حرب الفلوجة تعيد الدفء إلى علاقة المالكي وواشنطن

حرب الفلوجة تعيد الدفء إلى علاقة المالكي وواشنطن

12 مايو 2014
واشنطن ترى تسليح المالكي الحل الأسرع للقضاء على الإرهاب(getty)
+ الخط -

تزامنت عودة دفء العلاقة بين بغداد وواشنطن مع انطلاق الحملة العسكرية الواسعة في الفلوجة ومناطق أخرى، معارضة لحكومة نوري المالكي، مما دفع كثيرين إلى طرح تساؤلات عن سرّ تحسن هذه العلاقة.

وكان قائد المنطقة الوسطى في القوات الأميركية، الجنرال لويد اوستن، قد وصل بغداد قبل يومين، في زيارة لم تعلن عنها الجهات العراقية والأميركية الرسمية مسبقاً. وأول من أعلن عنه، كان مساعد وكيل وزير الخارجية لشؤون العراق، برت ماكورك، في تغريدة على حسابه في "تويتر".

وقال المالكي، في بيان صدر عن مكتبه، يوم الأحد، على هامش استقباله أوستن والوفد المرافق من ضباط ودبلوماسيين، إن "القوات العراقية وجهت ضربات قاصمة للإرهابيين من القاعدة وداعش ومن يتعاون معهم، وسنبقى نلاحقهم حتى القضاء عليهم وتخليص العراق، ولا سيما محافظة الأنبار، من أعمالهم الإجرامية". وشدد على "أهمية تعزيز التعاون العسكري والتسليحي بين البلدين بما ينسجم مع الاتفاقية الأمنية" مع الولايات المتحدة، والتي تعرف بـ"سوفا".

كلام ردّ عليه أوستن بالمثل، معلناً أن بلاده "مستمرة في التعاون مع العراق لدعم الجيش تسليحاً وتدريباً"، مشيراً إلى أن "المعركة ضد الإرهاب معركة مشتركة ولا بد من استئصال هذه الجماعات، لأنها تشكل خطراً ليس على العراق فحسب، بل على المنطقة برمتها".

وتزامنت زيارة أوستن مع العملية العسكرية الواسعة التي تشنها القوات العراقية، منذ يوم الجمعة، على مدينة الفلوجة ومناطق أخرى من الأنبار وديالى وصلاح الدين. وكان الجيش العراقي قد حاصر الفلوجة لنحو أربعة أشهر، وقصفها بشكل متواصل بالطائرات والمدفعية لإجبار المسلحين على الخروج منها.

وتقول الحكومة العراقية إن حملتها العسكرية تستهدف عناصر تنظيم "داعش". ويصرح قادة الجيش العراقي بأنهم استطاعوا تحرير مناطق واسعة من الفلوجة من "العناصر الارهابية" منذ بدء الحملة العسكرية.

في المقابل، يقول المسؤولون عن "المجلس العسكري لعشائر الفلوجة"، وهو تجمع يضم عدداً من فصائل مسلحي العشائر، إن الجيش حاول مراراً اقتحام المدينة ولم يفلح، وأنه كبد الجيش خسائر كبيرة في صفوفه، الامر الذي اضطره الى الانسحاب الى مسافة تبعد عدة كيلومترات عن المدينة.

وكان المالكي يتوقع أن يسحق التمرد في الأنبار في غضون أسبوع من بدء الحملة في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولكن الذي حصل أن التمرد استمر لأكثر من أربعة أشهر، بل وانتقل الى محافظات أخرى كالنار في الهشيم. وحتى اليوم، لا تزال القوات الحكومية تحاول السيطرة بشكل كامل على مناطق خارج الانبار تخضع لسيطرة المسلحين، مثل سليمان بيك وبيجي والمسيب وبعض المناطق في محافظة ديالى.

وقد أدت العمليات العسكرية في العراق، والهجمات التي يشنّها المسلحون ضد القوات الأمنية، الى مقتل أكثر من ألف عنصر أمني، فضلاً عن عشرات الآلاف من الجرحى، وفق تصريحات بعض السياسيين المعارضين للمالكي. وباتت اللافتات السوداء، التي تعلن عن أسماء "شهداء الحملة ضد الارهاب"، منتشرة في عدد من المحافظات، فيما تتناقل الأنباء عن هروب جماعي لأفراد الجيش والأمن المكلفين بالقتال في المناطق الساخنة.

وتفيد بعض التقارير بأن سبب تردد قوات الجيش في اقتحام مدينة الفلوجة، وفشله في السيطرة عليها، لمرات عدّة، هو نقص الاسلحة والعتاد، إضافة الى أنها تعاني من نقص في التدريب على حرب الشوارع والمعلومات الاستخباراتية عن تحركات المسلحين.

ومع انطلاق العمليات العسكرية، ناشد المالكي الولايات المتحدة تزويده بالأسلحة والذخائر ليستخدمها في "حربه على الإرهاب"، فما كان من الأخيرة الا أن أرسلت له أسلحة مختلفة من نوع صواريخ "هليلفاير"، اضافة الى ذخائر ودبابات وأسلحة صغيرة. لكن ذلك حصل بعد تردد طويل.

ويرى الباحث المختص بالشأن العراقي، جويل ونغ، أنّ التمرد وُلد من جديد في العراق، وأن العمليات العسكرية في الأنبار أفقدت الجيش سيطرته على الكثير من المناطق، ليس في الأنبار فحسب. ويشير ونغ الى أن انتشار القوات العراقية في محافظة الانبار وحدها، أدى الى عدم قدرتها على السيطرة على المناطق المضطربة الأخرى مثل محافظة بابل.

ويقول ونغ إنه "لو أجرينا مقارنة بين عدد الهجمات في الربع الأول من 2013، والربع الأول من 2014، نجد أن أعداد الضحايا وصل الى رقم قياسي هذا العام". ويضيف أن عدد الهجمات ارتفع بنسبة 60 في المائة، فيما تضاعفت أعداد القتلى والجرحى.

وكان النقص الحاد في الأسلحة، والقلق من سقوط بغداد في أيدي المسلحين، بعد تمكنهم من السيطرة على مناطق قريبة جداً من العاصمة، إضافة الى "البرود الأميركي" تجاه تسليح الجيش العراقي، قد دفع بالمالكي الى عقد صفقات أسلحة مع روسيا، وشراء أسلحة من إيران بصفقات سرية قيل إن قيمتها بلغت 195 مليون دولار، مما أغضب الولايات المتحدة، التي اعتبرت ذلك خرقاّ للحظر المفروض على إيران.

وكانت شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية قد أعلنت، قبل ايام، إنجاز أول تحليق تجريبي ناجح لطائرات "إف 16" المقاتلة من قاعدة "فوت ورث" في ولاية تكساس الأميركية، وذلك قبيل تصديرها الى العراق. وهذه الطائرة الأولى من بين 36 طائرة طلبها العراق من الولايات المتحدة.

يأتي ذلك مع ورود تقارير تفيد بأن الحكومة العراقية طلبت من الولايات المتحدة بيعها طائرات من دون طيار، لاستخدامها في "الحرب على الإرهاب"، بحسب وصف الحكومة العراقية. وأوضحت مجلة "فورن بوليسي"، في تقرير نشرته في 8 مايو/أيار الحالي، أن طلب الحكومة العراقية من الولايات المتحدة إرسال خبراء وعسكريين، لتشغيل هذه الطائرات واستخدامها نيابة عن القوات العراقية، هو سابقة في تاريخ العلاقة بين واشنطن وبغداد منذ انسحاب القوات الأميركية في أواخر 2011.

ويصف كاتب التقرير، كوردن لوبولد، الطلب العراقي بأنه "تغير كبير لطبيعة علاقة بغداد مع واشنطن، ويعكس شراسة المعركة، التي تواجهها القوات العراقية في المناطق الغربية". ويشير لوبولد إلى أن "الطلب العراقي كان يقتصر في السابق على المعلومات الاستخباراتية والمراقبة".

ويتزامن ذلك مع تصريحات صدرت من وزارة الدفاع الأميركية، وتفيد بأن الولايات المتحدة ستستأنف تدريب جنود من القوات العراقية الخاصة في الأردن، بدءاً من مطلع يونيو/حزيران المقبل.

ويرى بعض المراقبين أن واشنطن تستجيب بسرعة للطلبات العراقية في شؤون التسليح للأسباب التالية:

أولاً: واشنطن متخوفة من تعاظم قوة التنظيمات المتشددة في العراق، والمرتبطة بـ"القاعدة" و"داعش"، والتي تعتبرها تهديداً للاستقرار في المنطقة والعالم.

ثانياً: الطلب العراقي يتناسب مع السياسات "الناعمة" التي تتبناها إدارة الرئيس باراك أوباما، والتي لا تستخدم قوات على الأرض في حربها على "الارهاب"، وإنما أسلحة مثل طائرات من دون طيار، والمعلومات الاستخبارية.

ثالثاً: واشنطن تريد استرجاع نفوذها في العراق، بعد خسارة جزء كبير منه بعد انسحاب قواتها في أواخر 2011.

مع ذلك، يتخوف بعض المسؤولين في واشنطن من أن تستخدم حكومة المالكي أسلحة أميركية متطورة ضد أهداف لا تدخل في نطاق "الحرب على الارهاب"، كما يقول المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية، أندرو شابيرو. ويتساءل شابيرو عن جدوى هذا السلاح قائلاً "كيف لنا أن نتوصل الى اتفاق يرضي جميع العراقيين ويحقق ما يطمحون اليه، وفي الوقت نفسه يبعد عنا القلق والتهديد الذي يلاحقنا في بلدنا والعالم"؟

ويعرب الضابط الاميركي المتقاعد، الذي خدم في العراق عامَي 2007 و2008، جيمس دوبك، عن قلقه إزاء تزويد بغداد بهذه الاسلحة، ويتفق مع بعض المسؤولين الاميركيين بأن "المشكلة في العراق سياسية وليست أمنية، وأن رئيس الوزراء العراقي قد شارك في خلق المشكلة". ويقول دوبك إن "تعاظم قوة القاعدة في المنطقة، وشراسة الحرب في سورية، تجبر واشنطن على اللجوء الى استخدام طرق جديدة". ويشير دوبك إلى أنه "على الرغم من أن المالكي ليس الشريك المثالي، ولكن يجب أن نساعده عندما يطلب المساعدة، وهذا من أجل مصالحنا". ويضيف: نستطيع أن نستخدم نفوذنا لمساعدة حكومة المالكي، وندفع بها الى قبول شراكة (العرب) السنة فيها.

لم تحقق الولايات المتحدة، من خلال استخدامها الطائرات من دون طيار في حربها ضد "القاعدة" في أفغانستان وباكستان واليمن، سوى قتل المدنيين، وبعض مسؤولي "القاعدة". لكن النسبة الأعلى من الضحايا هم طبعاً من المدنيين. وفي العراق، حيث تختلط عناصر "القاعدة" مع "ثوار العشائر" والمدنيين، يُخشى من أن يؤدي استخدام هذه الطائرات إلى جرائم موصوفة بحق المدنيين، تُضاف إلى رصيد ضحايا الاحتلال، وهذا يُظهر أن الادارة الأميركية لا تزال ترى أن الحل العسكري في الفلوجة والمناطق الأخرى، هو الحل الأسرع والأنجع لدحر "الإرهاب".

 

المساهمون