فلسطين والدول الاسكندنافية: موعدٌ مع "الاعتراف"

فلسطين والدول الاسكندنافية: موعدٌ مع "الاعتراف"

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
05 أكتوبر 2014
+ الخط -

لم يشكل حديث رئيس وزراء السويد، ستيفان لوفين، يوم الجمعة، حول توجّه بلاده إلى الاعتراف بدولة فلسطين، الإشارة السويدية الأولى لتطور موقف دول الاسكندنافية من القضية الفلسطينية. على العكس من ذلك، مثّل حديث لوفين تتويجاً لمسار بدأ منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق، أولف بالمة، وهو ما ترجم لاحقاً في استقبال الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، في ستوكهولم أواخر ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي شكّل تحدياً لـ"جرأة السويديين" في مواجهة جارتهم الدنماركية، المحكومة حينها من يمين الوسط ونفوذ اللوبي الصهيوني.

التراث السياسي والإنساني لبالمة، الذي رحل اغتيالاً قبل زيارة عرفات، عززته سياسة خارجية متميزة، وغير مستعدة للمساومة مع تيار صهيوني كان يعتبر "كل فلسطيني إرهابياً"، إذ سبق "إعلان نيّة" لوفين الاعتراف بدولة فلسطين نشاطاً سويدياً نحو ريادة مقاطعة أكاديمية لإسرائيل في الشمال، وحركة نشطة في صفوف السويديين لمقاطعة سياحية وإنتاجية. اضطرت الحركة الصهيونية (موجودة كجمعيات من كوبنهاجن حتى ستوكهولم) لدعوة مجانية لصحافيين اسكندنافيين، مؤيدين لها، لزيارة إسرائيل يعيدوا إنتاج الدعاية التي سبقت حرب غزة.

كما يتوجب التذكير بأن النشاط الفلسطيني، والزيارات التي كانت تقوم بها شخصيات وطنية "راديكالية" للدول الاسكندنافية، أسهمت كثيراً في تغير المواقف، فضلاً عن فعاليات للجاليات على الرغم من العثرات الكثيرة التي تعرضت لها.

 وبما أن "إعلان النية" الذي جاء على لسان رئيس الوزراء، عادت وزيرة الخارجية، مارغوت فالستروم، لتؤكده، فإن هذا يعني أن الكلام حول الاعتراف بدولة فلسطينية ليس مجرد موقف لرجل نقابي مندفع، بل سياسة تقطع مع تبريرات وحجج حكومة يمين الوسط السابقة، وتبريراتها لعدم الاعتراف بدولة فلسطينية منذ عامين.

وفي السياق، لا يمكن إغفال مواقف اليسار وحزب البيئة، وحتى الحركة النسوية، التي لم تنجح برلمانياً لكنها تشكل الوجه الآخر للمشهد السياسي السويدي، وهو الوجه الذي يرعب يمين الدنمارك المتطرف في تأييد إسرائيل. ويقف على رأس هذا اليمين حزب "الشعب الدنماركي"، ويلتحق به حزب "فينسترا" (يمين الوسط) الذي كان يتزعمه أمين عام حلف الأطلسي السابق، أندرس فوغ راسمسون.

خلال العدوان الأخير على غزة، ذهبت قيادات الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في دول الشمال للتوقيع المشترك على بيان يندد بإسرائيل، وحدها ظلت رئيسة وزراء الدنمارك، هيلي تورنينغ شميت، تغرّد خارج السرب، وهو "لم يكن سوى لاعتبارات عملية، لكن موقفنا مثل مواقف بقية الأحزاب في دول الشمال"، بحسب ما يقول رئيس البرلمان موينز لوكاتوفت لـ"العربي الجديد".

أثناء مداولات الجمعية العامة بشأن دولة فلسطين في العام 2012، بدا واضحاً أن وزير الخارجية الدنماركي حينها، فيلي سوندال، كان متحمساً للاعتراف بفلسطين، وجاء سلفه هولغر نيلسن للخارجية بذات الحماسة، بل اتفق هؤلاء مع الفنلنديين على رفع التمثيل الدبلوماسي لفلسطين.

وفور صدور الموقف السويدي، ذهب نيلسن، القيادي في حزب "الشعب الاشتراكي" في البرلمان الدنماركي، وغيره من الشخصيات اليسارية للمطالبة بالإعلان عن موقف مشابه للموقف السويدي.

ومن المرجح أن تتحول هذه المواقف إلى موقف سياسي ضاغط على الحكومة، في حال نجح حزب اللائحة الموّحدة، الذي يضم يساراً ثورياً مؤيداً تاريخياً للشعب الفلسطيني، في الحصول على تقدم كبير بالانتخابات المقبلة، ما يعني تشكيل ضغط على أي حكومة جديدة، بالتوازي مع دعم يأتي من تحولات الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية. 

كان للعدوان الأخير على قطاع غزة دور كبير في تحولات الرأي العام الاسكندنافي، الرواية الاسرائيلية، حتى التاريخية، باتت متهمة بـ"الكذب والتزوير"، ولم يعد يقتنع بها أكثر الدنماركيين، وهذا ما كشفته استطلاعات الرأي، وسط تعاطف مع الفلسطينيين تجلى في الشارع ومواقف السياسيين والبرلمانيين.

 في النرويج، ترتفع الأصوات المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية. واللافت بشدة هو الطرح المتزايد لفرض عقوبات على إسرائيل ومقاطعتها، الأمر الذي لم يكن ليحدث مطلقاً في زمن ازدهار "رواية الضحية اليهودية"، حينما كان يؤتى بباص مفجّر من تل أبيب ليتم عرضه وسط أوسلو، مع تغييب كامل لصورة محمد الدرة وآلاف الضحايا الفلسطينيين؛ الأزمنة تتغير.

ربما تحدث الخطوة السويدية خرقاً في جدار تعنت اليمين الاسكندنافي، على الرغم من أنها ليست الأولى إلا من ناحية العضوية في الاتحاد الأوروبي، إذ سبق لدول في الاتحاد أن اعترفت قبل الانضمام إليه.

صحيح أن "التصحيح" قد يكون واحدا من الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء السويدي للإعلان عن قراره، ولكن لا يمكن تجاهل تغيير الكثير من السياسيين الأوروبيين السابقين لمواقفهم، وشعورهم بالخجل والندم من علاقتهم بإسرائيل، وهم قادة في أحزابهم اليوم، مع إدراكهم، كما في حالة رئيس برلمان الدنمارك وغيره، أن "إسرائيل لن تكون قادرة على البقاء" بلا تنازلات ودولة فلسطينية.

هذه الحقيقة التي لا يمكن إغفالها، تدفع بالكثيرين، بمن فيهم مناصرون وأعضاء في أحزاب اليمين ويمين الوسط، لإنقاذ طفلهم المدلل وقد تلطخت صورته بدماء ضحايا جرائمه، عبر صور وتظاهرات وحقائق إعلامية لم تعد تنفع معها "بكائيات" اللوبيات الصهيونية. 

قد يصرخ الأميركيون كثيراً ومعهم الحكومة الإسرائيلية لرفض الاعتراف، غير أن هذا الصراخ غير ذي جدوى في بلاد تحكمها مؤسسات وتاريخ يتطور، بعكس ما تشتهيه سياسات البعض ممن بات ينأى بنفسه عن القضايا المركزية في العالم، وفي مقدمتها قضية فلسطين.

الصراخ الرافض الأميركي ـ الإسرائيلي، قد يؤجل اعتراف آخرين، لكن ذلك لن يوقف الأمر حتى من منظار التراجع عند يمين الوسط، باسم "مصلحة وجود ومستقبل إسرائيل، ونحن كأصدقاء ننصحها".

نقلت وكالات الإعلام أن إسرائيل لم تعلق بسبب "العطلة"، لكن من يقرأ تصريح مقرر الشؤون الخارجية في حزب "الشعب الدنماركي" اليميني المتطرف، سورن اسبرسن، يوم الجمعة الماضي، والذي عقب "إعلان النية" السويدي، سيدرك من هم أصدقاء إسرائيل الحقيقيين. يقول اسبرسن إن "خطوة السويد تشبه وضع فيل في متجر خزف، إنه موقف استفزازي من دون أي قيمة أو معنى إلا استفزاز ومضايقة إسرائيل والولايات المتحدة، الموقف السويدي يخرّب إمكانيات تحول السويد وبقية دول الاتحاد الأوروبي لتصبح وسيطة في هذا النزاع". هذا الموقف يمكن أن يمثل الموقف الإسرائيلي نفسه، والذي يتطابق مع مواقف اليمين المتطرف الدنماركي والسويدي، والذي يضم في صفوفه من يؤمنون بالفاشية ... والنازية.

 

ذات صلة

الصورة
ليلي غرينبيرغ كول أول يهودية تستقيل من إدارة بايدن  (محمد البديوي / العربي الجديد)

سياسة

قالت ليلي غرينبيرغ كول التي قدّمت استقالتها من إدارة بايدن، لـ"العربي الجديد"، إن إدارتها لا ترغب بالاستماع لمن يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة.
الصورة
 معطان في منزله بعد الإفراج عنه في 20 مايو (العربي الجديد)

مجتمع

لا يعلم الأسير الفلسطيني السابق عبد الباسط معطان (50 عاماً) المريض بالسرطان، الكثير عن وضعه الصحي، فهو يرتاد منذ أن أفرج عنه في 20 مايو/أيار الجاري.
الصورة
بلينكن يلتقي بن سلمان في الرياض

سياسة

قال أنتوني بلينكن، إنه لا يعلم موقف إسرائيل من خطة التطبيع مع السعودية التي تتضمن خريطة طريق لإنشاء دولة فلسطينية، بالإضافة إلى الهدوء في قطاع غزة.
الصورة
جنازة الأسير الفلسطيني المحرر فاروق الخطيب في بلدة أبو شخيدم، رام الله، الضفة الغربية المحتلة، 20 مايو 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تمكّن الأسير الفلسطيني المحرّر فاروق الخطيب في الضفة الغربية المحتلة من تحقيق أمنيته برؤية شقيقه حسام المعتقل إدارياً، قبل أن يستشهد فجر اليوم الاثنين

المساهمون