المشاركة بـ(لا) أحسم من مقاطعة تعديلات الدستور المصري

03 مارس 2019
+ الخط -
بادئ ذي بدء يجب أن نؤكد أن مشروع السيسي للهيمنة والتفرد بالحكم يسير بخطى حثيثة، وعبر مراحل متتالية يُسَلم بعضها بعضاً. وقد ولَّى السيسي حثيثاً نحو هدفه ومطمعه في السلطة منذ ثورة يناير، أو ربما قبلها، أو بعد ما أطاح الجيش مبارك؛ حتى وصل قطاره إلى محطة برلمانه الذي صنعته له مخابراته على عينه، ليكون المحلل لهذه التعديلات التي تبقيه مغتصباً للسلطة، وجالساً على رأسها ما تردد في صدره نَفَس، أو نبض في جسده عِرق.

ولا يظنن ساذج بأن العسكري حين ينقلب، إنما ينقلب من أجل غيره أو ليُسلم السلطة إلى مدني أو يُحكّم الدستور ويُعمل القانون ويشجع الديمقراطية، ويحمي وطنه ويحرص على شعبه. لا وألف لا.

وهذا ينقلنا إلى حتمية اهتبال الفرص وحماية جذوة الثورة أن تخمد وتبرد، والعمل على وحدة صف المعارضة والتفكير في مستقبل الوطن، والتعاون في المتفق عليه وهو كثير، وتجنب المختلف فيه وهو قليل، والعمل من خلال مشروع وطني للخلاص والتحرر.

وفرصة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، يجب اغتنامها وتشجيع الناس على النزول بكثافة وقول لا. وهذا يذكرني بالحملة التي قادتها المعارضة في التشيلي في الاستفتاء على تجديد مدة حكم بينوشيه والتي كانت تنتهي في مارس/ آذار 1990 وكانت معركة فاصلة انتصرت فيها المعارضة التي صوتت بلا، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 1989 وأظهرت النتيجة رفض 53.3% لاستمرار الحكم العسكري.

وبذلك سطر النضال الشعبي والجماهيري نهاية حقبة الحكم العسكري بإجراء انتخابات رئاسية عاجلة في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1989 فاز فيها مرشح المعارضة زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي باترلشيو أيلوين بنسبة 53.8%.


ولا أقول إن التجربة التشيلية والمصرية واحدة، ولا الظروف هي نفسها، بل هناك اختلافات كثيرة. ولا أقول إن الاصطفاف اليوم والنزول لمعارضة التعديلات الدستورية والهتاف بـ(لا) يُسقط السيسي ويُنهي حكم العسكر. ولكنه حجر نلقيه في مياه الثورة الراكد أو المتجمد فيتحرك ويتفاعل ولا يأسن. كما أنه جهر بكلمة الحق عند سلطان جائر، وصرخة في وادي الحراك الشعبي الواسع عله يجد من يتلقفه ويُرجع صداه فتتجمع الصفوف من جديد، وتتآلف القلوب من بعد جفاف اعتراها، وتتصافح الأيدي وتتوحّد القبلة.

وأول من أدعوهم إلى المشاركة الفعالة، وأحثهم على النزول إلى اللجان بكثافة؛ جماعة الإخوان المسلمين؛ التي تتخذ موقف المقاطعة بحجة عدم شرعية النظام المنقلب. وهذا صحيح، وأعلم أن المقاطعة هي حكم أصلي، ولكن المشاركة في مثل هذه الأوقات وتلك الظروف إنما هي استثناء تُبيحه الضرورات والمصالح، والطرف الآخر يتمنى المقاطعة ويعتقل كل من ينادي ويحشد لمعارضة التعديلات والتصويت بـ(لا).

وفقه الواقع غير فقه الخيال والمثال، وتفكير من أثقلته الهموم وأوجعت رأسه الضربات يخالف تفكير الرافل في الحرية، والجالس على شواطئ الراحة جزماً. وندعو المقاطع إلى أن يعيش أياماً مع آلام الأجساد المكوية بالجمر، المثقوبة بالمثاقب الكهربائية، المعلقة على أعواد المشانق، التي تعاني الإهمال الطبي والموت البطيء، وكذلك معاناة أهالي الشهداء والمعتقلين؛ ليدرك مدى الوطأة التي يئن تحت عنفها أحرار مصر!

ويجب على قادة الإخوان: "تحكيم النظر المصلحي وفقه الضرورة عند المواقف التي تختلف فيها الآراء، وذلك تخريج فقهي سليم يدعونا إلى مرونة، ولا عبرة بتشدد على وتيرة واحدة يراه بعض الدعاة أو عامة الناس، إلا بمقدار سد ذريعة الفتن وسوء الظن، وكثير من السياسات الجزئية تخضع لهذه القاعدة والتمثيل عريض متنوع والفقه مستقر على ذلك". كما يقول محمد أحمد الراشد.

وأثناء الغزو الفرنسي لمصر جمع نابليون علماء الأزهر وطلب منهم أن ينتخبوا أحدهم ليكون كبيراً ورئيساً عليهم، فانتخبوا الشيخ عبد الله الشرقاوي رئيساً. وهذا قبول جماعي من الفقهاء لقبول إدارة مصالح الناس تحت سطوة مستعمر كافر.

يقول الراشد: "الضرورة ومصالح الناس هي الحاكمة، والعبرة ليست في قبول التولية، بل العبرة في سلوك المتولي خلالها .. فمن التزم العدل وحاول رفع الظلم أو تقليله ما أمكن فقد أصاب، ومن ظلم أو ساعد المستعمر - أو الظالم - في تنفيذ مصالحه التي هي ضد مصالح المسلمين فقد خان وأخطأ.. وفتاوى رشيد رضا، ومحمد البشير الإبراهيمي تمنع اللوم وتُجيز التولي تحت سلطة المستعمر.. وتَجدد الخلاف بعد جلاء المستعمر وصار السؤال عن مدى صواب المشاركة مع ظالم مبتدع يسوم الناس العذاب؟ والجواب مماثل، فإن ذلك جائز لسياسي صلب يدافع عن حقوق المستضعفين، ويعارض الظلم وينهى عن المنكر، وغير جائز لمن ينبطح ويسكت ويتخلى عن القضية".

وللشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله فتوى بجواز، بل بوجوب، الانخراط في العملية السياسية العراقية والترشح للبرلمان، وضرورة الاشتراك في الانتخابات النهائية، وذلك إبان الاحتلال الأميركي للعراق وتحت إشرافه ويتأول بأن: "السند الشرعي لهذه الضرورة نجده في نظام الجوار وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم به، ونظام الجوار كان جزئية من النظام الكافر وهم المشركون في مكة، وقد أخذ به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنه يحقق مصلحة شرعية.. وعند احتلال التتار لبغداد وافق العلماء على أن يُعين الكافر لهم قاضياً. وفي فتاوى ابن تيمية توضيح وتوسع".

وبعد: فقد توسعنا في إيراد تلك النصوص والفتاوى والشروح لنقول بجواز المشاركة، وأن المصلحة معها، ولا يجوز التبرير فقط بأن المشاركة هي إضفاء شرعية على النظام، الذي أثبت وجوده على الأرض فعلياً، ويحتاج إلى تغيير في الأفكار والطريقة والآليات لتغييره واجتثاثه من جذروه.

بل أرى للمشاركة فوائد جمة أهمها:

أولاً: اصطفاف المعارضة وتوحدها على رأي وهدف ومشروع واحد وكلمة سواء. لأن ما جره الخلاف من سباب، وما جره السباب من أحقاد، وما جرته الأحقاد من تضييع للمصلحة كانت عواقبه وخيمة، من تمزيق شمل الثوار وإضعاف قوتهم، ولا يصب هذا الضعف إلا في مصلحة خصوم الثورة.

ثانياً: دعم ومساندة الأصوات المعارضة للتعديلات في الداخل والخارج، وكذلك الحراك الذي بدأ في داخل مصر تحت مسمى "اتحاد الدفاع عن الدستور" والذي تم تدشينه في 4 فبراير/ شباط الماضي، واعتقل بسببه السياسي محمد محيي الدين.

ثالثاً: إحداث هزة لأرضية الثورة، تجدد فيها دماءها وتعيد للحراك رونقه وفاعليته، بعد ما ظن البعض بأن الثورة قد وئدت، وتبرهن على أن المعارضة والثوار ما زال فيهم عرق ينبض.

رابعاً: إبراز أسباب الرفض للتعديلات الدستورية لكل من في الداخل أو الخارج من الدول الداعمة أو الساكتة. وتوضيح لماذا الشعب رافض! وذلك عبر حملة إعلامية قوية تشمل جميع وسائل الدعاية والإعلان وكل وسائل التواصل الاجتماعي والصحف العربية والدولية وساحات الشوارع وإنتاج الأفلام الوثائقية القصيرة، والنشرات ومقالات الصحف، وخاصة الغربية، وطباعة كتيب مصور بالأرقام والإحصائيات لفترة حكم السيسي، وشرح المخاطر التي تُحيط بالوطن والشعب لو طال أمد الحكم العسكري، وخطورة علاقته بالكيان الصهيوني وكشف انبطاحه لإسرائيل، وحجم التنسيق الأمني معها.. إلخ.

وأخيراً، بدل أن تلعن الظلام أوقد شمعة.
F9564B83-FF50-486A-9BC1-A882E1477F2C
وليد شوشة

كاتب مصري مهتم بالفكر والسياسة ورفع الوعي وإعادة تشكيل العقل العربي ليتناسب مع المعطيات الجديدة.يقول: أنا سائح يطلب الحقيقة وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس ومواطن ينشد لوطنه الكبيرالكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة.