذابح، بعد الاغتيال الثاني الذي قام به مجلس حقوق الإنسان المصري في تقريره عن تلك الأحداث. ويعتقد الكاتب أن مثل هذه التقارير لن تستطيع أن تخدع العالم أو تزور التاريخ، بل قد تكون سبباً في وقود جديد للثورة المستمرة، ولعل التقرير جاء ليذكر العالم بالجريمة التي تمت تحت أعينهم، ولم يتم تقديم شخص واحد من القتلة إلى المحاكمة، ولتبقى لجان تقصي الحقائق أداة في يد السلطة، تستدعيها عند الطلب.

72B719B0-81A2-437D-9D80-161222B65BE0
عبد العزيز مجاور

كاتب مصري، دراسات عليا في العلاقات الدولية، له كتاب "عام من الثورة المضادة"، ومقالات منشورة.