لا لنكبة جديدة بتوقيع فلسطيني

لا لنكبة جديدة بتوقيع فلسطيني

08 ابريل 2014

كيري يضغط على القيادة الفلسطينية لتمديد المفاوضات

+ الخط -

نشهد إعادة، وإنْ ليس بالتفاصيل، لحظة كامب ديفيد عام 2000، حين رفض الزعيم الراحل، ياسر عرفات، التوقيع على اتفاق نهائي، لا يُؤمِّن للفلسطنيين دولة موحَدة ومستقلة، بل كياناً مجزوءاً ومسلوخا، معدوم الحرية والسيادة، مقابل التخلي النهائي عن كل مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره.
وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، والذي يستمع لمستشاريه الصهاينة، لا يريد من القيادة الفلسطينية التوقيع على معاهدة نهائية، بل يضغط باتجاه تمديد المفاوضات للتوصل إلى ما يسمى اتفاق إطار، وما هو إلا توطئة لمشروع تصفوي، لا يختلف في جوهره عن "عرض كامب دايفيد"، فيما عدا تفاصيل جديدة، لضمان شروط إسرائيل الأمنية، ويعطيها الحق في السيطرة العسكرية على "الحدود"، وكل المدن والقرى الفلسطينية.
 أي أن ما تعلمه الأميركيون من انطلاق الانتفاضة، بعد انهيار محادثات كامب ديفيد، ليس له علاقة بطموحات الشعب الفلسطيني، ورفضه المساومة على حقه بالحرية، بل إيجاد سبل للسيطرة الآمنية المطلقة، لمنع انتفاضة ثالثة، وكيفية انتزاع التنازلات، على طريقة "الخطوة خطوة" الكيسنجرية؛ أي لا احتراماً للفلسطينيين، ولا لإنسانيتهم، بل إمعاناً في تكبيل حركتهم، وتضييق هامش المناورة، وبالتالي شل القيادة والشعب معاً.
القيادتان الأميركية والإسرائيلية لا تريان، ولا تثقان، إلا بالحلول الأمنية، بالنسبة للعقلية الاستعمارية والاستيطانية العنصرية، لا يوجد غير حلول أمنية، تُمارس لإخضاع، بل وتدمير الآخر؛ فإنسانية الفلسطيني، في أحسن الأحوال، مسألة نسبية، لا تتجاوز تخفيف وجع "القيود"، بهدف منعه من تحطيمها.
المشكلة أن القيادة الفلسطينية الرسمية لم تتعلم دروس فصل "كامب ديفيد"، وما تلاه من بناء جدار الفصل  العنصري العازل، ومواصلة البطش وبناء المستعمرات، حتى في أثناء عملية المفاوضات، فكان أن سعى الرئيس محمود عباس إلى محاولة الإثبات للأميركيين أن الشعب  "سلمي وحضاري"، وبالتالي "يستحق" دولةً مستقلة؛ وكأَن حق تقرير المصير يعتمد على "إثبات حسن سلوك" الشعوب، وما ذلك إلا أسلوب لنزع جميع وسائل المقاومة، سلمية أو مسلحة، لأن المقاومة لا تهدد أمن إسرائيل، لكن الأهم أنها تهدد مشروعية المخطط الصهيوني وتتحداها.
رفض القيادة الفلسطينية تمديد مفاوضات السلام الموهوم ليس كافياً، فالمطلوب التخلي عن كل عقلية محادثات أوسلو، وما تبعها من اتفاقيات سياسية وأمنية وما تبعها. والتذكير، والتذكر، بأننا ما زلنا في مرحلتي تحرر وطني وكفاح ضد مشرع استيطاني احتلالي، لا يسمح، بل يخاف من استقلال فلسطيني، حتى على مسمار مدقوقٍ في زاوية بيت فلسطيني، وما قبوله المنقوص بحل الدولتين إلا شراء للوقت، ريثما يفرض واقع استمرار الاحتلال بمسميات جديدة، وبتوقيع فلسطينيٍّ، ينهي المشكلة الإسرائيلية بإنهاء القضية الفلسطينية.
معظم الشعب الفلسطيني فقد الثقة بقياداته، والأكثرية لا تصدق أن القيادة ستصمد على قرارها عدم تمديد مفاوضات عبثية. ولا نعرف ما إذا كانت القيادة ستتحدى الضغوط الأميركية، لكننا نعرف أن عليها أن تواجه الشعب الفلسطيني بأكمله، في حال عودتها إلى المفاوضات، أو الأخطر، موافقتها على الاقتراحات الأميركية ببقاء المستعمرات، وعملياً، إقامة معسكرات للجيش الإسرائيلي في غور الأردن وفي أنحاء الضفة الغربية، ما يعني في النهاية التخلي عن القدس وحق العودة.
القيادة تعي تماماً، أو يجب أن تعي، أَن قرارها لن يمثل إرادة الشعب الفلسطيني، وهذه هي  الإرادة الوحيدة المهمة، والأبقى في المعادلة. نحن نعي أن الحكومات العربية ستتخلى، كما دائماً، عن الفلسطينيين، في حال المواجهة مع الاحتلال. لكن، لا مشروعية لأي موقف، عربياً أم فلسطينياً، إن كان في ذلك مساومة على حقوق مشروعة، غير قابلة للتصرف، فالبديل نكبة جديدة، لكن، هذه المرة بتوقيع فلسطيني وتشريع عربي، ووقتها سيكون صوت الحرية في وجه الجميع، كائنين من كانوا.