حكواتي: صديقي البطارية

02 يوليو 2014
الصورة من إعداد (lvcandy/Getty)
+ الخط -

 في مراهقتي (يعني قبل فترة بسيطة) كنت أقسم الصداقة إلى فسطاطين، وأردّد وراء جدّي المثقّب العبدي (553 – 587 م):

فإمّا أن تكونَ أخي بحقّ  فأَعرِفَ منك غثّي من سميني

وإلا فاطَّرحني واتّخذني  عدوّا أَتّقيك وتتّقيني

بالطبع يمكنك أن تشيل "أخي" وتضع مكانها "صديقي". فالكلمتان تتبادلان الأدوار كلّ ساعة. الأخ يقول لأخيه: أنت لست مجرّد أخ، بل أعتبرك صديقي. والصديق يقول لصديقه: أنت لست مجرّد صديق بل أعتبرك أخا.

في كهولتي (الكهل من 35 عاما حتّى 50)، بدأت أميل إلى منطقة بين "فإما" و"إلا" المثقّبتين العبديتين.

وحين مررت براحلتي من قطر إلى الأردن وقفت في الأحساء بالسعودية، موطن شاعرنا، أعبّئ البنزين أوّل مرّة فقلتُ: سلام عليك يا جدّي المثقّب، وعلى كل السامعين في الأعالي.

ومضيت بالراحلة الـ4×4 أنهب الطريق في الأحساء، التي تعادل مساحتها الأردن وسورية وتونس وقطر ولبنان والبحرين، وأنا أفكّر: كيف أستأذن جدّي في الاختلاف معه قليلا.

وأخيرا أوقفت الراحلة وأغمضت عينيّ وقررتُ أن أقدّم مرافعتي: أيها الجدّ العظيم لو أذنت لي فإنّ الصداقة نسبية والأصدقاء جميعهم كويّسين بمقدار.

نحن نحكي فقط عن الأصدقاء، أما إذا انطلق شبشب غدرا وخيانة من واحد باتجاه واحد، فهو أصلا ليس من صديق. تُستثنى من ذلك بالطبع الشباشب الصديقة التي قد تأتينا دون سبق إصرار وتعمّد.

ما أريد قوله إنّني أتكلّم عن الصداقة، الآن الآن، ما دامت الشباشب في أغمادها.

ثمّة من يمشي معك مائة متر ويتركك. ليس لأنه مش كويّس، بل لأنّ بطاريته خلصت.

ثمّة من يقطع معك فراسخ طويلة، (الفرسخ خمسة كيلومترات).

من الظلم أن ترفع سقوف التوقعات بشكل اعتباطي. فلا تتوقعنّ من صديق بطاريته بحجم بطاريّة الريموت كونترول أن يمضي معك طويلا.

الصداقة بطّارية.

أتعرف يا جدّي ما معنى بطارية؟

أعرف – قال المثقّب - ولكن ما معنى: صديق؟

 

 

 

دلالات
المساهمون