بن سلمان يروّج لصفقة القرن... واقتراب تدويل البحر الأحمر

07 مارس 2018
زار بن سلمان مصر لمدة 3 أيام (الأناضول)
+ الخط -


باتت "صفقة القرن" على سكة التنفيذ، أقلّه من وجهة نظر مصرية وسعودية، فقد كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، شديدة الاطلاع، لـ"العربي الجديد"، عن ممارسة القيادة السعودية، ضغوطاً كبيرة على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للقبول بـ"صفقة القرن" وفقاً للتصور المطروح من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، في وقت تمسّك فيه عباس بموقفه الرافض لقبول تلك التسوية، مشدّداً على أن "الشعب الفلسطيني لن يقبل بها مهما كانت الضغوط".

وأكدت المصادر أن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وافق خلال لقاءات مباشرة مع مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، على شكل التسوية المطروحة والمعروفة بصفقة القرن"، لافتة إلى أن "تلك التسوية لن تكون على مدار عام أو عامين كما يتصوّر بعضهم، ولكنها قد تستغرق لتنفيذها نحو 30 عاماً". وأوضحت المصادر أن "إسرائيل متمسكة بما يمكن تسميته بدولة فلسطينية بحدود غير متصلة، وتدعمها في ذلك الولايات المتحدة التي تشترط وجوداً عسكرياً بين أوصال ما يتم تسميته بالدولة الفلسطينية المنصوص عليها في التسوية".

وشدّدت المصادر على أن "قياديي حركة حماس الذين زاروا القاهرة أخيراً على مدار 20 يوماً، تعرّضوا بالفعل لضغوط مصرية كبيرة، للقبول بالصيغة الإسرائيلية الأميركية المطروحة. وهو ما دفع رئيس الوفد إسماعيل هنية، إلى المطالبة بالسماح باستدعاء باقي قياديي المكتب السياسي للحركة للتشاور بشأن التصورات المطروحة". وأوضحت المصادر أن "الحركة تمسكت برفض مسألة تبادل الأراضي أو الحصول على بدائل من أراضي دول أخرى، فيما طلبت حماس وقتاً إضافياً للتشاور بشأن مسألة القبول بالحدود التدريجية لدولة فلسطينية، على أن تكون تلك الحدود نواة أوليّة لاعتراف دولي بدولة فلسطينية". والتقى الوفد رئيس الاستخبارات المصري الجديد اللواء عباس كامل، قبل وصول 6 قياديين بارزين من حماس إلى القاهرة بوفدين منفصلين من دون توضيح أسباب تلك الخطوة، وغادر الوفد في 28 فبراير/شباط الماضي.

وقالت المصادر إن "بن سلمان بات رأس حربة مشروع التسوية الأميركي الإسرائيلي"، كاشفة عن أن "مشروع نيوم الذي يعتزم تنفيذه في المنطقة البحرية الواقعة بين سواحل مصر الشرقية والأردن والسعودية، يتضمن أيضاً مشاركة إسرائيل، ليكون بمثابة تطبيع رسمي للعلاقات بين المملكة وإسرائيل، ولكنه لن يعلن عنه رسمياً، قبل البدء في الخطوة الرسمية للتسوية الإقليمية الكبرى المعروفة بصفقة القرن". وذكرت أن "المشروع سيكون أول تعاون رسمي واستثمار مشترك مع إسرائيل باعتبارها دولة جوار"، مؤكدة أن "هذا هو السبب الأساسي وراء الضغوط السعودية التي تتم ممارستها على الفلسطينيين للقبول بالصفقة، والتي ستعني رسمياً انتهاء مطلب إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967".



في هذا الصدد، أشارت مصادر سياسية مصرية، إلى أن "القوات المسلحة ممثلة في المجلس العسكري ووزير الدفاع صدّقوا على الاتفاقية الاقتصادية الموقعة بين مصر والسعودية، بشأن منْح الأخيرة ألف كيلومتر مربّع ضمن مشروع نيوم، الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان". وذكرت أن "الإجراءات الخاصة بالاتفاقية من الجانب المصري تمّت منذ نحو شهر ونصف الشهر"، لافتة إلى أن "التحذير الخاص الذي أطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، والذي أكد على أن أي إساءة للقوات المسلحة ستكون بمثابة الخيانة العظمى". وأوضحت المصادر أن "هذا التحذير جاء لمنع الهجوم على القوات المسلحة كما حدث في أعقاب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة، والتي انتقلت بموجبها السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية".

وأوضحت المصادر أن "إدخال منطقة الساحل المطل على البحر الأحمر من الجانب المصري، المتمثل في منطقة الألف كيلومتر مربّع، التي حصلت السعودية على حق استخدامها وفقاً للاتفاقية الموقعة خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن مشروع نيوم، كانت ضرورة في إطار مشروع أوسع لتدويل تلك المنطقة بما تحويه من مضيق تيران، وخليج العقبة، كي لا تكون خاضعة لسيادة دولة بعينها، تحت غطاء الاستثمار السياحي، والتأكيد على أن هذه المنطقة فقط ستجذب 3 ملايين سائح".

وأوضحت المصادر أن "تلك المنطقة بهذه الصيغة المطروحة في التسوية الإقليمية الشاملة، تضمن بشكل كامل أمن إسرائيل، كما تضمن ألا تكون دولة حبيسة حال إغلاق مصر الملاحة في تلك المنطقة كما حدث في السابق إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر". ولفتت إلى أن "التحذير الرئاسي بشأن منع توجيه أي انتقاد للجيش يأتي لكون تلك الأراضي خاضعة له، حيث تعتبر الأراضي في شمال سيناء وجنوبها، خاضعة بشكل كامل للقوات المسلحة ووزارة الدفاع، وهي صاحبة الكلمة النهائية فيها".



وكان السيسي قد شدّد خلال تدشين مدينة العلمين الجديدة على "عدم السماح بالإساءة للقوات المسلحة والشرطة المصرية"، مؤكداً أن "هذا السلوك لا يليق وليس من حرية الرأي في شيء، ولا يقبله أو يسمح به". وهو ما تبعه بيان واضح من النائب العام المصري، حمل تحذيرات شديدة اللهجة لوسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من ترويج ما سماه بـ"الأخبار غير الحقيقية، التي من شأنها إثارة الرأي العام"، من دون توضيح معايير محددة لهذه النوعية من الأخبار، بما جعلها نصاً مطاطاً جعل تحت طائلته جميع النشطاء والعاملين بالحقل الإعلامي.

وشددت المصادر أن "الإعلان عن الاتفاقية جاء خلال ما تمت تسميته بالعملية الشاملة سيناء 2018، لمنع الحديث عن الجيش، وتوجيه انتقادات للمؤسسة العسكرية، في ظل الوضع الإقليمي الجديد الذي ستفرضه التسوية، التي ستجعل من إسرائيل دولة جوار صديقة، بخلاف العقيدة العسكرية الراسخة في الجيش المصري بأن إسرائيل هي العدو الأول لمصر".

وكانت مصادر فلسطينية نقلت عن عباس قوله، الأحد الماضي، تمسكه بـ"رفض ما يتم تسميته بصفقة القرن"، خلال اجتماع للمجلس الثوري لحركة فتح، قائلاً "لن أُنهي حياتي بخيانة". وأضاف "لن أقبل إلا بدولة عاصمتها القدس، وليعلنوا عن الصفقة في أي وقت يريدون وكيفما يريدون، ولكن غير الذي بدأناه لن يحصل". واستطرد عباس خلال الاجتماع الذي بدأه بقوله إنه "ربما يكون الأخير له" بالقول "ما حدا بكل هالكون ممكن يفرض علينا شيء نحنا ما بدنا إياه، يعني يخلو قرونهم لهم"، متابعاً "ما حدا بيموت من الجوع"، في إشارة للتعرض إلى ضغوط اقتصادية.

وزار محمد بن سلمان القاهرة، لمدة ثلاثة أيام، وزار خلالها منطقة قناة السويس وكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في خطوة هي الأولى لمسؤول سعودي بارز، كما وقّع اتفاقية اقتصادية تشارك بموجبها مصر بألف كيلومتر مربّع في جنوب سيناء بمشروع "نيوم" الذي يتبنّاه بن سلمان.



مع العلم أن الإسرائيليين حاولوا دائماً تحاول تدويل البحر الأحمر بمضائقه وخلجانه، خصوصاً مع احتلال قرية أم الرشراش المصرية في التاسع من مارس/آذار 1949 بعد أن وقّعت اتفاقية الهدنة مع مصر في 24 فبراير سنة 1949، وأقام الاحتلال عليه ميناء إيلات، مخالفاً بذلك نصوص هذه الاتفاقية.

وفي 25 يونيو/حزيران 1952 أعلنت إسرائيل رسمياً أن "إيلات أصبحت ميناء إسرائيلياً"، وكان رد الفعل المصري وقتذاك تجاهها هو حرمانها من استغلال خليج العقبة ومضيق تيران في الملاحة البحرية، ووضعت مصر قواتها الحربية عند شرم الشيخ وجزيرة تيران وباشرت في القيام بعمليات التفتيش البحري على السفن العابرة للحيلولة دون عبور السفن أو البضائع الإسرائيلية.

لذلك فقد حاولت إسرائيل في عام 1953 وبحجة توصلها إلى إبرام اتفاقية تجارية مع الهند المطالبة بالسماح لها بحرية الملاحة في مضيق تيران وخليج العقبة، ولكن مصر رفضت ذلك، وأيدت لجنة الهدنة مصر في هذا الرفض.

وفي عام 1954 سعت إسرائيل لاستصدار قرار من مجلس الأمن يعطيها الحق في أن تبحر سفنها في مياه قناة السويس ومضيق تيران وخليج العقبة، إلا أن الاتحاد السوفييتي حينها استخدم حق النقض "الفيتو" ضد هذا المطلب غير الشرعي. وكانت مشاركة إسرائيل في جريمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بغرض تحقيق ذات الهدف. وقد تأكد ذلك قبل العدوان وقتما صرح ديفيد بن غوريون في عام 1955 أنه إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من فتح مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية فإنها سوف تعتمد على نفسها في فتحه بالقوة. كما دعمت ذلك بعد العدوان حينما اشترطت إسرائيل لانسحاب قواتها من سيناء مرابطة قوات الطوارئ الدولية عند شرم الشيخ، لتمنع مصر من السيطرة على المضيق بجانب جزيرتي تيران وصنافير، والاستمرار في إجراءات منع السفن الإسرائيلية من عبور المضيق وخليج العقبة المطبقة منذ عام 1951.

وعندما أعلنت بريطانيا عن نيتها الانسحاب من اليمن الجنوبي، أبدت إسرائيل خشيتها وانزعاجها من هذا الانسحاب، وأعلن وزير خارجيتها عام 1966 بأنه إذا سقطت جزيرة بريم في أيد غير صديقة، فقد ينجم موقف خطير كما حدث في خليج العقبة وعلى نطاق أخطر، وحرّضت إسرائيل بريطانيا للعمل على التشبث ببعض المواقع الاستراتيجية في الجزر اليمنية، ووضع جزيرة بريم تحت إدارة دولية.