علامات الموضة تستعيد أرشيفها: الهرب من الواقع

علامات الموضة تستعيد أرشيفها: الهرب من الواقع

26 يونيو 2020
نشرت "ديور" كليشيهات لتصميماتها من الخمسينيات (Getty)
+ الخط -
خلال فترة العزل، قرّرت شركات الموضة العالمية إخراج أرشيفها من أقبيتها الكبيرة، ونشر بعض منه إلى العلن. نشرت علامات كبيرة، كسان لوران، صوراً لعارضات يرتدين ملابس العلامة أمام نهر السين على مواقع التواصل الاجتماعي كإنستغرام، صورها إنيز وفينود، في محاولة للعب على مبدأ الهرب من الواقع والإلهاء عن واقع العزل، والتخوف من المرض، فهي صور ممتلئة بالحياة وشخصياتها وجدت نفسها في المدينة بشكل مفاجئ.
نشرت دار ديور أيضاً كليشيهات لتصميمات كريستيان ديور من الخمسينيات وما قبل. صور للملابس كقطع فنية في متحف. ونشرت صوراً لكريستيان ديور مع كلمات تتحدث عن عبقرية ديور المصمم والمعماري وصاحب الأنف العاشق للزهور، لتذكرنا بعراقة هذه الدار ونوع الأناقة التي رسمها.


لكن الحملة الأكثر تأثيراً، التي جمعت العدد الأكبر من المشاهير ومن الكليشيهات الفنية، حملة لوي فيتون، التي صورتها الفوتوغرافية الشهيرة آن ليبوفيتز، لتقصّ لنا حكاية تجمع بين السفر واكتشاف الذات: وضعت آن مشاهير الفن في أماكن غريبة عنهم، كفرانسيس فورد كوبولا وابنته صوفيا، وبونو من فرقة يوتو، أو حتى شون كونري ومحمد علي وزين الدين زيدان وأنجيلينا جولي. اكتشاف للذات وغوص في عوالمها؛ فالشخصيات تبدو حالمة وتنظر إلى البعيد، بما أن السفر ممنوع خلال فترة العزل.


لم تتوقف هذه الحملات هنا، فقامت دار إيترو بحملة أرشيفية، حتى إن المشاهير كليز هيرلي وغيرها، شاركوا مع مجلة هاربر بازار بنشر صور من الأرشيف، لتذكرنا بملابس العلامات العريقة وما عنت لهم في فترة من الفترات، وخلال مناسبات كانت مهمة بالنسبة إليهم.
أصبح الأرشيف ملاذاً لهؤلاء العلامات خلال فترة الذعر من انتشار فيروس كورونا، وكأن العلامات التي فقدت الكثير بسبب انتشار الوباء والعزل، لإغلاق متاجرها وتراجع المبيعات والعروض بسبب إحساس الكثيرين بأن البضائع الفاخرة ليست أساسية في حياتنا، اضطرت إلى استعادة ذكرياتها لتبقى حية، كي تتذكر أن الواقع الذي تعيشه لم يكن دائماً بهذا الشكل، ودفعت الأزمة الصحية تلك الشركات إلى التفكير والعودة إلى الذات، كما قال أرسطو إن الأزمات صنعت المفكرين الأوائل بالفلسفة.
تعددت التحليلات، واعتبر العديد من المراقبين هذه الحملات بمثابة تذكير بعراقة هذه العلامات التي يمكنها تجاوز كل المصائب المتتالية على العالم. فبعض هذه الدور بدأت قبل الحرب العالمية الأولى، كدار شانيل ودار ديور وبالانسياغا، متجاوزة كل الأحداث التي ضربت أوروبا، لا بل استفادت غابريل شانيل حينها من توقف استيراد الأقمشة، وابتكرت ملابس قماش الجيرسي التي أصبحت رمز ألبسة شانيل.
واعتبر آخرون هذه الاستراتيجية التي تولدت بسبب الأزمة، كمكمل مفيد لحملات المجموعات التي تطلقها هذه العلامات حالياً، وتذكيراً بالأساسيات التي ضاعت عن الأنظار خلال فترة انتشار المرض في أوروبا. لكن هذه العلامات عادت إلى السوق بقوة، خاصة بعد إعادة افتتاح متاجرها في آسيا، السوق الجديدة التي أصبحت تدرّ الذهب على العلامات التجارية الفاخرة.
ركزت الحملات خلال فترة العزل، التي كانت تتحدث دائماً عن الخروج من المنزل والسفر والاستكشاف، على البقاء في المنزل بأناقة، واستخدمت شعور الحنين الذي برز بقوة عند الناس خلال فترة العزل لمصلحة استراتيجياتها التسويقية، أو كانت ضحية للحنين كالجميع. اعتبر العديد من المحللين أن شعور الحنين المتزايد كان له دور علاجي على الناس، وبالتالي يمكن أن يكون له ذات الدور على هذه العلامات، لهذا استفاضت في نشر صور من أرشيفها وإنجازاتها السابقة.
أما العلامات البارزة الشابة، كعلامة لا سيمين الشابة الباريسية، فذهبت إلى أبعد من ذلك، واستخدمت حساباتها على مواقع التواصل العالمية لمواضيع تجاوزت الملابس الجميلة، ونشرت تمارين يوغا للاسترخاء مع مدربين، ووصفات أطعمة منزلية صحية، وقوائم كتب للقراءة الملهمة.
وأقام المصمم سيمون بورت جاكيموس حملة باسم "دع الجميع يستمتعون"، وذلك عبر مسابقة ينشر فيها متابعوه صوراً لوجوه أو أشكال باستخدام العناصر الموجودة في المنزل، تحدٍّ طفولي، لكن يجعل الجميع يبتسم.
أطلقت علامات أخرى حملات أكثر ابتكاراً، كعلامة فيت أمبيريال، التي أقامت مسابقة للرسم مفتوحة للجميع، يطلب فيها من المتسابقين تصور العالم ما بعد الحجر ورسمه، لتكون الجائزة قطعة أو عدة قطع من مجموعة ربيع صيف 2020، إضافة إلى قميص تتطبع عليه اللوحة وأقلام رصاص خاصة بالفائز.
بينما استعادت العلامات العريقة ذكرياتها، قامت العلامات الشابة البارزة بحملات تفاعلية حيوية، وكأن العالم انقسم خلال تلك الفترة إلى ما بين إيقاظ الحنين والماضي أو التفاعل مع الحاضر بكل ما فيه وبقوة. كالانقسام الذي رأيناه سابقاً وحتى الآن في الشرق الأوسط، بسبب الأزمات المتتالية، والذي قسّم الناس إلى متغنّين وعائدين إلى الماضي، وما يحويه من أمجاد واستقرار، والتأسف على فترة ما قبل الحروب، وأولئك الذين فضّلوا التفاعل مع الحاضر والعيش في اللحظة والسماح للحزن بالحضور بين أفكارهم، إلى جانب الذين يحاولون إنكار الواقع السيئ عبر المبالغة في الكمال إلى حد التهريج.

المساهمون