ست نهايات جزائرية

ست نهايات جزائرية

23 يونيو 2020
أويحيى مكبّلاً في جنازة شقيقه (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -
صورة رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق أحمد أويحيى وهو آتٍ من السجن مقيّد اليدين في المقبرة ومحاط بالمراقبين في جنازة شقيقه ومحاميه العيفة أويحيى، وقد خسر سنده الوحيد في أزمته القضائية (قضايا فساد)، وتحطم مساره السياسي وانكسرت طموحاته التي كانت تتوجه به رأساً إلى الرئاسة، هي درس بالغ لكل السياسيين والمسؤولين الذين يتعامون عن حقوق شعوبهم وتمتد يدهم لنهب مقدراتها. وبعيداً عن الجدل الأخلاقي للمشهد وبث صوره ومدى مواءمة ذلك مع العرف والقانون، فإن الموقف والنهايات المشرفة لا يصنعهما النفوذ ولا يرسمهما المنصب والثروة والانتصار للذات، بقدر ما يصنعهما الصدق مع الشعب والاخلاص للبلد، لأن الشعوب تعرف في لحظات المحنة، وبذكاء جمعي، من يستحق التقدير ومن يستحق الكره.

في الجزائر ست نهايات يجب أن تكتب وتبقى عبرة وشاهداً للناس، لمسؤولين كان لهم دور في صناعة النكبة الجزائرية قبل أويحيى، كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نفسه رجلاً عاصر صنّاع التاريخ وكبار القرن الماضي، لكن شهوة الحكم ونزوة السلطة انتهتا به إلى خروج مهين من نافذة ضيقة جداً، بعد ثورة شعبية لم تبق له من أثر. أيضاً شقيقه السعيد بوتفليقة الذي كان صانع قرار ومناصب وصفقات، لم تكن نهايته أفضل حالاً وهو في السجن، لأن الرجل المتخصص أكاديمياً في الذكاء الاصطناعي، وظف ذاك الذكاء في صناعة النكبة والاستبداد، بدلاً من التنمية.

هناك أيضاً مصير وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، المسؤول عن توقيف المسار الانتخابي في يناير/ كانون الثاني 1992 والمحنة التي أدت إلى مقتل 200 ألف جزائري. الرجل الذي كان في السلطة، بات هائماً في الخارج فاراً من القضاء، علماً أنه يُلاحق أيضاً في قضايا تعذيب. تبرز أيضاً نهاية "صانع الرؤساء"، قائد المخابرات لأكثر من عقدين الجنرال محمد مدين، الموجود في السجن، في قصة أخرى لرجل اختار أن يلهو وبتلذذ بمصير البلد لأكثر من 25 سنة ويدبر مسارات ومتاهات لا حصر لها. وهنا أيضاً سيذكر الجزائريون نهاية زعيم الكارتل المالي علي حداد الذي خلق شبكة أسطورية للفساد المالي تسببت في إهدار المليارات من الدولارات.

المجتمع المتحضر يعاقب لكنه لا ينتقم، على الرغم من كل الانتكاسات ومخلفاتها القاسية وتحطيم مصير أجيال كاملة، لم يشأ الجزائريون أن تكون نهايات هؤلاء وغيرهم مماثلة للنهاية الدرامية للعقيد الليبي معمّر القذافي، بل ثمة حدّ أدنى من العدالة والقانون على الأقلّ، حتى وإن كانت إدانة التاريخ أكثر قسوة من القانون نفسه، فكما للتاريخ صفحات، له مزبلة أيضاً.

المساهمون