جنوب السودان أمام 3 خيارات صعبة بعد فشل المفاوضات

جنوب السودان أمام 3 خيارات صعبة بعد فشل المفاوضات

08 مارس 2015
تحميل سلفاكير ومشار مسؤولية فشل المفاوضات (فرانس برس)
+ الخط -

دفع فشل الأفرقاء في جنوب السودان بالتوصل لاتفاق سلام، إلى بدء مجلس الأمن الدولي خطوات تنفيذ قرار اتخذه الثلاثاء الماضي بوضع كل من يقوّض الأمن ويعرقل السلام في دولة جنوب السودان ضمن "قائمة سوداء"، يتم بموجبها منع كل من يُدرج اسمه فيها من السفر، فضلاً عن تجميد أمواله.

وتأتي الخطوة بعد يوم من فشل الأفرقاء الجنوبيين بالتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الأهلية المستعرة في الدولة الفتية لما يقارب العام ونصف العام، بعد تمترس كل طرف خلف مواقفه تجاه ملف الترتيبات الأمنية وتقسيم السلطة وهيكلة الحكومة الانتقالية.

وعلمت "العربي الجديد" أن لجنة من مجلس الأمن ستعكف الأحد على وضع تقييم شامل تُحدّد بموجبه شخصيات في حكومة جوبا وفي المعارضة المسلّحة بقيادة رياك مشار لوضعهم ضمن القائمة السوداء.

ورجّحت مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن تشمل القائمة كلاً من الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت، وزعيم المعارضة رياك مشار، مشيرة إلى أن عملية التقييم ستتطلب عشرة أيام على الأقل قبل الإعلان عن القائمة السوداء باعتبار أن الخطوة ستتم وفقاً لدراسات وتقارير محددة.

وفشلت كل محاولات الضغط التي لجأ لها المجتمع الدولي والإقليمي لحث الطرفين (الحكومة والمعارضة) على التوقيع على اتفاق سلام قبل المهلة النهائية التي حددتها وساطة الهيئة الحكومية للتنمية في دول غرب أفريقيا "إيغاد"، وانتهت في الخامس من مارس/آذار الحالي، بما فيها التسريبات عن تقرير اللجنة الأفريقية الخاصة بالتحقيق في الانتهاكات التي تمت إبان الحرب الأهلية في جنوب السودان برئاسة أولوسيجون أوباسنجو.

وقد أوصى التقرير بوضع دولة جنوب السودان تحت وصاية دولية مشتركة بانتداب ثلاث شخصيات من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للإشراف على الحكومة في الجنوب، فضلاً عن الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية لخمسة أعوام يُستبعد عنها كل من سلفاكير ومشار، إضافة إلى جميع الشخصيات التي شاركت في آخر حكومة ما قبل الحكومة الجديدة التي شُكّلت العام الماضي.

واقترح التقرير، بحسب ما كشفت مصادر في مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا لـ"العربي الجديد"، وضع إيرادات النفط الجنوبي في حساب خاص ببنك التنمية الأفريقي، كما أوصى بتقديم كل من ارتكبوا جرائم حرب إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان.

وكان من المفترض أن يُعرض تقرير أوباسنجو أمام مجلس السلم الأفريقي في يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أنه تم تأجيله لإفساح المجال أمام الفرقاء الجنوبيين للتوصل لاتفاق سلام.

اقرأ أيضاً: "داعش" و"بوكو حرام" يقرعان أبواب دارفور

وأثار الانهيار الذي لحق بمفاوضات أديس أبابا على مستوى قيادتي الحكومة والمعارضة (سلفاكير ومشار)، ردود فعل دولية غاضبة، إذ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن إحباطه العميق تجاه فشل المحادثات، فيما حمّلت واشنطن وأديس أبابا، سلفاكير ومشار مسؤولية الفشل، واعتبرتا أن الرجلين لم يضعا مصالح الشعب الجنوبي نصب أعينهما للوصول إلى سلام عبر تقديم تنازلات.

ويرى مراقبون أن الخطوة وضعت دولة جنوب السودان أمام ثلاثة خيارات، بينها تغيير وساطة "إيغاد" بوساطة دولية أفريقية، فضلاً عن تصعيد وتيرة الحرب لا سيما بعد إعلان جوبا عقب انهيار المفاوضات عن عزمها على استعادة كل المناطق التي تسيطر عليها قوات رياك مشار، والخيار الثالث ظهور مجموعة المعتقلين العشرة بقيادة الأمين العام المقال لـ"الحركة الشعبية" باقان أموم وقيادات الحركة التاريخية كلاعب أساسي في المشهد الجنوبي، عبر قيادتهم لمبادرة قومية شعبية داخل دولة الجنوب استناداً إلى اتفاقية أروشا التي وقّعوها أخيراً مع الحكومة في جوبا والمعارضة المسلحة.

هذه الاتفاقية تنصّ على توحيد الحركة الشعبية، وفي ضوئها أصدر سلفاكير ميارديت جملة قرارات، بينها إعفاء كل حملة السلاح، بمن فيهم مشار، وإعادة كل من فُصل من عضوية الحركة الشعبية لمناصبهم في الحزب بمن فيهم المعتقلون العشرة. كما ألغى القرارات الخاصة بحظر أرصدة المتمردين، وعليه يُنتظر أن يعود المعتقلون إلى جوبا نهاية الشهر الحالي للبدء الفعلي في توحيد الحركة، على أن تتم حمايتهم من قبل قوات إقليمية خاصة، وهو الأمر الذي وافق عليه سلفاكير.

ومن المنتظر أن يُعقد اجتماع طارئ لدول "إيغاد" في أديس أبابا الأسبوع الحالي، لبحث تداعيات فشل المفاوضات الجنوبية-الجنوبية، يعقبه اجتماع لمجلس السلم الأفريقي يجري خلاله عرض تقرير لجنة ابوسانجو، فضلاً عن تقرير "إيغاد" بشأن سير المحادثات. ويُرجَّح أن ترفع "إيغاد" توصيات تتصل بفرض عقوبات على طرفي النزاع الجنوبي.

في المقابل، حمّلت الحكومة في جوبا المعارضة والمجتمع الدولي مسؤولية فشل المحادثات. وقال وزير الإعلام الجنوبي مايكل مكواي لـ"العربي الجديد"، إن العقوبات التي أقرّها مجلس الأمن الثلاثاء هي سبب أساسي في فشل المحادثات، مشدداً على أن "السلام لا يأتي عبر الضغط والإرهاب".

وأضاف مكواي: "لن نقبل بسلام وقتي بل نسعى لسلام دائم وعادل"، رافضاً تحميل جوبا مسؤولية فشل المفاوضات.

كذلك اعتبر البيانات التي صدرت ضد حكومة جوبا بمثابة استنتاجات متسرعة، مشيراً إلى أن "هناك من يحاول وضع نفسه في خانة الحريص على وضع المواطن الجنوبي أكثر من الحكومة، ويطرح نفسه كملكي أكثر من الملك"، مضيفاً "هؤلاء لا يريدون أن يحل السلام في الجنوب"، مؤكداً رفض طلبات المعارضة بإيجاد جيشين خلال الفترة الانتقالية، وهو الأمر الذي مثّل عقبة رئيسية أمام الاتفاق.

في المقابل، حمّلت المعارضة المسلحة الحكومة في جوبا مسؤولية فشل المحادثات بسبب رفضها تقديم أي تنازلات من شأنها أن تدفع بعجلة التفاوض، مؤكدة استمرارها في ما سمّته بالثورة.

وقال القيادي في المعارضة المسلحة يوهانس موسى لـ"العربي الجديد"، "إننا لم نكن متفائلين منذ البداية بالتوصل لاتفاق مع الحكومة، لأنها فاقدة تماماً للإرادة التي تمكّنها من إبرام اتفاق سلام دائم".

من جهته، رأى مدير مركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا، لوكا بيونق، أن الأسباب الأساسية وراء فشل محادثات المهلة الأخيرة، هي وساطة "إيغاد" نفسها، معتبراً أن "إيغاد" فشلت في تقديم وساطة حقيقية ورؤية للحل.

واعتبر بيونق في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تضارب المصالح الاستراتيجية حول دولة الجنوب سبب أساسي في إبعاد "إيغاد" عن تقديم الحلول، فضلاً عن تجاهل اتفاق أروشا الخاص بتوحيد الحركة بسبب الأغراض الاستراتيجية لبعض دول "إيغاد" تجاه الاتفاق، لا سيما الخرطوم التي ترفض أي اتجاه لتوحيد الحركة وعودة المعتقلين العشرة إلى المشهد السياسي الجنوبي، فضلاً عن أن الحكومة والمعارضة في جوبا يُواجَهان بضغط من قواعدهما حول التنازلات التي يمكن أن تُقدّم للوصول لاتفاق سلام.

وأكد أن "إيغاد" ستقدّم تقريراً إلى مجلس السلم الأفريقي بمقترحات محددة، بينما سيقوم مجلس الأمن الدولي بتفعيل بند العقوبات التي أقرها أخيراً كجزء من السيناريوهات الموجودة حالياً.

ولاحظ بيونق أن "الإشكالية ستكون حول إمكانية تطبيق أي عقوبات على الأرض"، موضحاً أن "دول الجوار لديها مصالح استراتيجية في جوبا تمنعها من التقيّد بأي عقوبات اقتصادية بما فيها حظر السفر للمسؤولين الجنوبيين، كما أن تقرير أبوسانجو بصورته التي خرج بها سيلقى رفضاً داخل مجلس السلم الأفريقي".

ورأى أنه "حتى لو وافق الأفارقة على العقوبات على الفرقاء الجنوبين، فإن الخطوة ستُواجَه باعتراض داخل مجلس الأمن من قبل الصين وروسيا"، معتبراً أنه "في حال أقر مجلس الأمن العقوبات فإنه بذلك سيعقّد الوضع بصورة كبيرة في جوبا، كما أن وضع الجنوب تحت الوصاية من شأنه أن يُظهر المجلس كطرف ثالث في الصراع مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، الأمر الذي سيخلق ارتباكاً حول وجود المجتمع الدولي في الجنوب".

المساهمون