سورية: "داعش" يتوغّل في مناطق الأكراد رداً على "التحالف"

سورية: "داعش" يتوغّل في مناطق الأكراد رداً على "التحالف"

19 سبتمبر 2014
القوى العسكرية الكردية فشلت بالدفاع عن مواقعها (إمره يولماز/الأناضول)
+ الخط -

تظهر الطريقة، التي سيطر من خلالها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، خلال أقل من يومين، على أكثر من عشرين بلدة كردية، فضلاً عن حصاره لواحدة من أكبر المدن الكردية في الشمال السوري، وهي عين العرب "كوباني"، أن هناك تحضيراً عالي المستوى سبق العملية، في وقت أوحى فيه التنظيم بأنه يُعدّ لعملية كبرى في محافظة دير الزور، شرق البلاد، بهدف الاستيلاء على مطارها العسكري، والأحياء التي ما زالت تحت سيطرة النظام داخل المدينة.

ويواصل "داعش" انتهاج سياسة تكتيكية ناجحة، باعتماد مبدأ "الحرب خدعة"، وذلك من خلال الحشد الإعلامي والإيحاء بالتحضير لمعركة في منطقة ما، في وقت يستعدّ فيه لاقتحام منطقة أخرى.

ونجح هذا التكتيك في معظم المعارك، التي خاضها التنظيم، ومنها اقتحام الفرقة 17 في محافظة الرقة، إذ تمكن من الإيحاء، حينها، بأنّه يحضّر لمعركة السيطرة على حي الجورة في مدينة دير الزور، ليباغت النظام باقتحام الفرقة 17، التي تمكن من السيطرة عليها خلال ساعات.

وتذهب تحليلات أخرى إلى القول إنّ تسارع الأحداث، التي أملاها تشكيل التحالف الدولي ضد "داعش"، والذي ركز على تسليح الفصائل الكرديّة في سورية، دفع بالتنظيم إلى تغيير استراتيجيته على الأرض، والقيام بخطوة استباقية، من خلال تحوّله إلى السيطرة على أكبر قدر من المناطق، ذات االغالبية الكردية في شمال سورية، بعد أن كان يُعدّ لمعركة دير الزور.

ويبدو أن التنظيم من خلال سيطرته على أكبر مساحة ممكنة من مناطق الأكراد (الشريك الرئيسي في التحالف الدولي ضده)، يريد أن يقطع الطريق على التحالف، الذي أعلنت معظم الدول المشاركة فيه أنها لن تخوض معارك بريّة، وأنّ الحرب ضد "داعش" ستعتمد بشكل رئيسي على ضربات جويّة، مما قد يدفع التنظيم إلى الاحتماء بمناطق خصمه واتخاذ سكانها دروعاً بشريّة.

تركيا: تجنّب الأضرار

في موازاة ذلك، من شبه المؤكّد أن تركيا لا تشعر بالاطمئنان لوجود "داعش" على حدودها الجنوبية، لكن لدى أنقرة مجموعة من التحفّظات، تجعلها تُحجم عن المشاركة الفاعلة بالتحالف ضد "داعش".

وتتعلّق أولى هذه التحفظات، على ما يبدو، بأجندة التحالف نفسه، والتي أعلنت تركيا، صراحة، أنّها ترى فيها تبدّلاً بالأولويات، إذ يعتبر المسؤولون الأتراك أنّ الهدف الأول في سورية هو إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، في حين تأخذ قضية الدبلوماسيين الأتراك الرهائن لدى التنظيم، أهمية كبيرة لحكومة حزب "العدالة والتنمية".

أمّا التحفظ الأكبر فيتمثل في تخوف تركيا من أن يصبح للقوى الكردية في سورية دور أكبر، مما قد يغذّي طموحات انفصاليّة لدى أكراد تركيا على الجانب الآخر من الحدود، كما أن تردّد تركيا في استقبال نازحين أكراد يعود إلى انتفاء المصلحة التركيّة بتهجير كردي، قد يضيف عليها أعباء أخرى. وربّما تكون التصريحات، التي سُرّبت حول إعداد الجيش التركي خططاً لـ"منطقة عازلة"، جنوب البلاد، قد سرّعت في اتخاذ التنظيم خطوة في اتجاه السيطرة على أكبر قدر ممكن من المناطق المحاذية للحدود التركيّة.

ويرى عضو القيادة السياسية في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" في سورية، كاوا عزيزي، أن "تقدّم داعش بهذه السرعة، دليل على ضعف القوات الكرديّة في المنطقة، وعدم تمكّنها، لوحدها، من صدّ هجومه". وينتقد سياسة "وحدات الحماية للشعب الكردي"، مبيّناً أنّها كانت أحد أسباب تقدم "داعش"، من خلال مساهمتها في تقسيم الصفّ الكردي وتهجير معظم الشباب وإفراغ المنطقة من السكان.

ويُعرب عزيزي عن اعتقاده بأنّ الهجوم سيتوقّف، لأنه من غير المسموح إزالة كانتون عن الوجود، لكن القوى الكرديّة، في الحقيقة، لن تتمكّن من محاربة "داعش" من دون مساندة خارجية، وحالياً هذه المساندة غير موجودة".

ويرى عزيزي أنّ "تركيا وإيران ومن لفّ لفيفهما يحاولون فكّ الارتباط الاستراتيجي، بين رئاسة إقليم كردستان العراق، بزعامة مسعود البرزاني والقوات الدوليّة".

ويبين المسؤول الحزبي أنّ "ما يحدث هو ثورة حقيقية، لنجاح الأكراد على الصعيد السياسي والعسكري والدبلوماسي، وليس بمستطاع هذه القوى إيقاف هذه العملية"، قبل أن يضيف: "كردستان والكرد المعتدلون أصبحوا جزءاً من المشروع الدولي المناهض للإرهاب، وهذا ما سيكون له ثمنه، وهو الدولة الكرديّة في النهاية".

وتأتي سيطرة "داعش" على القرى الكردية، بعد أيام من إعلان فصائل من "الجيش الحر" التنسيق مع الفصائل الكرديّة، وتشكيل جبهة مشتركة لمواجهة التنظيم في شمال سورية.

وتنبثق أهمية هذه المناطق بالنسبة إلى "داعش" من موقعها ضمن فضاء "الدولة الإسلاميّة"، كونها تفصل بين منطقتين تقعان تحت سيطرة التنظيم هما جرابلس وتل أبيض، وبالتالي تؤمن السيطرة على تلك المنطقة حماية لجنبات مناطق سيطرة التنظيم، ويمنع تحولها إلى نقاط انطلاق لمهاجمته، كما يعطيه دفعاً في اتجاه مناطق أخرى، كمحافظة الحسكة.

ومن شأن السيطرة على مدينة عين العرب، وهي ثالث أكبر مدينة سوريّة من حيث الغالبية السكانيّة الكرديّة، أن تؤمن لتنظيم "داعش" تواصلاً جغرافياً على جزء كبير من الحدود السورية ــ التركية.

وشهد ريف عين العرب الشرقي نزوحاً لآلاف العائلات الكرديّة في اتجاه الحدود التركية، التي امتنعت عن استقبالهم بداية، قبل أن تعلن أمس، الجمعة، السماح للآلاف الهاربين بالدخول إلى أراضيها.

وطالب "الائتلاف الوطني" المعارض، في بيان أصدره، المجتمع الدولي والمنظّمات الحقوقيّة والإنسانيّة بمدّ يد العون، واتخاذ تدابير عاجلة تحول دون تفاقم الوضع، كما دعا الأتراك إلى فتح الحدود وتسهيل دخول جميع الهاربين من بطش تنظيم "الدولة".

وكانت تقارير قد أفادت، أمس، قبل الاعلان عن فتح تركيا حدودها، بأنّ أكثر من 7 آلاف مدني عالقون على الحدود السورية ــ التركية، منذ صباح الخميس الماضي، غالبيتهم من الأطفال والنساء وسط ظروف إنسانيّة قاسية.

المساهمون