محاكمة المسؤولين الإسرائيليين على جرائم حرب


محاكمة المسؤولين الإسرائيليين على جرائم حرب


27 يونيو 2015
+ الخط -
تبارك الضحية دائماً الحقيقة، ويهرب منها الجاني، ترفض إسرائيل أن تقبل نتائج أي تحقيق، أو تناقشها، أو حتى تفندها، وتبدأ بالشتم والتحريض، وتمنع وفود الأمم المتحدة من الدخول إلى قطاع غزة، بينما نبارك نحن أي تحقيق جدي فيما حدث ويحدث فيه، مع أننا لم نكن نحتاج تقرير الأمم المتحدة، لكي يؤكد لنا أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد شعبنا، وندعم التقرير مع أنه لا يشكل لائحة اتهام ضد إسرائيل، وليس نتاجاً لمجريات قضائية، إنما هو تقرير مقدم من لجنة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة. مع ذلك، تستطيع مثل هذه التقارير أن تشكل أساساً لتقديم شكوى وطلب تحقيق لمحكمة الجنايات الدولية. ردّ الفعل الإسرائيلي المستهتر بتقريرالأمم المتحدة مؤشر كافٍ للمحافل الدولية، لكي تستهتر هي بالتقاريرالإسرائيلية، فمن يتعامل مع تقارير دولية على أنها "تقارير ملطخة بالدماء" يبرهن على عدم قدرته هو على التعاطي الموضوعي مع تقارير من مثل هذا النوع، حتى لو كان هو مصدرها.

لا يهمنا رد الفعل الإسرائيلي، ما يهمنا ردنا نحن، وتعاملنا كضحية مع وثيقة تشكل أساساً لملاحقة قاتلي الأطفال، الذين "لا ينسون توزيع الحلوى عليهم".
على الرد الفلسطيني أن يكون، أننا نرحب بالتقرير وبكل تحقيق جدّي ومستقل لجرائم الحرب التي ارتكبت، ونقبل توصية التقرير بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في هاغ (لاهاي)، كما نقبل توصية تقرير الأمم المتحدة بمطالبة إسرائيل بالتوقيع على وثيقة روما لمحاكمة مجرمي الحرب، ولا سيما وأن السلطة الفلسطينية وقعت، أخيراً، على هذه الوثيقة.


أما بخصوص بعضهم في إسرائيل، الذين يريدون "تعزية النفس" بالموازنة بين المجرم والضحية، فيدّعون أن التقرير هو أكثر توازناً من "تقرير غولدستون"، بخصوص العدوان على غزة في 2008، وأنه يضع الطرفين إسرائيل و"مجموعات فلسطينية مسلحة"، في خانة "مجرمي الحرب"، فإن قراءة للتقرير توضح عدم صحة ذلك، خصوصاً أنه يلمح إلى أن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن الوضع الذي أدى إلى ارتكاب جرائم حرب، محملاً بذلك إسرائيل المسؤولية الأولى عن كل ما يجري.
ويوضح التقرير أن ما حدث هو ضمن سياق الحصار، وأنه لا يمكن فهم ما جرى في غزة وتقييمه بمعزل عن الحصار المفروض من إسرائيل، والذي هو بمثابة "عقاب جماعي" للفلسطينيين. كما شدد التقرير على الرفض الإسرائيلي المتواصل للتعاون مع اللجنة، بما في ذلك إعطاء تصاريح لوفود اللجنة، للدخول إلى غزة والضفة والقدس، والإشارة إلى أن مصر أيضاً لم تسمح للوفود الدخول إلى غزة عن طريق معبر رفح، ما اضطر اللجنة بالاكتفاء بـ280 مقابلة مباشرة، و500 شهادة مكتوبة، ومراجعة المواقع الرسمية للحكومة الإسرائيلية. أما السلطة الوطنية الفلسطينية، فيشير التقرير إلى تعاونها مع اللجنة.
2. يتعامل التقرير مع حجم الجريمة بما ينسجم ويتلاءم مع حجم الدمار والقتل، فيفرد للجرائم الإسرائيلية حصة الأسد، مظهراً الجريمة بالأرقام، ومتحدثاً عن: 2251 شهيداً، بينهم 551 طفلاً، و11231 جريحاً، بينهم 3436 طفلاً، منهم 430 طفلاً سيبقى معاقاً لمدى الحياة، كما خلف العدوان 1500 طفل يتيم، وأباد عائلات بكاملها، ومسح أحياء بكاملها، وأن 142 عائلة فلسطينية فقدت على الأقل ثلاث أفراد من أعضائها. وخلص التقرير إلى أن "الخسارة البشرية الكبيرة في غزة تكسر القلب".
وفي ما يتعلق بالدمار وهدم البنية التحتية، أشار التقرير إلى هدم 18 ألف بيت في غزة، إلحاق ضرر بشبكة الكهرباء والمياه والمياه العادمة، تخريب 73 مركزاً طبياً وعشرات سيارات الإسعاف، وتحويل نصف مليون فلسطيني، أي 28% من غزة إلى لاجئين. كما تحدث عن تدمير إسرائيل ملاجئ الأمم المتحدة، ومؤسسات تابعة للأمم المتحدة، منها مؤسسات طبية، وسيارات إسعاف. وأظهر التقرير أن إسرائيل أطلقت 6000 غارة، أدى معظمها إلى ضرب أحياء سكنية.
في المقابل، تكلم التقرير عن مقتل 73 قتيلاً اسرائيلياً، وعن 1600 جريح، بينهم 270 طفلاً، وعن إطلاق 4881 صاروخاً، و1753 قذيفة.
3. في الوقت الذي استخدم التقرير تعابير مثل: "صدمات نفسية"، "خوف"، "ذعر"، "الإحساس بالأمان"، "كسر الروتين اليومي"، و"العيش ضمن تهديد متواصل"، لوصف الحالة الإسرائيلية، استخدم تعابير مثل: "حالة من الدمار الكامل"، "خسارة بشرية تكسر القلوب"، "أزمة أمن"، و"حالة خرق مزمنة ومنتشرة ومنهجية لحقوق الإنسان"، لوصف الوضع في غزة.

4. أهم من كل ما ذكر أن التقرير يتهم إسرائيل، وفي أكثر من موقع، ليس فقط بالقتل، بل بالقتل المتعمد، ويورد أن إسرائيل تقصدت قصف المباني في ساعات الإفطار أو السحور الرمضانية، أو خلال الليل حيث الجميع نيام، أن إسرائيل تقصف مبان آهلة بالسكان، وأن اعتقادها بوجود "مدنيين" من ضمنهم، لا يعفيها من مسؤولية ارتكاب جريمة حرب. أما الادعاء الإسرائيلي أن إسرائيل أعطت إنذاراً مسبقاً للسكان بإخلاء المكان، فقد أجاب عليه التقرير أن 44% من غزة أماكن محصورة، لا يمكن إخلاؤها إلى مكان "آمن" قريب.
وخلص التقرير إلى أن إسرائيل لم تفعل ما في وسعها لكي تضمن عدم قتلهم، وأن "جهلها" بأن عملياتها تقتل مدنيين، كان يمكن أن يتبدد بعد أيام قليلة من الغارات، لكنها استمرت في طريقة الغارات نفسها، مشيرة إلى أن هنالك "نموذج ثابت من الغارات" Patter of attack، موحياً بذلك أن إسرائيل هدفت إلى قتل أكبر عدد من الفلسطينيين.
5. شدد التقرير على أن إعادة البناء ليست بديلاً لفك كامل وفوري للحصار.
يشكل التقرير فرصة لوضع إسرائيل أمام مسؤوليتها الدولية، وفرصة للعناد الفلسطيني، الشعبي والرسمي، للإصرار بمطالبة إسرائيل بالتوقيع على معاهدة روما. وعلينا، بحق النضالات العنيدة لهذا الشعب، وبحق صمود غزة البطولي، أن نحمل هذا التقرير، إلى المحكمة الدولية، بكل إصرار وعناد.

A831C022-2095-470C-89C1-AA310740BC2A
حنين زعبي

نائب فلسطيني في الكنيست، مواليد الناصرة، ناشطة وقيادية في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، عملت في تدريس الصحافة والإعلام.