توجّس ألماني من تداعيات الطلاق البريطاني-الأوروبي

توجّس ألماني من تداعيات الطلاق البريطاني-الأوروبي

16 يونيو 2016
تتخوّف برلين من تداعيات على اليورو (روب ستوثارد/Getty)
+ الخط -
تتصدر ألمانيا مطلقي التحذيرات من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انطلاقاً من أن ذلك سيكون بمثابة الكارثة بالنسبة لبرلين، التي تأمل أن يصوّت البريطانيون في 23 من الشهر الحالي لصالح البقاء في الاتحاد، وهو ما يؤكد عليه الساسة والخبراء الألمان في لقاءاتهم، معبّرين عن عواقب الانسحاب ونتائجه السلبية، فضلاً عن أن هذا الخروج يثير الذعر لدى المسؤولين في بروكسل، والذي عبّر عنه أخيراً رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في حديث لصحيفة "بيلد"، قائلاً إن "خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون ثمنه باهظاً وبداية النهاية للاتحاد وكذلك للحضارة السياسية الغربية بأكملها".
وتأتي العلاقة السياسية مع بريطانيا إذا ما تحقّق الطلاق، في صلب الاهتمام الألماني، ويرى مطلعون أن هذه العلاقة ستكون أكثر تعقيداً، خصوصاً أن التكامل الأوروبي بالنسبة إلى برلين هو جزء من الهوية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، والهدف الأساسي لألمانيا هو أوروبا الموحّدة. وتخشى ألمانيا، الطرف الأقوى بين الدول الأعضاء في الاتحاد، من اتساع حالة الشرخ بين دوله لتصل إلى غياب التضامن بالكامل، في ظل اقتصاد أوروبي غير مستقر، لم يستعد عافيته حتى الآن بعد أزمة اليورو، ناهيك عن استفادة التيار اليميني الصاعد في أوروبا والمشكك أساساً بالوحدة الأوروبية والعملة الموحّدة، ويبقى الخوف من أن تتهيأ الظروف لكسر أوروبا.
كذلك تحتاج ألمانيا إلى بريطانيا كشريك كما هي حاجتها إلى فرنسا، لكونها ثقل موازن على المستويين الاقتصادي والسياسي العالمي، فهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي ووكالة الطاقة النووية، وخروجها سيُفقد الاتحاد الأوروبي بعضاً من الأهمية في السياسة الخارجية والأمنية، وربما يؤدي ذلك أيضاً إلى خطر حقيقي على المملكة المتحدة وإلى تصدّع الأقاليم الأربعة، إنكلترا وويلز واسكتلندا وإيرلندا الشمالية.
ويبدو واضحاً أيضاً بحسب الخبراء الاقتصاديين، أن الأسباب خلف التحذيرات الألمانية هي أن صاحبة الاقتصاد الأقوى في أوروبا تخاف من التهديدات والاضطرابات التي من الممكن أن تصيب الأسواق المالية، وهي التي تُعتبر ثالث أكبر شريك تجاري لبريطانيا. وتشير الأرقام إلى أن حجم الصادرات بين البلدين بلغ في العام 2015 حوالي 89 مليار يورو (نحو مئة مليار دولار)، وأن هناك أكثر من 2500 شركة ألمانية تنشط في لندن، في حين أن هناك 300 شركة بريطانية لديها مكاتب في ألمانيا، وهو ما لفت إليه المصرفي الألماني فيليكس هوفيلد لصحيفة "دير شبيغل"، قائلاً إن "أكبر المؤسسات الألمانية ستواجه مشاكل وخصوصاً تلك التي لها نشاط كبير في لندن".


من جهته، حذّر المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في برلين، من أن انسحاب بريطانيا ستكون له مخاطر كبيرة على البلد واليورو، إذ إن بريطانيا تشكّل 17 في المائة من القوة الاقتصادية لأوروبا، وهناك تخوف من استفتاءات مماثلة في كل من فرنسا وإيطاليا، وهي أكثر خطورة من انعدام الأمن وتهدد بارتفاع أسعار الفوائد على القروض وتباطؤ الاستثمارات، عدا عن الاضطرابات في الأسواق المالية أقله على المدى القصير، إضافة إلى انخفاض قيمة الإسترليني واليورو، وهذا ما سيكون بالطبع مكلفاً على ألمانيا، ناهيك عن العواقب السلبية على النمو والتجارة البينية الأوروبية وحركة رؤوس الأموال.
ويلفت المراقبون إلى أنه يتعيّن على المفوضية الأوروبية والحكومات المحلية، أمام هذا الواقع، حسم أمرها واستخلاص الاستنتاجات ومواجهة الأسباب والمشاكل بجدية وعدم تصغير اهتمامات الاتحاد، والبحث عن رؤيا استراتيجية تطمئن 500 مليون مواطن أوروبي، قبل أن ترى نفسها أمام سيناريو رعب يتمثل بوجود المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، وزعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرف في فرنسا مارين لوبان، والعمدة السابق لمدينة لندن بوريس جونسون، والمعارض الإيطالي بيبي غريللو، يجلسون على طاولة قمة مجموعة الدول الصناعية السبع.
في المقابل، يعتبر بعض المتفائلين من الخبراء أن خروج بريطانيا من الاتحاد ليس بـ"الكارثة" وبالتالي يمكن التحكّم بنتائجه، على الرغم من أن ذلك سيكون صدمة غير مسبوقة تاريخياً، إذ إن الطلاق الودي يمكن أن يحفظ لجميع الأطراف ماء الوجه وأيضاً العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة، إنما يبقى على الطرفين توضيح شروط فصل القضايا العملية مثل نقل الالتزامات التقاعدية للمسؤولين في الاتحاد الأوروبي، وتسوية المشاريع الممولة من مشاريع ميزانية الاتحاد الأوروبي، أو التعامل مع الإجراءات القائمة أمام المحكمة الأوروبية والمفاوضات حول المعاهدات الثنائية.
وأشارت استطلاعات رأي في عشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى أن أقل من 50 في المائة من المستطلعين كانت لهم نظرة إيجابية عن الاتحاد، ففي إسبانيا مثلاً بلغت النسبة 47 في المائة، وفي بريطانيا 44 في المائة، أما في فرنسا فبلغت 38 في المائة، بينما لم تتجاوز النسبة في اليونان 27 في المائة. وأظهرت الاستطلاعات أيضاً أن الجيل الأصغر سناً بين 18 و34 عاماً، كان له تقييم إيجابي، فيما شكك كبار السن بدور الاتحاد. أما في ألمانيا، فإن 60 في المائة من الفئة العمرية بين 18 و34 عاماً، تنظر بشكل إيجابي إلى الاتحاد، أما الآخرون فزادت شكوكهم حول الهوية الحقيقية لأوروبا والتضامن المطلوب بين دول الاتحاد الأوروبي.
ويلفت المراقبون إلى أن عدم ارتياح المجتمع الأوروبي يعود بدرجة كبيرة إلى التعامل المخزي لدول الاتحاد مع أزمة اللاجئين، إضافة إلى عدم الرضى عن السياسات الاقتصادية المعتمدة. مع العلم أن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت أن 43 في المائة من البريطانيين مع البقاء في الاتحاد و42 في المائة ضد الخطوة و11 في المائة لم يقرروا بعد و4 في المائة لا يريدون المشاركة في التصويت.

المساهمون