حرب فيديوهات في مصر

حرب فيديوهات في مصر

23 نوفمبر 2014

موقع تفجير قرب وزارة الخارجية في القاهرة (21سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

حرك الفيديو الصادم لما يسمى أنصار بيت المقدس، أو الفرع الجديد لداعش، الماء الراكد، وأعاد إلى الأذهان انهيار جيوش عربية في ساعات، كما حدث في بغداد وصنعاء، وأظهر الفشل المخابراتي في مصر، من وجهتين متعارضتين، بل متناقضتين، فالذي يرى أن تفجيرات كثيرة في سيناء وغيرها تقف وراءها المخابرات المصرية أصابه الذهول، وبدأ يشكك في وجهة نظره، ويؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الإرهاب حقيقي، وأن المخابرات عجزت عن توقعه، ومن صدق وجهة النظر أن كل ما يحدث وراءه الإرهاب المحتمل الذي تحول إلى إرهاب حقيقي، ويقف له بالمرصاد خير أجناد الأرض وخير مخابراتها، فتلقف الفيديو بخيبة أمل كبيرة في كليهما، مع هروب الدبابة من أمام شخص يملك سلاحاً خفيفاً.

وبدلاً من رد المتحدث العسكري المصري على هذا الفيديو الذي ينكل فيه بجنوده، وتهرب دباباته، عرض فيديو أقل جودة، يظهر فيه قتل الجنود مدنيين عزلاً، وفي ميدان مختلف عن سيناء، هو الصحراء الغربية، رافق ذلك فيديو الأم التي تعترف من دون أن تقصد بجريمة العسكر ضد المدنيين، وهي تقول إن ابنها كان يقتل ويحرق الإرهابيين من "حماس" و"الإخوان"، وكان يرتدي الترنج، وفي ذلك جريمتان، القتل والحرق للأبرياء ثم جريمة تخفي الجنود في زيّ مدني، حتى تنسب قضايا القتل والحرق للمدنيين والإرهابيين، لننتقل بذلك من حرب الميادين إلى حرب الفيديوهات والفيديوهات المضادة.

وفي وسط هذا الصخب الذي غطى على فضيحة الهجوم المزعوم من (البلنصات) على اللنش الحربي في وسط البحر، فأصاب خمسة عسكريين، وتم فقد ثمانية آخرين في روايات متضاربة، لم تجد لها مخرجاً بارعاً، والتي تم القبض فيها على 35 إرهابياً، كما زعموا في بطولة نادرة، وما لبث أن ظهر أنهم صيادون لا حول لهم ولا قوة، فتم الإفراج عنهم لاحقاً، فتوارى حادث اللنش مع معركة الفيديوهات.

وأياً كانت درجة مصداقية فيديو قتل الجنود أو كذبه، فهناك نقاط جديرة بالاهتمام، أولها أن صمت المتحدث العسكري عن الحدث الجلل، في وقت لا تتوقف بياناته وتصريحاته، يشير إلى أنهم راضون عن تأثير الفيديو، وإنه يحقق المطلوب، حتى لو أظهر الجيش بمظهر فاقد الجاهزية، فقد تكلم فيه كثيرون من قبل، وأصبح معلوماً من الانقلاب بالضرورة، وهذا الفيديو لن يزيد الأمر سوءاً، أو يقدم جديداً، فالكل يعلم أن الجيش المصري لم يصد هجوماً واحداً منذ يناير/كانون الثاني 2011 وحتى اللحظة التي تقرأ فيها هذه الكلمات، وأكثر طلعات الطيران الحربي كانت لقتل المدنيين، أو نقل الموتى والمصابين من الوادي الجديد إلى سيناء، مروراً بالعلمين والساحل الشمالي.

ثاني هذه النقاط أن نظام الانقلاب منذ خمسة عشر شهراً ينادي، في كل المحافل، أن مصر في حرب مقدسة ضد الإرهاب، ولا مجيب ولا مصدق سوى الداعمين له من أصحاب القوائم الجاهزة للإرهابيين المحتملين، فلما كان اهتمام العالم بداعش كان الحل فتح فرع جديد لها في مصر، لعل ذلك يجدي نفعاً في معركة العسكر، من أجل البقاء، فكانت البيعة للبغدادي، وكان فيديو قتل الجنود بصورة درامية، كافية من وجهة نظرهم، كطوق نجاة في هذا الموج الهائل.

كما أن الوحيد الذي يحكم على صحة هذا الفيديو والفيديوهات المتوقع صدورها لاحقاً، والتي لا يستبعد الكاتب أن تحمل مناظر لذبح الجنود أو غيرهم، هم فقط من يسيطرون على الأرض ويملكون فيها الكاميرا والإعلام، وهم العسكر، ولا يستطيع غيرهم أن يؤكد مدى دقة المكان، كميناً كان أم غير ذلك. والسؤال المطروح، هل نحتاج إلى فيديو، بعدما أعلن الجيش المصري سابقاً عن القتلى؟ وهل الفيديو هو الذي يثبت صحة وجود تنظيمات إرهابية؟ مؤكد أن الفيديوهات مجال للتشكيك والتصديق، أما المستفيد منها فهي سلطة الانقلاب في المقام الأول.

ليس كل ما سبق تشكيكاً أو تصديقاً للفيديو المتداول، كما أنه لا ينكر وجود جماعات إرهابية تكونت وستزداد بفعل ما يحدث من القتل والقهر والاستبداد لشعب مصر، منذ الثالث من يوليو/تموز 2013، فعلينا أن نتوقف عن حرب الفيديوهات لمحاربة الاستبداد الذي يمر بمراحله الأخيرة، فلا نعطيه قبلة الحياة.

72B719B0-81A2-437D-9D80-161222B65BE0
عبد العزيز مجاور

كاتب مصري، دراسات عليا في العلاقات الدولية، له كتاب "عام من الثورة المضادة"، ومقالات منشورة.