المقدسيون يشكّكون باتفاق "رقابة" الأقصى: خدعة لتشديد قبضة الاحتلال

27 أكتوبر 2015
الاحتلال يحاول فرض واقع جديد داخل الأقصى (عبدالرحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -
تجاهل المقدسيون ما أُعلن عن اتفاق بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص الأقصى، مؤكّدين أنّ ما أُعلن عن نصب كاميرات مراقبة داخل المسجد ما هو إلا خدعة كبيرة، لن تنطلي عليهم، لأن هناك منظومة مراقبة متطورة أقامتها قوات الاحتلال على أسوار المسجد، وأحاطتها بمجسّات إلكترونية قادرة على رصد أي تحرّكات داخل الساحات، إضافة إلى المنطاد الجوي الذي لا يغادر سماء القدس المحتلة ومسجدها الأقصى، عدا عن مراكز ومقرّات شرطة الاحتلال وقيادتها المسيطرة فعلياً وبالقوة البوليسية على كل التفاصيل.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يمنع الأوقاف الفلسطينية من تركيب كاميرات في الأقصى 

ويقول مفتي القدس وخطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين، إنّ ما يقوم به الاحتلال هو في الواقع تغيير للوضع بمدينة القدس بشكل متسارع، ومحاولة فرض أمر واقع جديد في المسجد الأقصى، وسحب كافة الصلاحيات من دائرة الأوقاف الإسلامية، الراعية والمشرفة على كافة شؤون المسجد، من خلال تشديد قبضة المحتل على الأقصى.

وأضاف أن "كاميرات المراقبة التي يقترحونها لن تحل الإشكالية الخطيرة القائمة؛ فهذه الكاميرات، أثناء وجودها، لم تحل دون اقتحامات المستوطنين وشرطة الاحتلال وتعدّيهم على المصلين وتدنيس الأقصى بدهم مصلياته سواء القبلي أو الصخرة المشرفة، وحتى المرواني".

ولم تغير التطورات السياسية الأخيرة من مواقف المقدسيين حيال الاحتلال وممارساته في الأقصى، وهم غير متفائلين من أي ترتيب مع نتنياهو الذي يصفونه بالكذاب والمجرم.

وفي هذا السياق، يقول حاتم عبد القادر، عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، وعضو الهيئة الإسلامية العليا، لـ"العربي الجديد"، "نحن لا نثق بنتنياهو وتعهداته، لأنها ليست المرة الأولى التي يتعهد بها بعدم تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى".

وتابع عبد القادر "سبق له أن التقى في العاصمة الأردنية عمان بالعاهل الأردني الملك عبدالله، وبوزير الخارجية الأميركية، وتعهد أمامهما بأنه لن يغير ما هو قائم في الأقصى، لكن ما طبق على الأرض كان تدنيساً للمسجد باقتحامه أكثر من مرة وإطلاق النار والغاز على المصلين فيه، إضافة إلى إطلاق العنان للمستوطنين لتدنيسه".

وأكد القيادي الفتحاوي أن المسؤولين الفلسطينيين في القدس المحتلة، ليسوا على اطلاع بجميع التفاصيل المتعلقة بالتفاهمات والترتيبات الجديدة، وقال "يجب على دولة الاحتلال أن تعطي كامل الصلاحية لإدارة الأوقاف كي تمارس صلاحياتها كاملة، بما في ذلك إعادة مفاتيح المسجد لهذه الإدارة، وإعادة الوضع في الأقصى إلى ما كان عليه قبل العام 2000، أي قبل اندلاع الانتفاضة الثانية".

وأشار عبد القادر إلى أن "المقدسيين جميعاً، وعموم أبناء الشعب الفلسطيني يرفضون بالمطلق أي تقسيم للأقصى، لأنّ المسجد الأقصى لا يقبل القسمة والشركة بأي شكل من الأشكال مع الاحتلال الذي يجب أن يكف يده عنه، ويوقف اقتحاماته له".

واستبعد عبد القادر توقف انتفاضة القدس، لأنه يرى بأن الأسباب الموجبة لهذه الانتفاضة لا تزال موجودة، بدليل قيام المستوطنين أمس، باقتحام الأقصى بحماية شرطة الاحتلال، التي تواصل منع المرابطات من الدخول إليه والصلاة فيه. ولفت إلى أن هذه الهبة الشعبية لا ترتبط بالأقصى فقط، بل بجرائم الاحتلال المستمرة من إعدامات وتصفيات ميدانية للشبان والفتيات، وحملات الاعتقال الواسعة وعمليات الهدم لمنازل المواطنين الفلسطينيين.

وأكد عبد القادر أنه لا جدوى لأي ضغوط سياسية على الفلسطينيين، لأنه ببساطة لا أحد يمتلك وقف الهبة الشعبية "هذه ملك الشارع والشباب والشعب الفلسطيني"، على حدّ تعبيره، مشدداً على أن القضية ليست قضية المسجد الأقصى والعبادة بل قضية سيادة، وأن "السماح للمسلمين بدخول المسجد الأقصى حق أساسي لا تفاوض عليه ولا جدال فيه".

في البلدة القديمة من القدس المحتلة، لا يخفي المواطنون غضبهم واستياءهم مما وصفوه بالخديعة التي أتى بها كيري للمنطقة، وحديثه عن ترتيبات وتفاهمات بين إسرائيل والأردن بشأن تشديد المراقبة على ما يجري في المسجد الأقصى.

وقال المواطن المقدسي حمد أشتية، من سكان عقبة المولوية لـ"العربي الجديد"، إن "كيري أكبر مخادع كذاب، جاء لينقذ نتنياهو من ورطته، ونحن لا نثق به أبداً. من يكون هذا الرجل حتى يعطي المجرم نتنياهو صلاحية منح المسلمين الصلاة في المسجد الأقصى".

كان أشتية يتحدث، وهو يشير إلى ثلاث كاميرات مراقبة نصبتها شرطة الاحتلال في مساحة من السوق لا تتعدى الخمسين متراً، ثم قال "بعدما زرعوا البلدة القديمة جميعها بالكاميرات يريدون الآن فعل الشيء نفسه في المسجد الأقصى، إن فعلوها فهذا انتقاص من سيادة الأردن، وتعزيز قبضة الاحتلال على كل ما يجري فيه".

ويقول أحد مسؤولي الحراسة في المسجد الأقصى، لـ"العربي الجديد" إن "الأخطر في ما أتى به كيري أمران: الأول، أنه منح الصلاحية لنتنياهو ليقرر بأنه صاحب الأمر في منح المسلمين الحق في الصلاة بمسجدهم، وهذا لم يحدث في تاريخ المدينة حتى في عهد احتلالها من قبل الصليبيين، أما الأمر الثاني، فهو نصب كاميرات المراقبة". 

ويستغرب المسؤول في الحراسة وضع كاميرات جديدة، على الرغم من وجود نظام مراقبة متطور أقامته قوات الاحتلال على الأقصى، متسائلاً "هل سيضعونها في الساحات؟ فهناك كاميرات منصوبة، أم يريدونها في الأروقة، فهناك تواجد يومي في هذه الأروقة؟ بل ربما يريدون وضعها داخل المسجد القبلي أو المصلى المرواني، وهذا لم يحدث في السابق بالمطلق".

في محيط المسجد الأقصى وعلى بواباته، لا يُلحظ أي تغيير على الواقع الذي فُرض على كثير من المقدسيين خصوصاً الفتية والمرابطات، إذ لا يزال المنع من دخول الأقصى يطاول هاتين الفئتين، ولا يزال التنكيل بهما قائماً، فيما لم يشر أي من المسؤولين في الأوقاف، المتوقع أن يعقد لقاء بينهم وبين مسؤولين إسرائيليين، إلى موعد محدد لعقد اللقاء، لترتيب ما اتفق عليه بين كيري والملك الأردني.

وليس معلوماً لدى المرابطات ممن تحدثت معهن "العربي الجديد"، ما إذا كان الاتفاق سيرفع الحظر عنهن. وفي هذا السياق، قالت إحدى المرابطات "نحن لا نعترف بأي من هذه الترتيبات؛ فمنذ متى كان السماح للمسلم مرهونا بترتيب وتفاهم مع المحتل الإسرائيلي؟" في حين قالت أخرى "نرفض كل ما اتفق عليه"، متسائلة "هل يا ترى اتفقوا على تقسيمه؟".

ما يخشاه المقدسيون أن تقود الترتيبات الأخيرة التي أعلن عنها كيري إلى مزيد من السيطرة وتشديد قبضة الاحتلال على الأقصى، فيما لم يُخف البعض خشيته من أن تكون هبة القدس أو انتفاضتها بعد هذا الاتفاق باتت في مهب الريح.

غير أنّ هناك ثقة عند بعض المقدسيين "بانتصار انتفاضة القدس واتساع حجم المشاركة فيها". ويقول أحد المواطنين المقدسيين في سوق الدباغة "هذا الجيل من الشباب لا ينتمي لأي فصيل، أتحدى أي فصيل يتجرأ ويعلن أن أحد الشهداء ينتمي له. جميعهم ينتمون للقدس ولفلسطين".

وكان محمد جاد الله، من قيادات العمل الوطني في القدس، قد حسم رأي كثيرين من قيادات الفصائل، حين عبر عن اعتزازه وفخره بهؤلاء الشباب، وقال "بهذا الجيل القائد من الشباب يشق الشعب الفلسطيني طريقه دون عودة للوراء، ومن يتراجع إلى الوراء هو الاحتلال لأنه إلى زوال".

وخاطب جاد الله كيري قائلاً إن "كنت تبحث عن التهدئة ووقف التصعيد، فخاطب نتنياهو ولا تخاطبنا، وخاطب القاتل الإسرائيلي الذي يحمل السلاح ويعدم شبابنا وشاباتنا في الشوارع ويحرق أطفالنا".

وكانت شرطة الاحتلال الإسرائيلي قد نصبت في السنوات الأخيرة أكثر من ٥٠٠ كاميرا مراقبة داخل البلدة القديمة من القدس، بحيث تتوزع على جميع حاراتها وأزقتها، وقد نجحت سلطات الاحتلال في اعتقال العديد من شبان البلدة القديمة لدى مقاومتهم الاحتلال ومستوطنيه.

اقرأ أيضاً: نتنياهو: الكاميرات في الأقصى تخدم مصلحة إسرائيل

المساهمون