المزارعون المغاربة يقاومون آلات الحصاد الحديثة بالمناجل

المزارعون المغاربة يقاومون آلات الحصاد الحديثة بالمناجل

24 مايو 2014
سيدتان في إحدى المزارع المغربية (getty)
+ الخط -
في جبال الأطلس، أعلى قمم المغرب، لا يزال عمال ومزراعون يقاومون بالمناجل زحف الآلة الحديثة على عمليات الحصاد في المغرب، ويتباهون بقدرتهم على الحصاد في أماكن عصية على الآلة في المنطقة الجبلية...
"العربي الجديد" رافقت العمال الزراعيين، من لحظة بحثهم عن العمل الى لحظة انهاء حصاد أحد الحقول الجبلية، وتعرفت إليهم وإلى عاداتهم الزراعية ومشكلاتهم وآمالهم. 

في مدينة آيت أورير، على بعد 37 كيلومتراً من مراكش، العاصمة السياحية للبلاد، اجتمع العشرات من العمال بعد العصر في مكان غير بعيد عن محطة سيارات الأجرة، منتظرين قدوم فلاح يحتاج عمالاً لحصد حقوله. 

إلى هذا المكان، يأتي يومياً العشرات امن العمال الزراعيين بحثاً عن فرص عمل في الحقول تمنحهم دخلاً يكفيهم لتلبية احتياجاتهم لمدة غير قصيرة. وقد صارت آيت أورير نفسها مقصد الفلاحين، خاصة أصحاب المزارع الكبيرة الباحثين عن يد عاملة لحصد محاصيلهم.

وبمجرد وصول صاحب حقل، يلتف حوله العمال ويبدأ التنافس بينهم للظفر بفرصة عمل. وعادة ما تكون للمُشغِل المفترض الكلمة الفصل في اختيار العمال الذين يحتاج إليهم بحسب حجم مزرعته.

وتتم هذه العملية في أجواء صاخبة حتى يخيل للمارة أن اختيار العمال يكون بشكل عشوائي، وليس بناءً على معايير محددة.
غير أن عمر، الذي يتولى إدارة عملية الحصاد لفائدة فلاح كبير بالمنطقة، أكد أن القدرات البدنية للعمال هي العامل الحاسم في الاختيار. تتحكم في عملية التشغيل أيضاً عوامل يصر عمر على أنه يعرفها بالفطنة، مثل الخبرة في مجال الحصاد وأمور الزراعة بشكل عام.

كان عمر بحاجة إلى 11 عاملاً. وما إن اختير العامل الأخير حتى عاد باقي العمال، غير المحظوظين إلى أماكنهم في انتظار فرص أخرى.
انعقد اجتماع مصغر في الهواء الطلق بين العمال والمشغَل، وفي جدول الأعمال نقطة وحيدة: التعويضات. اقترح المشغل "150 درهماً لليوم".
رد أحد العمال: "في تقديركم، ما هي المدة التي سننهي فيها حصد هذا الحقل؟".
يجيب عمر: "ثلاثة أيام على أقصى تقدير. وإن شاء الله سنحتاج إليكم بعدها في حقول أخرى. خيراً إن شاء الله".
فأجاب العمال بشكل جماعي، تعبيراً عن رضاهم: "ميعادنا قبل الفجر بساعة هنا".

وفي تمام الرابعة فجراً، كان جميع العمال الـ11 في المكان. هدوء تام. لا يشوش على هذا الهدوء سوى أصوات محركات عربات تتعالى من حين لآخر، ثم تخفت رويداً رويداً ثم ترمي بالمكان مرة ثانية في أحضان الهدوء المطبق.

وبعد نحو ربع ساعة، وصلت شاحنة صغيرة يقودها شخص بدا في الأربعينيات من عمره، وإلى جانبه عمر. صعد الجميع إلى الشاحنة. غير أن هذه الأخيرة لن تستطيع إيصالهم إلى الحقل الموجود في منطقة وعرة، لا سبيل للوصول إليها إلا مشياً على الأقدام أو بالدواب.

توقفت السيارة بمنطقة "أكروكا"، 19 كيلومتراً جنوب آيت أورير. اتخذ عمر مسلكاً بين أشجار الصنوبر المنتشرة بكثافة هنا، وعلى إثره سار العمال.
وبعد أزيد من نصف ساعة من المشي، وصلوا إلى وجهتهم النهائية. عدة الحصاد تقليدية للغاية. وزرة خاصة مصنوعة يدوياً، ومنجل وقطع قصب بها ثقب تدخل فيها الأصابع لحمايتها من أي إصابة بالمنجل أثناء عملية الحصاد.

ما أن أعطى عمر الإذن بالانطلاق، وحدد لهم المجال المطلوب حصاده، حتى انخرط الجميع في العمل. ينتظم العمال في شكل خط مستقيم، ثم يبدأون عملية الحصاد. والويل كل الويل لمن يتخلف عن الركب. إذ لا يكون معرضاً لتوبيخ صاحب الحقل، بل يكون عرضة لسخرية زملائه.

غير أن أحدهم، ويدعى حمو، أطلق العنان لموال أمازيغي، قبل أن ينخرط الجميع في أداء الموال الذي يتغنى بموسم الحصاد، وما فيه من خير وفير.

حمو، الذي بدا أكثر زملائه جرأة. لا يتردد عن التعبير عن شوقه إلى بناته الثلاث ورضيعه أحمد. لكنه يقر في الوقت نفسه، بتعبير أمازيغي لا يخلو من حكم، عن حاجته إلى هذا العمل للبقاء معهم طيلة السنة: "اللهم أيورغ أسكَاس، ولا أسكَاس س وايور (اللهم شهر غياب في سنة، ولا الحضور شهراً في سنة كاملة).

يواظب حمو منذ أزيد من 10 سنوات على ترك قريته "إيسوال"، بالقرب من قمم "تيشكا"، للعمل في الحصاد بالمناطق المحيطة بآيت أورير التي يسميها "أزغار (العالم الحضري)". ويرى أن هذا العمل أهون عليه وعلى أسرته من الذهاب إلى مدينة كبيرة، مثل الدار البيضاء للعمل بها في ورش البناء وترك أسرته في القرية وحرمان أبنائه من حضن الأب شهوراًعديدة. عدا موسم الحصاد، يكتفي حمو برعي ماعز ورثه عن والده، ويحرص على تسمين بعضها لبيعها قرابين في عيد الأضحى.

بيد أن حمو يتأسف لإقبال أصحاب الحقول على آلة الحصاد وتراجع استنجادهم بالمناجل. ويتذكر كيف تمكن، بفضل دخلهم من الحصاد، قبل نحو 10 سنوات، من تمويل زفافه، قبل أن يخصص عائدات العام الذي تلاه لبناء بيت خاص به.

استمر "سباق المناجل" قرابة 12 ساعة، تخللها توقف لمدة نصف ساعة لتناول الفطور وساعة لوجبة الغذاء، التي يتكفل  صاحب الحقل بتحضيرها، قبل أن يضع العمال مناجلهم جانباً ويبدأوا عملية نصب خيام بالحقل، لأنهم لن يعودوا إلى مدينة آيت أورير، وتحديداً إلى "الموقف"، قبل أن ينهوا حصاد الحقل.

 وإذا قرر عمر الاستعانة بهم في حقول أخرى، وهو ما يتمنونه، فسيطول غيابه أكثر، على أمل أن يحصلوا على عمل آخر، دون اضطرار العودة مجدداً إلى البحث عن فرص عمل جديدة قبل أن ينتهي موسم الحصاد.

 

دلالات

المساهمون