عملية القصرين الدمويّة.. تداعيات وألغاز كبرى

عملية القصرين الدمويّة.. تداعيات وألغاز كبرى

02 يونيو 2014

تونسيون يحتشدون أمام منزل وزير الداخلية بالقصرين (فرانس برس)

+ الخط -
لم تمنع زيارات رئيس وزراء الحكومة التونسية المؤقتة، مهدي جمعة، المكوكية بين أكبر العواصم الغربية والعواصم الخليجية، ورفع مستوى "التعاون" و"التنسيق" الأمني والعسكري والاستخباراتي مع الولايات المتحدة والجزائر وفرنسا إلى أعلى درجة، من استمرار انهيار الوضع الاقتصادي، ولا تدهور الوضع الاجتماعي، وتآكل المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، والأخطر انخرام الوضع الأمني إلى حد قياسي مع قتل أربعة أمنيين وجرح أمني خامس من بين سبعة أمنيين كانوا يحرسون منزل وزير الداخلية، لطفي بن جدو، في مسقط رأسه في حي الزهور بالقصرين، على بعد أمتار من منطقة الحرس الوطني.
ما يؤشر إلى احتداد التأزم ومزيد من الانهيارات الاقتصادية، ويضع شكوكاً جدية حول تحقيق استحقاقات "خارطة الطريق"، وعلى رأسها الاستحقاق الدستوري بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل نهاية سنة 2014.
رئيس الحكومة، جمعة، عديم الخبرة في المجال الأمني خصوصاً، لم يتعظ من عملية "رواد" في فبراير/ شباط الماضي، وما تبعها من تصريحات غارقة في الإطراء والمديح الذاتي، حتى جاء الرد قوياً من جندوبة، في عملية نوعية ضد أعوان الداخلية، وأخيراً، ما صدر عنه من تصريحات "طفولية" بـ"الذهاب إلى الإرهاب قبل أن يباغتنا"، حتى جاء الرد مزلزلاً في مرة أولى في الشعانبي، بعد انفجار لغم وموت عسكريين، وصاعقاً في القصرين المدينة هذه المرة تحت الأضواء الساطعة في منزل الوزير المسؤول عن حماية أمن التونسيين.
الإطار العام الوطني لم يكن عادياً بالمرة. على مدى الشهرين الماضيين، عاشت تونس على وقع اضطرابات سياسية وأمنية وقضائية واقتصادية واجتماعية خطيرة، ابتداءً من الأحكام التبييضية لرموز وقادة نظام المخلوع زين العابدين بن علي، إلى الملاحقات المركّزة في حق ناشطي الثورة، وخصوصاً من بين عائلات شهداء الثورة وجرحاها، مروراً بتعطّل "الحوار السياسي"، خصوصاً بشأن قضية الفصل، أو التزامن، في موضوع الانتخابات (الرئاسية والتشريعية)، وأيضاً تأجيل "الحوار الاقتصادي"، وانسحاب عدة أحزاب منه، وقضية التطبيع مع الكيان الصهيوني التي قادها الوزيران رضا صفر (وزير الأمن) وكربول (وزيرة السياحة)، وما تبعها من تداعيات سياسية معقدة طالت آثارها، وحل رابطات حماية الثورة قضائياً (ولكن تحت تأثير الضغط السياسي الحكومي)، وأخيراً حملة الاعتداءات الأمنية على الصحافيين والمدونين، توّجتها في يوم العملية في القصرين حملة النقابات الأمنية على محكمة القصرين، وتسجيل اعتداءات في حق المحامين والصحافيين، والمحكمة ذاتها دانتها عمادة المحامين.
صدى عملية القصرين كان مدوياً على الصعيد الدولي، وعدة دول بادرت إلى إدانة العملية، ولكن النتائج الاقتصادية السلبية ستكون كبيرة، خصوصاً على مستوى السياحة في ظل مناخ إقليمي متوتر، خصوصاً في الجارة ليبيا، وما تعرفه من انخرام تام للأمن وغياب شبه كلي لمعالم السيادة وملامح الدولة.
على المستوى الأمني، الأوضاع ازدادت تعقداً، وحتى العملية "الاستباقية" التي تمت في ولاية مدنين الأسبوع المنقضي بتفكيك شبكة كانت تعد لعمليات زعزعة أمنية (حسب التصريح الرسمي)، فقد ظهرت غير ذات شأن، بعدما ألقت عملية القصرين بشكوك كبيرة حول جاهزية وزارة الداخلية لحماية أعوانها، وحفظ أمن الوطن والشعب والمصالح الحيوية للبلاد.
العملية الاخيرة أفقدت الشعب التونسي والأطراف الدولية الثقة في جهاز الأمن التونسي، خصوصاً وأنها حصلت في ظروف مثيرة جداً، واستهدفت منزل وزير الداخلية رأساً في قلب مدينة القصرين، وكانت قبالة منطقة أمنية، وفي حزام محكم المراقبة العسكرية والأمنية.
لاحت وزارة الداخلية أنها لا تمتلك خطة ولا برنامجاً، ولا حتى الأدوات البدائية لمواجهة المخاطر والتهديدات، والأسئلة باتت حارقة حول إمكانية مزيد من تأزم الأوضاع السياسية والأمنية الهشة التي ستؤثر على الاستحقاق الانتخابي، وهل ستكون الداخلية قادرة على ضمان الشروط الأمنية المستوجبة لقيامه؟
الأزمة الاقتصادية والخيارات غير الوطنية وغير الشعبية لحكومة مهدي جمعة، لرفع الدعم واستمرار الخضوع للدوائر الدولية المالية والسياسية، لن يوفر الإطار الملائم لتجاوز الأزمة الحادة، كما أن التوجه الرسمي في اتجاه تصفية الثورة ورموزها، وضرب منظومتها القيمية وأهدافها، سيزيد التدهور.
ثقة المواطن التونسي تتآكل يوماً بعد يوم تجاه الحكومة، والألغاز تزداد، ولا نعلم إن كانت الخيارات الحالية (الأمنية والقضائية..) في التعامل مع التيار السلفي ستستمر، وخصوصاً أن الدولة باتت عاجزة عن توفير الإطار اللازم لهذه الخيارات. ومع تزايد تدهور أوضاع حقوق الإنسان، والتضييق على الحريات والإعلاميين، وضبابية المشهد السياسي العام، وفي ظل واقع أمني إقليمي منخرم، وتبعية اقتصادية وسياسية حادة للدوائر العالمية، لا ندري كيف سيكون المستقبل البعيد، ولا حتى القريب!؟
وقائع صارخة وأخرى مطموسة واستفهامات حارقة، برسم الحكومة والرئاسة التونسيين والمجلس التأسيسي، للتحليل وبيان الحقيقة للشعب وفك الألغاز المحيّرة، وللمراجعة الجذرية للخيارات غير المبدئية، بعيداً عن منطق الهروب إلى الإمام، وتأجيل المؤجل الذي ينتظر الحسم من دون إبطاء.

 
 
 
BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
شكري بن عيسى (تونس)
شكري بن عيسى (تونس)