كوكب فيديل [7/9].. عقول مأسورة

كوكب فيديل [7/9].. عقول مأسورة

25 مايو 2016
يلتقطون إشارة "واي فاي" في ساحة عامة (العربي الجديد)
+ الخط -


* في وسط أحد المجمعات التجارية، يتنقل خوليو، وهو ميسور الحال نسبياً، بين المتاجر باحثاً لزوجته عن هاتف جوال. داخل محل لبيع الإلكترونيات، تتوزع سلع محدودة (تنحصر في تلفاز ومسجلة وهواتف) صينية الصنع. أراد خوليو أن يفاجئ زوجته في عيد ميلادها بهاتف أميركي الصنع، ولو كان قديماً بعض الشيء. لكن رفيقه الذي وعده بإحضاره معه من الخارج، تأخر عن الموعد المحدد، ما اضطره إلى البحث عما هو متوفر في الجزيرة. يقول إنّ السلع الأجنبية تأتي إلى الجزيرة عن طريق الأفراد الذين يسافرون إلى الخارج، يحضرون معهم ما تسمح لهم السلطات بتمريره للاستهلاك الشخصي؛ يحتفظون ببعضها ويبيعون ما يفيض عن حاجتهم. داخل المجمع التجاري، توجد ماركات عالمية، لكنها من صناعة "التنين الصيني".

تقييد الإبداع

* هارولد حوّل منزله، والذي يتقاسمه مع السيّاح، إلى متحف. يجلب المواد التي يحتاجها لإنجاز تصاميم الهندسة الداخلية للمنزل والمجسمات الفنية، من الخارج تباعاً. كما يستعين بالخردوات التي يرميها الكوبيون ويعيد تصنيعها. ترسل له أمه التي تقيم في ميامي، أحياناً بعض ما يحتاجه عن طريق أصدقاء. تتوزّع أيضاً لوحاته، والتي تتسم بالفنّ التجريدي، على الجدران.

شارك هارولد أكثر من مرة في معارض فنّية. لكنه لا يستطيع فعل ذلك في كوبا. كما لا يحق له أن يبيع إحدى لوحاته في الداخل "هذا أمر غير قانوني". ليس السبب رعاية الحكومة للفنّ ورفض تحويله إلى سلعة، فالأمور ليست على هذه الدرجة من المثالية؛ السبب أنّ من يحق لهم إنتاج عمل فنّي هم خريجو جامعة الفنون. الفنّ والإبداع، يخضع هنا أيضاً لقوانين وتنظيمات وضعية، في تناقض مع علّة وجودهما.  

لم يستطع هارولد أن يدرس الفنّ لأسباب خاصة، ودرس بدلاً منه الاقتصاد، لكن فنّه تمرّد على التنظيمات المعمول بها في الجزيرة.





"لغة الإمبريالية"

* رغم اعتماد البلاد بشكل رئيسي على القطاع السياحي، غير أنّ الكوبيين لا يتلقون اللغة الإنجليزية في المدارس، على اعتبار أنّها "لغة العدو الإمبريالي" كما يصفون. لكن عمل بعضهم مع السياح، والذي يدرّ عليهم الأموال، اضطرهم إلى تعلّم الإنجليزية. آنّا أخذت على عاتقها تعلّم اللغة عبر تحميل برامج على هاتفها المحمول، فيما درست جيني اللغة في ألمانيا، حيث تلقت دراستها الجامعية. أما يايانا، فتدفع ما يقارب مائة كوك شهرياً لتعلّم اللغة في دورات خاصة (بمعدل ثلاث حصص أسبوعية). 

حظر المعرفة.. والتفكير

*  أمام أحد المكاتب الحكومية التابعة لوزارة الاتصالات، يصطف المواطنون بالعشرات للحصول على حزمة إنترنت "لاسلكي". الحزمة الواحدة مدتها ساعتان وتبلغ كلفتها 2 كوك (أي ما يعادل 2.28 دولار أميركي). بعد الانتظار لما يقارب الساعة، تنجح في الحصول على حزمة واحدة، بعد إبراز البطاقة الشخصية (للكوبي) وجواز السفر (للأجنبي)، لتسجيل كافة بياناته في الحاسوب. 

بعد الحصول على الحزمة، تتوجه إلى أماكن عامة (عادة في الساحات العامة وسط مفترق الطرق)، لتشبك إشارة الـ"واي فاي" وتلج إلى الشبكة العنكبوتية. تتوفر هذه الخدمة أيضاً داخل الفنادق، ويمكن للنزلاء الحصول على الحزمة من داخل الفندق، دون أن يضطروا للانتظار أكثر من ساعة أمام المكتب الحكومي.

ويعدّ هذا الوضع بالنسبة للإنترنت تطوراً بارزاً في كوبا، فقبل أشهر لم يكن بإمكان الكوبي أن يدخل إلى الإنترنت عبر شبكة "واي فاي"، وكان استخدامها محصوراً بأجهزة الكمبيوتر الموزعة داخل مكاتب حكومية، وعلى الكوبي أن ينتظر لأكثر من ساعة كي يأتيه الدور لاستخدام الحاسوب الموصول بالشبكة العنكبوتية، كما تحسنت سرعة الإنترنت كثيراً خلال الأشهر الماضية.

الحاسوب نفسه لم يكن مسموحاً باستخدامه للكوبيين، سوى لفئات معينة وبشروط، وسُمح أخيراً لمن يملك القدرة المادية على اقتنائه. وبالنسبة للهيئات الدبلوماسية والحكومية، فإن لها وضعاً استثنائياً.

ليست الإنترنت وحدها غير متاحة، بل أيضاً القنوات التلفزيونية الفضائية. الكوبي لا يمكنه أن يلتقط سوى إشارات بث القنوات المحلية، والتي لا تتجاوز الأربع؛ إحداها تعرض أخباراً تتخللها من حين لآخر دعايات عن إحياء ذكرى مرتبطة بالغزو الأميركي، أو حدث مرتبط بالثورة وحركات التحرّر الوطنية، وأخرى تعرض مسلسلات درامية.

يتوجه الأميركيون إلى الكوبيين بقناة تبث من ميامي، غير أنّ النظام في كوبا حظرها. يرجع أحد المراقبين تقييد وسائل التواصل، إلى رغبة النظام بمنع شعبه من الوصول إلى المعلومة، ويذهب إلى القول إنّ النظام قد يتغاضى عن عدّة جرائم يقترفها الكوبي، لكن أن يسمح له بأن "يعلم، وأن يفكّر"؛ فتلك ضلالة كبرى.

… يتبع