فخّ إسرائيلي جديد لعباس "المحرَج"

31 مارس 2014
سيلقى عباس مصير عرفات إن رفض المقترحات الإسرائيلية (Getty)
+ الخط -

تمارس إسرائيل والولايات المتحدة ضغوطاً مكثفة على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للقبول باقتراحات إسرائيلية "جديدة" حول المفاوضات. وقد أعلنت صحف عبرية أن هذه المقترحات تهدف إلى إظهار مرونة إسرائيلية في مقابل تصلب فلسطيني حول مسألة استئناف المفاوضات كشرط مسبق لتطبيق الدفعة الرابعة من الإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو، وسط الترويج لاستعداد إسرائيلي بإطلاق سراح مئات الأسرى ممّن اعتقلوا بعد أوسلوـ في حال وافق الفلسطينيون على تمديد المفاوضات.

بموازاة ذلك، خرج رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن صمته، أمس الأحد، وأعلن أمام وزراء حزبه "الليكود"، وليس في جلسة الحكومة الأسبوعية، أن الأيام المقبلة ستحدد مصير مستقبل المفاوضات والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، فإما يتم التوصل إلى اتفاق أو تنفجر الأمور. وقال نتنياهو "على أي حال، لن تبرم أي صفقة من دون أن يكون المقابل لإسرائيل واضحاً. وإذا تمت الصفقة سيتم عرضها على الحكومة للمصادقة عليها".

وسبقت كلام نتنياهو، تصريحات نسبت لمصدر سياسي رفيع المستوى، تناقلتها الصحف والمواقع المختلفة، وفحواها أن تل أبيب تمكنت من تحقيق هدف أساسي في مفاوضات الأشهر الماضية، وهو الإثبات لمن يجب أن يعرف، بأن الفلسطينيين هم الطرف الرافض للسلام، وليس إسرائيل. وكان لافتاً في هذا السياق، تركيز الصحف العبرية المختلفة على أن إسرائيل على استعداد لإبداء مرونة، وتحرير مئات الأسرى، في مقابل تمديد المفاوضات لأشهر عدة، أو تجميد "جزئي" للبناء في المستوطنات المعزولة.

وفيما أسهبت الصحف الإسرائيلية في الإشارة إلى الجهود التي يبذلها الوسيط الأميركي، مارتن إنديك، لإقناع الطرف الفلسطيني بقبول الاقتراحات الإسرائيلية، لفتت الإذاعة الإسرائيلية، اليوم الإثنين، إلى أن "الوضع في السلطة الفلسطينية، وموقف محمود عباس، لا يحتمل ضغطاً شعبياً متواصلاً في مسألة الأسرى، ولا توتراً وانتظاراً طويلين لتحرير الدفعة الرابعة" من الأسرى.

وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن نتنياهو يبحث عن وسيلة لتجاوز رفض غالبية وزراء الحكومة الإفراج عن أسرى الداخل الفلسطيني، إلا أنها قالت لو أن نتنياهو دقّق مسبقاً، خلال التفاهمات التي سبقت استئناف المفاوضات في يوليو/ تموز الماضي، بعدد أسرى ما قبل أوسلو، لكان اكتشف أن عدد الأسرى من الفلسطينيين، من دون أسرى الداخل المعتقلين في السجون الإسرائيلية، لا يتعدى 86 أسيراً، وبالتالي عندما وافقت إسرائيل على الإفراج عن قائمة بـ 104 أسرى، فهي ضمناً تشمل أسرى الخط الأخضر.

ويمكن فهم "الاقتراحات الإسرائيلية الجديدة لتحرير 400 أسير فلسطيني"، تحدد هويتهم إسرائيل، بأنه محاولة لنصب كمين جديد لعباس، فإن تخلى عن أسرى الداخل، سيكون لذلك انعكاسات بعيدة الأثر في كل ما يتعلق بمصير الفلسطينيين في أراضي الـ48 وعلاقتهم مع الشعب الفلسطيني كجزء منه، وخصوصاً أن الأسرى المعنيين كانوا نشطاء في مختلف الفصائل الفلسطينية. ومن أسرى الداخل، من ينتمي لـ"فتح" مثل عميد الأسرى كريم يونس، ومنهم من كان ينتمي لـ "الجبهة الشعبية" مثل الأسرى وليد دقة، إبراهيم بيادسة ورشدي أبو مخ.
كما أن القبول بهذا الشرط سيكون أيضاً مقروناً بالقبول بباقي الشروط الإسرائيلية، وبمنح إسرائيل صلاحية تحديد هوية هؤلاء الأسرى، مما يعني أنه لن يكون هناك مجال أيضا لتحرير القادة الأسرى، أحمد سعدات، مروان البرغوثي وفوزي الشوبكي، الذين قالت صحف إسرائيلية أن عباس طالب بتحريرهم. أما في حال رفض أبو مازن الاقتراحات الإسرائيلية، ولم يرضخ للضغوط الأميركية المكثفة، فسيكون ذلك دليلا على أن الفلسطينيين يريدون تطبيق الدفعة الرابعة، ومن ثم عدم استئناف المفاوضات، وهو أمر ترفضه إسرائيل.

وأوحت الصحف الإسرائيلية، في تغطيتها للتحركات الأخيرة، بأن الأمر متعلق الآن بالرد الفلسطيني على الاقتراحات الجديدة، وهو انطباع يصب في صالح الموقف المعلن لنتنياهو عن "أن المفاوضات أثبتت لمن يجب أن يعرف، أن مَن يرفض استئناف المفاوضات والتوصل إلى اتفاق دائم هم الفلسطينيون".

وفي السياق، أشارت "هآرتس"، إلى حَرج كبير لدى عباس، ونقلت عن مصدر فلسطيني رفيع المستوى من داخل حركة "فتح" قوله إن الرئيس الفلسطيني "في وضع لا يسمح له بالتنازل عن أي من الأسرى المشمولين في الصفقة الرابعة، لأن أي تنازل كهذا يعني ضرب مكانته في الأراضي المحتلة وضرب مصداقيته كلياً".

ومهما كان الرد الفلسطيني، وفق هذا السيناريو، فستكون إسرائيل الرابح الأساسي. فإذا رضخت السلطة الفلسطينية وتخلت عن شرط تحرير أسرى الداخل، فإنها ستفقد مصداقيتها أمام الفلسطينيين في الخط الأخضر، مما سيفتح الباب كلياً أمام مزيد من التعنت الإسرائيلي في تعامل الحكومة مع فلسطينيي الـ48، وفك أي ارتباط بينهم وبين باقي الشعب الفلسطيني، ومواصلة سياسة "فرّق تسُد" وتجزئتهم إلى طوائف، من جهة، وضرب وهزّ مكانة عباس الداخلية، من جهة أخرى.
أما إذا أصرّت السلطة الفلسطينية على فصل تطبيق الدفعة الرابعة عن شروط استئناف المفاوضات وتمديدها، وتمسّكت برفض مقترحات وزير الخارجية جون كيري، المتمثلة بالتنازل عن القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وحق العودة، فسوف تنضم الولايات المتحدة إلى الموقف الإسرائيلي، لتكرار سيناريو مؤتمر كامب ديفيد عام 2000، عندما حمّل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون نظيره الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مسؤولية فشل المفاوضات، واندلعت بعدها الانتفاضة الثانية.

المساهمون