بتّير تراثاً عالمياً .. بداية وليست غاية

22 يونيو 2014
+ الخط -
منذ لاح سراب الجدار من بعيد، في أفق القرية الفلسطينية، بتّير، قبل سنوات، وهذا الشبح يفزع أهلها، وينغّص عليهم ليلهم ونهارهم، فخط سكة حديد "القدس – يافا"، منذ بنائه قبل أكثر من قرن، كان نعمةً ومصدر انتعاشٍ للسكان والمنطقة بأكملها في الـ50 عاماً الأولى من عمره، فهذا النعيم تحول، بعد النكبة، إلى جحيمٍ على القرية وأهلها؛ فأصبح القطار كأفعىً تحوم حول أراضي القرية، وكاد أن يكون سبباً في تهجير أهلها، لولا استغلال الظروف، وحنكة أبناء قرية بتير التي أنقذتها، وانتهت باتفاقية الهدنة (رودس) التي وقعتها الأردن مع العدو بعد النكبة.
وكثيراً ما سال دم أهل بتير، ودمعهم على قضبان سكة الحديد، التي لم يرفضوا وجودها، بقدر ما رفضت هي وجودهم، بعد أن أصبحت شركة سكة حديد فلسطين بيد المحتل، لتبدأ حربٌ صامتةٌ طويلة، لم تتجسد معالمها، إلا بعد أكثر من نصف قرنٍ في أروقة المحاكم وأوراق الصحف والشاشات.
وعلى الرغم من كل المؤامرات على بتير، فقد أثبتت للعالم أجمع أن قريةً صغيرة استطاعت أن تهزم كياناً كاملاً بجيوشه واستخباراته ولوبياته وأجهزته الدبلوماسية، وأثبتت أن الفلاح الفلسطيني الذي يزرع الباذنجان البتيري في قريته جعل المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالخزي، واسوّدت وجوههم أمام العالم، وأن حجراً أثرياً صغيراً متراصاً في مدرجات القرية صرخ ليفضح كذبة دولة إسرائيل. وبإصرار أهل القرية وموظفين في "اليونسكو"، استطاعوا جرّ القيادة الفلسطينية وراءهم على هذا الدرب، ولفت أنظارهم إلى هذه الطريقة الفعالة في قلب الموازين.
كل العالم الآن يراقب بتير، وما سيحصل بعد ذلك، والمعركة مستمرة في المحاكم مع الجيش الذي ليس إلا أداةً لتطبيق الجشع الصهيوني. ولم يفكر أهالي بتير يوماً بدخول قريتهم ومعالمها الأثرية ونظام الري المائي فيها إلى لائحة التراث العالمي لليونسكو غاية، وإنما وسيلةٍ من الوسائل في حماية أرضهم وتراثهم من الجدار الذي سيمزق بتير في وسط منطقتها التاريخية الخصبة. ولم يهتم أهالي بتير بالسياحة فيها، بقدر اهتمامهم بحفاظهم على أرضهم وجمالها وخيرها، فهم من يملكون هذه الأرض، ويملكون هذا الإرث الحضاري الذي فوقها، ولا يحق لأيٍ كان أن يسلبه منهم.
والجميع يخسر في بتير بقيام الجدار؛ فالفلاح يخسر أرضه، وعاملو السياحة يخسرون رزقهم، وفلسطين تخسر إحدى أجمل بقاعها، ولكن هذه المرة، إلى الأبد.. والمعركة طويلةٌ جداً، وما زلنا في البداية، والطريقُ طويل.
avata
avata
مصطفى بدر (فلسطين)
مصطفى بدر (فلسطين)