قبل العشائر والدواعش

قبل العشائر والدواعش

18 يونيو 2014
+ الخط -
منذ لحظة تنفيذ حكم الإعدام شنقاً، في الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، مع صلاة الفجر في عَرَفة، وقُبيل بدء مناسك الحج (30/1/2006)، عُلم أن رئيس الحكومة، نوري المالكي، بدأ في إيقاع الشرخ الكبير، بين الشيعة والسنة في العراق. هو الذي أمر بالتنفيذ، وكان التوقيت مستهجَناً، وذا دلالات مُهينة، حتى للمواطن البسيط في أي بلد عربي، فضلاً عن أعضاء نادي الحاكمين في العالم العربي. فالأميركيون أنفسهم، الذين سلموه لأعدائه، استنكروا توقيت الإعدام وطريقته، وكانت تلك علامة فارقة، أقل ما دلت عليه، أنهم تلقوا الرسالة المفزعة: لن يكون العراق هو ذلك البلد الذي أردتموه بعد صدام حسين!
 
قبلها، كان نوري المالكي يطرح نفسه شيعياً عراقياً عروبياً. وهذا توصيف سمعته شخصياً من الرئيس جلال الطالباني، في حديث معه في بوخارست. ربما كان "مام جلال" أنشأ انطباعه على حقيقتين ليستا كافيتين، بالضرورة، لتأسيس هكذا انطباع. الأولى أن سورية كانت ملجأ المالكي، مثلما كانت ملجأ الطالباني، والثانية أن المالكي، وهو يعارض النظام العراقي، قيادياً في حزب الدعوة الإسلامية لم يُطق الملجأ الإيراني، لأن الإيرانيين لا يستوعبون عربياً لا يتبعهم مائة في المائة، ولا يرضون بأقل من احتلال روحه. لذا، اختار المالكي موقعه وفقاً لضرورة الحفاظ على الخصوصية العراقية، وعلى العمق العربي الذي أفاد جماعته وطائفته. كان ذلك عندما انشقّ الحزب إلى فئتين، واحدة تتماهى كلياً مع إيران وتدخل في أنساق قواته التي تقاتل الجيش العراقي، والأخرى تؤيد إيران، من دون أن تفعل ذلك.

لم تطرأ على ذهن "مام جلال" حقيقتان أخريان، هما أن أحزاب العراقيين، قومية أو يسارية أو أصولية، لا تنفي أن يكون إنسانها مغمّساً بروحٍ قبليّةٍ تراعي تراتبية الدم وصنوفه في المخيال ــ العشائري ــ الطائفي. فقد كان صدام حسين يقاتل إيران بجيش أغلبه من الشيعة، وهؤلاء كانوا يقاتلون بحماسة. أما الحقيقة الثانية، فهي أن نظام الأسد، وكلما كان الأمر يتعلق بإيران أو بطائفته هو، لن يكون إلا حصان طروادة داخل فكرة العروبة وثقافتها.

لم يستطع المالكي أن يخالف طبيعته، وميله المخبوء إلى التمكين المطلق لطائفته في العراق. وبمفاعيل السلوك الذي أبدته مراكز السلطة من حوله، بدأ الأصوليون من العراقيين الشيعة، المبتهجين بالغلبة التي انعقدت لهم، يتحدثون علناً عن تميزهم، وعن عرقهم "السامي"، ولم يعد مستغرباً أن يسأل واحدهم عن رجلٍ يمرّ ويطرح السلام، فيقول لصاحبه:"هل هذا من السادة، أم من العامة؟". وفي ظل حكم نوري المالكي، استمر واستشرس، الانقضاض على اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لأنهم من أهل السُنّة، ولا عشائر لهم، ويسهل استباحة دمهم. ولمّا لاذ الناجون بالفرار، احتبسهم النظام السوري على الحدود، في أقسى بقاع الصحراء الموحشة. استوعبت دمشق نحو مليون عراقي، لكنها ضاقت ببضعة ألوف من الفلسطينيين الفارين. في محل إقامتي في الهند، سمعت من 82 عائلة أوصلتها الدروب إلى نيودلهي، كيف ضحّت الأسرة، بما تملك، لكي تبتاع جواز سفر عراقي مزور، بأسماء شيعية، لكي تدخل إلى سورية وتنجو. أطفال ماتوا لانعدام الطبابة والأمصال، ونساء قضين في أثناء الولادة في الفيافي. وقال لي واحد من هؤلاء إنهم في دمشق كانوا يحتبسون أطفالهم، لكيلا يكتشف عسس النظام السوري فلسطينيّتهم من اللهجة ومنحى الكلام!

في برقية أميركية مسربة ضمن "ويكيليكس"، نُقل عن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قوله لديك تشيني نائب الرئيس بوش: "لا أثق في هذا الرجل، ولن أستطيع العمل معه، فهو عميل إيراني. فبُعيد أن تسلم منصبه، أعطاني قائمة مكتوبة بالتعهدات على نفسه، لكي ينجز مصالحة داخلية في العراق، لكنه لم ينفذ أياً منها"! كان ذلك طبيعياً، لأن الرجل لم يكن بصدد العمل على إنجاز مشروع وطني ديموقراطي في العراق، وكانت تلك هي المصيبة، قبل أن تشتدّ سواعد العشائر والدواعش!