كارلوس فوينتيس: في جحيم المكسيك

كارلوس فوينتيس: في جحيم المكسيك

26 ابريل 2015
(تصوير: ج. ساسيي)
+ الخط -

من الكتاب الأول حتى الأخير، بقيت المكسيك موضوع كارلوس فوينتيس (1928 ــ 2012)، مكسيك مؤلمة. ففي روايته الأولى، "المنطقة الأكثر نقاءً" (1958)، سخر من مكتشِف وادي المكسيك الذي انتشى أمام نقاوة الهواء، عبر خطّه بورتريهاً للمدينة الأكثر تلوّثاً في العالم. لكن التلوّث الذي صوّره فوينتيس ليس بيئوياً بقدر ما هو في جحيم السياسة داخل بلدٍ يبقى معدّل الجريمة فيه الأعلى في العالم.

وفي روايته الأخيرة، "آدم في الجنة"، التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثاً عن "دار غاليمار"، يصوّر لنا "آدمَين" يبدوان كوجهين لعملة واحدة: آدم الثري وآدم الشرطي. فالاثنان نصيران للعدالة، طالما اتفقت مع مصالحهما. لكن أياً منهما هو الأكثر فساداً؟ على طول الرواية، يبقيان متعادلين.

من بارغاس يوسا الذي قارب فساد البيرو، في "حوار مع الكاتدرائية" (1969)، إلى فوينتيس الذي استنتج الإفلاس السياسي والأخلاقي في "آدم في الجنة"، يرتسم المحور نفسه، ومعه التطلّب العبثي والأخلاقية اليائسة للمفكر في أميركا اللاتينية. لكن ما يميّز الاثنين عن بعضهما بعضاً هو طريقة قوله وتقديمه. فمنذ البداية، اختار فوينتيس السخرية التي تشكّل في نظره السبيل الأكيد نحو البصيرة. لذلك، تشكّل هذه الرواية، التي كتبها ثلاث سنوات قبل رحيله، ما يسمّيه "مكسيكوميديا".

في هذا العمل، لدينا إذاً طاغية ورث ثروته من والد زوجته، ولدينا شرطي قزم برائحة فمٍ كريهة، حين لا يتمكن من توقيف المجرمين الحقيقيين، يمسك ببضعة شبّان مساكين ويعدمهم بتهمة الاتجار بالمخدرات. ولأن محرّك كل نص سردي يبقى المرأة، يتبيّن لنا بسرعة أن الشرطي مغرومٌ بزوجة الثري، ويسعى جاهداً إلى قتل عشيقة الأخير. لهذا يحتدم الصراع الدموي بينهما، الذي ستحسمه مليشيا "سيغفريد" لصالح الثري، إذ ستمسك في النهاية بالشرطي وتعدمه.

لكن ذلك لن يعزز الفضيلة في المكسيك، بل وهم الشعب الساذج الذي ما زال يؤمن بمعجزات "سيدة غوادالوبي"، التي تحضر في الرواية على شكل ملاك مزيّف يرتدي شعراً مستعاراً أشقر، ويشعل في الساحات ورع الجماهير.

في الحقيقة، يقول لنا فوينتيس، "المكسيك بلدٌ يعشق الفشل"، دائرة منحرفة يتصارع فيها "عنفٌ بلا ثورة، وسلامٌ بلا أمان، وديمقراطية عنيفة". ماذا يتبقى إذاً من شعار البلد، ذلك النسر الجاثم على شجرة صبّار والذي يفترس ثعباناً، كما نرى ذلك على علم المكسيك؟ وماذا عن أسطورة شعب الأزتيك الذي شيّد مدينة تينوشتيتلان (مكسيكو اليوم) في المكان الذي افترس الطائر الكاسر الثعبان؟ في الفصل الأخير، يأتي الحدائقي في حديقة الحيوانات "شابولتيبيك" لتحرير النسر المؤسِّس من قفصه، وإعادة إحياء الثعبان المنازع، لكنه "ينسى فتح قفص النمر المزمجِر والمهدِّد".

في هذا المشهد، يتجلى المكسيك كلياً أمامنا، بائساً ومدمّى، تحت العين المحررة من الأوهام لرجل على وشك الموت. إنها وصية كارلوس فوينتيس.

المساهمون