عن انضمام فلسطين للمعاهدات والمنظمات الدولية

عن انضمام فلسطين للمعاهدات والمنظمات الدولية

03 يناير 2015

عباس يوقّع طلبات الانضمام إلى معاهدات دولية (31 ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
أثار توقيع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، محمود عباس، على طلبات الانضمام إلى منظمات واتفاقيات ومعاهدات ووثائق دولية عديدة، لا سيما "ميثاق روما" المؤسس للمحكمة الجنائية، بعد فشل التصويت في مجلس الأمن على مسودة قرار إنهاء الاحتلال، ردود فعل إسرائيلية وأميركية غاضبة. وعلى المقلب الفلسطيني، لم تخلُ التقييمات السياسية للخطوة من تباين كبير في النظر إليها، مع بروز خشية على نطاق واسع من أن تكون أهدافها محصورة في إطار توظيف تكتيكي، لتحقيق مكاسب محدودة في الصيغة التفاوضية مع حكومة نتنياهو، برعاية أميركية، بعد أن وصلت إلى طريق مسدود في مارس/ آذار الماضي.
ولتقييم الخطوة، حريّ بنا أن نعيد إلى الذاكرة أن أولى الاقتراحات لخطوات من هذا القبيل وضعت على نطاق البحث في مايو/ أيار 1999، تزامناً مع انتهاء المرحلة الانتقالية، حسب جدولة اتفاقية "غزة أريحا ـ أولاً"، من دون الدخول في مفاوضات الحل النهائي، جراء تعنت الجانب الإسرائيلي بتواطؤ أميركي، بإصراره على إعادة التفاوض على قضايا تم التفاوض عليها وتوقيع اتفاقيات بشأنها، ومطالبته بأن لا تكون هناك مرجعية للمفاوضات سوى المفاوضات نفسها، وإخراج ملف القدس الشرقية من إطار التفاوض، ومواصلة إجراءات تهويدها، وإسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقاً للقرار الدولي 194، ورفض وقف الاستيطان أو تفكيك المستوطنات القائمة في عمق الضفة الفلسطينية، وحرف مسار المفاوضات تحت سيف المطالب التوسعية الإسرائيلية، بزعم تلبية (المصالح الأمنية الإسرائيلية)، واشتراط اعتراف الجانب الفلسطيني بما يسمى (الطابع اليهودي لدولة إسرائيل). فضلاً عن عشرات المطالب الفرعية التي كانت تطرحها الحكومات الإسرائيلية على طاولة المفاوضات، في كل جولة تفاوضية جديدة، لإغراقها في الجزئيات وإثقالها.

ومن الاقتراحات التي جاءت في سياق بلورة رؤية استراتيجية فلسطينية متكاملة حينها، رداً على تنكر إسرائيل لالتزاماتها في اتفاقيات أوسلو وانتهاء المرحلة الانتقالية وتمديدها من دون جدوى، إعلان منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عن قرار يقضي ببسط السيادة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، المحتلة عام 1967، والشروع في إجراءات رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة، والانضمام إلى المنظمات الدولية المختصة، والتوقيع على المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية. وبما يفرض، ضمناً، إعادة ملف التسوية السياسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى عهدة الأمم المتحدة، وكسر الاستفراد الأميركي بالعملية التفاوضية، الموظف في صالح السياسات التوسعية الإسرائيلية، ومنع إدانة ممارسات الاحتلال.
للأسف، لم تلق تلك الاقتراحات آذاناً صاغية لدى قيادة السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت، لأن فريق السلطة كان لا يزال يراهن على وهم إمكانية تحسين شروط المفاوضات من داخلها، على الرغم من التجارب المحبطة التي مرت بها في المرحلة الانتقالية، وبقيت المراهنات العقيمة قائمة، حتى بعد أن وصلت العملية التفاوضية إلى طريق مسدود في مفاوضات "كامب ديفيد 2"، يوليو/ تموز عام 2000، وتكرار الفشل في المفاوضات التي رعتها "اللجنة الرباعية الدولية" على أساس "خطة خريطة الطريق الدولية"، وفي "مفاوضات أنابوليس"، خريف عام 2007، ومن ثم مفاوضات "اتفاق رف" التي انبثقت عنها، والمفاوضات "الاستكشافية" في العاصمة الأردنية بداية عام 2012، وأخيراً وليس آخراً، مفاوضات "اتفاقية الإطار" التي اقترحها وعمل عليها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري.
ويرجع موقف قيادة السلطة السلبي من إعلان بسط السيادة الفلسطينية إلى أنها لم تكن مع خيار بناء استراتيجية وطنية جديدة ومتكاملة، في مواجهة الصلف والتلاعب الإسرائيلي والتواطؤ الأميركي، وهو ما انعكس، في جانب رئيس منه، على المتوالية الطويلة من حوارات المصالحة الوطنية الفلسطينية التي انتهت بالفشل، على الرغم من توقيع اتفاقيات المصالحة والمبادرات الوطنية العديدة، لإنهاء الانقسام السياسي والكياني الفلسطيني الذي تشكل حركتا "فتح" و"حماس" رأسي الحربة فيه.
وفي سياق متصل، لم يتغيّر أداء رئاسة منظمة التحرير على الصعيد التفاوضي، بعد قبول "دولة فلسطين" في المنظمة الدولية بصفة دولة غير عضو، حيث واصل الفريق التفاوضي أداءه الضعيف، كما لوحظ في صيغة مسودة قرار إنهاء الاحتلال، ورضخت قيادة المنظمة، غير مرة، للضغوط الأميركية والإسرائيلية، للاستمرار في المفاوضات من دون انتظار نتائج إيجابية.
وللتذكير، إن المكانة التي أعطيت لـ"دولة فلسطين" في الأمم المتحدة، بقبولها "دولة غير عضو" في المنظمة، مكانة شبيهه بمكانة الفاتيكان، وهي خطوة رمزية لن تغيّر كثيراً من المكانة القانونية للتمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة، حيث تتمتع "دولة فلسطين" بصفة مراقب منذ عام 1988، مع فارق أن "دولة فلسطين" أصبح في وسعها الانضمام إلى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، ورفع التماسات للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. بالإضافة إلى امتيازات تترتب على باقي الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والالتزامات التي تفرضها.
لكن الطريقة التي تعاملت من خلالها الرئاسة الفلسطينية مع مفاعيل قبول "دولة فلسطين" في الأمم المتحدة، بمكانة "دولة غير عضو"، لا تزكّي أن تتعامل بطريقة مثلى مع مفاعيل التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لأن ذلك يرتبط بقرار مغادرة وهم المراهنة على المفاوضات، بصيغتها ومرجعيتها ورعايتها الراهنة، والانفتاح على خيارات وطنية بديلة في مواجهة الاحتلال، ضمن استراتيجية موحدة ومتكاملة، منصتها مصالحة وطنية ناجزة، والقطع مع السياسات التفاوضية التي ثبت أنها أضرت بالقضية الوطنية الفلسطينية، ومكّنت الحكومات الإسرائيلية من مواصلة الاستيطان، لفرض حلول توسعية بحكم الأمر الواقع.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا بعد أن وقَّع الرئيس عباس على دستة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟
من دون التسرّع في إعطاء إجابة متوقعة، وفقاً لتجارب سابقة في كيفية تعاطي السلطة مع قضايا مثل قرار محكمة العدل الدولية الذي دان، في يوليو/ تموز 2004، بناء إسرائيل جدران الضم والفصل العنصرية، وطالب الحكومة الإسرائيلية بإزالتها، وكذلك إهمال تقرير غولدستون حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2008-2009، وتعهد الرئيس عباس، أكثر من مرة، بامتناع القيادة الفلسطينية عن الادعاء ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي... إلخ.
وتبقى المفاعيل السياسية القانونية للتوقيع على خمس عشرة معاهدة واتفاقية دولية مفتوحة على احتمالات متناقضة من الصعب التنبؤ بمآلها. مع ملاحظة حقيقة أكدتها التجارب على امتداد الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، هي أن القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية لم يكن لها أي دور فاعل في وضع حدٍّ للاحتلال والعدوان والاستيطان الإسرائيلي، لأن "قانون القوة العارية" المستخدم من إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، ما زال قادراً على تعطيل كل المبادرات والجهود والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وتجاوزها، مثلما عطلها وتجاوزها سابقاً في ما يخص ملفات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
ولن تتغيّر المعادلة السياسية والتفاوضية إلا بتحويل احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة في 1967 إلى احتلال مكلف وخاسر، بتصعيد كل أشكال المقاومة ضده، لإحداث ميزان قوى يستطيع الفلسطينيون من خلاله إعلان بسط سيادتهم على هذه الأراضي. وهنا، يمكن أن يكون الانضمام إلى المنظمات والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية أرضية لعزل إسرائيل وممارسة ضغوط مكثفة عليها، في حال وجود استراتيجية فلسطينية جديدة ومتكاملة وموحّدة.

B21DA34E-F1C6-4033-B3A9-0A2E40C3E094
عامر راشد

كاتب فلسطيني. يعمل في الصحافة، اصدر كتاباً باللغة الروسية "القضية الفلسطينية تاريخ وحاضر"، وكتاباً بالعربية " فلسطين.. مائة عام بحثاً عن الحرية والعدالة"، وله دراسات وأبحاث منشورة عن الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، وقضايا فكرية.