دورة حياة الانقلابات ...

دورة حياة الانقلابات ...

10 يونيو 2014

بينوشيه قام بالانقلاب في تشيلي في 1973 (Getty)

+ الخط -
كثيراً ما يوصف القرن العشرون بأنه قرن الثورات والانقلابات التي غمرت العالم، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه. قراءة متأنية فى السيرة السياسية للقرن الماضي تكشف أن ثمة دورة حياة للانقلابات السياسية والعسكرية، يمكن إجمالها في خمس مراحل، أو محطات أساسية.
تبدأ الانقلابات، عادة، بمرحلة التمهيد، أو التجهيز التي يجري فيها إعداد المشهد السياسي، بشكل يسهل من عملية الانقلاب. وهو أمر غريب، فالانقلابات كثيراً ما تكون مفاجئة وسريعة، ولكن، من خلال نظرة عميقة، سوف نجد أن عمليات التجهيز والترتيب للانقلابات قد تأخذ شهوراً، وربما سنوات قبل تنفيذها. وغالباً ما تكون هناك ترتيبات داخلية وخارجية، تسهل من عملية الانقلاب، وتساهم في إنجاحها. حدث ذلك في معظم الانقلابات التي جرت في أميركا اللاتينية، والتي جرى تدبيرها وتنسيقها بين المخابرات المركزية الأميركية والقيادات العسكرية، أو حركات التمرد الداخلية، مثلما حدث في تشيلي وبنما وجمهورية الدومينكان وهاييتي، وهو ما حدث، أيضاً، في انقلاب الشاه ضد حكومة محمد مصدق في إيران عام 1953.
وهو ما حدث بشكل واضح في الحالة المصرية، فقد سبق انقلاب الثالث من يوليو/تموز عملية تمهيد وتسخين، قادتها أجهزة الدولة العميقة، وأجهزة الإعلام المدعومة من رجال أعمال فاسدين محسوبين على نظام حسني مبارك، ناهيك عن الدعم الإقليمي غير المحدود، ومباركة المؤسسة العسكرية. وقد سهل من ذلك الأخطاء السياسية للرئيس محمد مرسي، وفشل جماعة الإخوان المسلمين في إدارة شؤون الحكم، في أثناء وجودهم في السلطة.

المرحلة الثانية هي مرحلة التصعيد، وفيها يجري صناعة الأسطورة، أو البطل الذي "أنقذ البلاد من الفوضي والانقسام"، وهو ما حدث في جمهورية الدومينكان مع الجنرال رافائيل تروخيليو مولينا عام 1930، وما حدث مع أوغستو بينوشيه في تشيلي عام 1973. في هذه المرحلة، يتم تنفيذ عملية "غسيل دماغ" للجمهور، من خلال حملة دعائية منظمة، تقوم بشيطنة كل البدائل، والدفع باتجاه شخص، أو مؤسسة واحدة، باعتبارها القادرة على تحقيق الأمن والاستقرار. وهو ما حدث حرفياً في الحالة المصرية، حيث تم تصعيد عبد الفتاح السيسي، والمبالغة في إمكاناته وقدراته، وجرت صناعة "الأسطورة" التي بإمكانها "إنقاذ البلاد" وتحقيق الاستقرار.
المرحلة الثالثة هي مرحلة التتويج، وهي التي يتولى فيها قائد الانقلاب، أو مؤسسته، السلطة، من خلال دعم داخلي ومباركة خارجية. وخلال هذه المرحلة، تحرص الهيئة الانقلابية على تكريس الأسطورة التي تم اختلاقها في مرحلة التصعيد، ودفعها نحو منصة التتويج. هنا، تبدو المعركة رمزية بامتياز، ويجري التركيز فيها على الصورة والإخراج، من أجل تغطية الواقع المغاير تماماً لهذه الصورة. وهو ما حدث حرفياً في حالة عبد الفتاح السيسي الذي جرى تنصيبه وتتويجه، من خلال أجواء احتفائية، فيها من المبالغة والتزيد ما يكشف زيفها وعدم صدقها.
المرحلة الرابعة هي مرحلة التمكين. وهي التي يقوم فيها قائد الانقلاب ومن معه بثلاثة أمور، أولها إعادة تشكيل مراكز القوى فى النظام الجديد، من أجل ضمان ولائها وطاعتها. ثانيها إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، بحيث تصبح أداة فى يد الحاكم الجديد، فيستخدمها في تنفيذ برنامجه أو مشروعه السياسي. ثالثها التخلص من المعارضة الحقيقية، وعدم إعطاء أية مساحة للنقد، أو الرفض، من خلال عمليات قمع وعنف دولتي، واسع النطاق. وهو ما يتوقع حدوثه في مصر في الأسابيع والشهور القليلة المقبلة. فلن تستقر الأرض للسيسي، قبل أن يقوم بالسيطرة على مراكز القوى ومؤسسات الدولة وقمع المعارضين.
أما المرحلة الخامسة والأخيرة فهي مرحلة المآلات والنهايات التي يصل فيها الانقلاب إلى محطته الأخيرة. وقد تأخذ هذه المرحلة عقوداً، كما كانت الحال مع مولينا الذي استمر في السلطة، أكثر من ثلاثين عاماً، ومثلما بينوشيه الذي استمر حوالي عقدين، وقد تأخذ سنوات قليلة، مثلما حدث في تركيا خلال الثمانينات، وربما تأخذ أياما وأسابيع، مثلما حدث مع هوغو تشافيز في فنزويلا. وتختلف الأسباب وراء صمود الانقلابات وبقائها، ما بين النجاح الاقتصادي للأنظمة الانقلابية، والتي تستقطب قطاعات شعبية لم تكن معها فى البداية، والدعم الخارجي الذي يبقي هذه الأنظمة على قيد الحياة، ويعطيها قدراً من القوة في مواجهة معارضيها.
لكن، من الملفت أن نهايات الانقلابات ومآلاتها تبدو قاسية ومأساوية للقائمين بها. ففى معظم الحالات، انتهت هذه الانقلابات إما باغتيال قادة الانقلاب، مثلما حدث الأمر مع مولينا في الدومينكان، أو القتل مثلما حدث مع القذافي، أو المحاكمة مثلما حدث مع بينوشيه، أو الإعدام مثلما حدث مع صدام حسين.
وبوجه عام، لا تسقط الانقلابات بالتمني، أو بعدالة قضية رافضها، وإنما بقدرة المعارضين على تجاوز خلافاتهم وانشقاقاتهم، والعمل سوياً فى إطار عمل جبهوي، يمكنه إعادة تشكيل الرأي العام، وجذب قطاعات شعبية وإقناعها بالتغيير، وكلما كان ذلك سريعاً اقتربت نهاية الانقلاب، والعكس صحيح.

 

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".