مؤشّر روبن هود ينكسر في لبنان

مؤشّر روبن هود ينكسر في لبنان

10 أكتوبر 2015
حراك شعبي ضد الفساد في لبنان (أرشيف/الأناضول)
+ الخط -


14.05 مليار دولار ثروة سبعة أشخاص من لبنان. سبعة مواطنين، منهم مقيم وآخر مغترب ومنهم من يحمل جنسية أخرى، صادف القدر أن يدخلوا قفص الأصفار التسعة، إن منذ نعومة أظفارهم كحال أبناء الراحل رفيق الحريري، أو بعد مسيرة في عالم المبادرة والأعمال تخللتها ضربات قاضية حقّقت الرفعة المنشودة كما في حالة الأخوين ميقاتي.

رغم قوّة الأضواء المسلّطة على هذه الأسماء، بحكم التأثير الحصري والشامل الذي تتمتع به مجلة "فوربس" الأميركية التي تُعدّ اللوائح السنوية التي تكشف الغطاء عن الثراء، إلا أن غنى المليارات لا ينحصر بهذه النماذج ولا بطرق الاحتساب التي تعتمدها المجلات وخلايا الأبحاث التي تتوصل إلى لوائح الأغنياء السنوية.

مثلاً، في البلدان التي تعيث بها الممارسات السلطوية الفاسدة، أو في البلدان التي تبهت فيها الحدود بين المالية العامّة والجيب الخاص، يحصد السياسيون والحكام مواسم الإنتاج الشعبي، يُخبئونه في حسابات خارجية أو متلطية بأسماء أخرى، ويبتعدون عن الأنظار واللوائح؛ هذه الثروات هي الأدسم، وقد أدّى التشهير بها في شوارع لبنان وعبر شبكاته الاجتماعية أخيراً إلى مواجهات على الأرض بين الحراك المدني وبين "المدافعين" عن بعض زعماء اللبنانيين.

لتجنّب وجع الرأس والتقديرات غير الدقيقة، فلندر الأذن الصماء لخبريات السرقة والفساد ولنحصر القضية بالأموال المصرّح عنها. ما يكون تأثير هذه الأموال لو وُزّعت على الفئات الأكثر فقراً وهشاشة من الشعب اللبناني، يا تُرى؟

هذا السؤال هو من وحي مقاربة طموحة ورمزية أعدّها موقع "بلومبيرغ" المختص بالأعمال، ونشرها تحت عنوان "ماذا لو منح أغنى شخص في كل بلد ثروته الإجمالية إلى الفقراء"؟
للإجابة، تم الاستناد إلى لائحة أغنى الأغنياء التي تُعدها الوكالة نفسها.

وبعد تقسيم ثروة أغنى شخص في بلدان مختارة، تم التوصل إلى مؤشر سُمّي "مؤشّر روبن هود"، في استذكار للشخصية الفولكلورية الإنجليزية الشهيرة؛ فارس الغابات الذي وظف مهاراته في المناورة والمواجهة والتصويب للسرقة من الأغنياء ومنح المغانم للفقراء.

المؤشر يكون فعالاً في حالات معينة: عندما تكون ثروة "المانح" كبيرة وعدد السكان قليلاً. هكذا يحصل فقراء قبرص على ثروة عملاق النفط النرويجي الأصل -جون فريدريكسون -الذي يملك أكبر أسطول عالمي لناقلات النفط البحرية - بمعدل 46 ألف دولار تقريباً.

أما فقراء نيجيريا والهند فلا يحصل كل منهم سوى على 182 دولاراً و59 دولاراً على التوالي، وذلك بعد تقسيم ثروة النيجيري الأغنى، صاحب إمبراطورية تجارة السلع، أليكو داغونتي (وهو الاغنى أفريقياً أيضاً) البالغة 23 مليار دولار، وثروة المليادير الهندي الأغنى، مكدش أمباني مدير الإمبراطورية الصناعية Reliance Industries، البالغة 22 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: تجار لبنان يستنفرون للدفاع عن النظام بوجه حراك الشعب

فلنعد إلى لبنان ونُطرّز المقاربة على مقاس أغنيائه واحتياجات فقرائه الذين يعاينون بمزيد من الأمل والأسى في آن، اللافتات التي يطرزها الناشطون في الحراك المدني وفقاً لمقاسات الزعماء وغرف الفساد.

في لبنان، هناك معدّلات تقريبية لتقدير معدلات الفقر، ولكن حتى الذين يساهمون بإعداد هذه الدراسات الرسمية يخبرون عن خصوصية الحالة اللبنانية التي تخرق ركودها تحويلات من الخارج تعادل خِمس الناتج المحلي الإجمالي.

فلنعتمد إذا نسبة تُعد حلا وسطا، وهي 20% من السكان من أصل 4.5 ملايين نسمة. هذا يعني أن توزيع ثروة أصحاب المليارات اللبنانية المصرح عنها، والتي تفوق 14 مليار دولار، تُترجم 15600 دولاراً لكل فقير.

بتقويم مباشر، يُمكننا الجزم أن هكذا مبلغ لا يمكّن فعل الكثير في البلاد المكلفة. ولكن سوف نُقزّم الأحلام في المجال، ونقصرها على بعض الأمثلة. فلنتخيل كم يُمكّن هذا المبلغ أن يغيّر حيوات تعاني الأمرّين في شوارع طرابلس، أو بيروت أو صيدا وصور.

في قياس التأثير على البلدان الأخرى المدروسة، تتوصل "بلومبيرغ" إلى الخلاصة التالية: إن روبن هود في عالمنا الحديث، لا يُمكنه فعل الكثير لتحسين حيوات من هم في عوز.

ولكن في لبنان يُمكن تغيير الكثير لو أراد، ليس بالضرورة عبر توزيع الأموال لشراء سندويشات الشاورما (يقترح معد دراسة "بلومبيرغ" أن حصة كل فقير في الهند من أموال مليارديرها الأغنى، والبالغة 58 دولاراً، يمكنها تأمين 118 وجبة طعام أساسية)، بل عبر توجيه تلك الأموال صوب فرص العمل والرواتب الكريمة ربما، أو فقط المساهمة والتأثير على المشاريع العامة التي لأغنياء لبنان تأثير واضح عليها. الكهرباء مثلاً، النفايات، الصرف الصحي والمياه.

لا نتوقع أن يستل كل ملياردير مكشوف أو مخفي، قلمه ويبدأ بتحرير الشيكات للمحتاجين، غير أن التأمل بما يُمكن أن تغيّره نسبة متواضعة من أموال الأغنياء في مستقبل وآفاق الفقراء، قد يعيد بعض الإنسانية إلى الإطار الذي يُقوّم فيه أصحاب المليارات.

ولكن هل فعلاً التأمل صائب وقائم إنسانيا؟ هل فعلا يُمكننا تصور وجود مجموعات روبن هود معنية بالشأن العام؟ لو أن روح المعنيين هي كنفس روبن هود لماذا لم يعمدوا إلى ترشيد الإنفاق وتوجيهه لإفادة الفقراء والمهمشين؟


اقرأ أيضاً: لبنانيون يطالبون بوقف رواتب نواب البرلمان

المساهمون