المؤهّلات في مصر "على باب الله"

21 يونيو 2014
البطالة دون سن الثلاثين تقارب 30 بالمئة (العربي الجديد)
+ الخط -

عندما تسير في شوارع القاهرة والجيزة، يلفت نظرك العشرات من الشبان والفتيات، يحمل كل منهم حقيبة مليئة بالبضاعة. يتجولون، "كعب داير"، على المقاهي ومحطات الأوتوبيس، محاولين بيع ما يحملونه من بضائع. خريجون وخريجات تحمّل أهلهم الكثير لتعليمهم حتى تخرجوا من الجامعات أو حصلوا على مؤهل متوسط، وتاهوا في زحام الحياة وأصابهم اليأس من التعيين في وظيفة ثابتة، فلم يجدوا أمامهم حلاً سوى هذه الطريقة بحثاً عن توفير لقمة العيش.
سماح (بكالوريوس تجارة)، تبدأ جولتها منذ الصباح الباكرعلى مقاهي وسط البلد. تبيع العطور وأدوات الحلاقة. تقول الخريجة الشابة إنه ليس من المنطقي أن تحصل على مصروفها من والدها، المسؤول عن مصاريف إخوتها الباقين.
حصل أسامة على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، ومع ذلك لا يجد أية مشكلة في العمل "قهوجياً" في مقهى شعبي. يقدم الشاب الطلبات لرواد المقهى، ويرى أن العمل الحلال ليس عيباً، بعدما تعب من البحث عن عمل ثابت. أما محمد عيد، فقد اختار أن يقف في "مقلة" ليبيع اللب والسوداني بعدما تخرّج من كلية الزراعة وفقد الأمل في التعيين، على حد قوله.
على كورنيش النيل، يقف حمدي، صاحب البشرة السمراء بجلبابه المهندم أمام عربة الترمس وقد زيّنها بالورود و"القلل القناوي". ولا تتعجب عندما تعلم بأن حمدي حاصل على ليسانس حقوق، لكنه لم يتمكن من التدرّب لدى كبار المحامين لأسباب كثيرة، فاختار أن يسلك هذا الطريق ويصنع مملكته الخاصة و"يعيش حياته"، كما يقول.
وقد بلغت نسبة الشباب الخريجين في مصر أكثر من 70 بالمئة من بين الباعة الجوالين بالقاهرة، بحسب إحصائية لرابطة الباعة الجوالين.

الإحصاءات
وتختلف تقديرات البطالة في مصر، فالإحصاءات الرسمية تقف بنسبة البطالة عند حدود 13 بالمئة فقط، فيما يقدّرها المدير السابق لإدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي، خالد إكرام، بأكثر من 25 بالمئة. وترتفع هذه النسبة إلى 30 بالمئة بين فئة الشباب دون عمر الثلاثين.
ويقترح إكرام على حكومة رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، استغلال المساعدات المالية الخليجية لتوفير فرص عمل للشباب، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ويطالب بإعادة فتح 1500 مصنع أغلقت أبوابها منذ العام 2011.
وكان محلب قد صرّح عند تكليفه بتشكيل الحكومة الأولى، أن حكومته ستعمل على تحسين الأمن والذي من شأنه أن يؤدي إلى تعافي الاقتصاد، وأنه يأمل في عودة الحياة لقطاع السياحة الحيوي. واعتبر أن "الأمن والاستقرار ودحر الإرهاب (حسب تعبيره)، هو الطريق الذي سيفتح الباب أمام الاستثمار".
وطالب المواطنين المحبطين من الوضع الاقتصادي بالصبر، وقال: "هناك محدودية في الموارد، لكن هناك مستقبل زاهر ينتظر مصر". إلا أن الأمور استمرت على حالها، ولم يحدث أي تطوّر، إلى أن قام محلب بتشكيل حكومته الثانية، الثلاثاء الماضي.
أسباب عديدة جعلت مشكلة البطالة تتفاقم في مصر، بعدما تخلت الدولة عن دورها وتوقفت عن إنشاء مصانع جديدة، بل وبدأت ببيع القلاع الصناعية القديمة لتزيد من أعداد العاطلين.
وبدلاً من وضع حلول مناسبة للمشكلة، ينتشر في خطاب المسؤولين التبرير المعدّ سلفاً، فتسمع منهم كلاماً عن زيادة معدل النمو السكاني وعن تضخم عدد الخريجين الذين يضافون إلى سوق العمل سنوياً، وغير ذلك من المبررات.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، هاني الحسيني، أن "مشكلة البطالة في مصر مشكلة مزمنة تواجهها البلاد، قد تصعب معالجتها نتيجة نسبتها المرتفعة. والشواهد تشير إلى عدم التزام الحكومات المتعاقبة بتقديم تأمين ضد البطالة لعمال القطاع الخاص، كما تقلّص دور الحكومة والقطاع العام في خلق فرص عمل جديدة وتحميل تلك المسؤولية للقطاع الخاص".
ويشير الحسيني إلى انخفاض الطلب على العمالة كنتيجة للتحديثات التكنولوجية، إلى جانب الركود الاقتصادي وضعف القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية.

العلاج

من جهته، يرى الباحث الاقتصادي، حمدي عبد العال، أن "علاج البطالة ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً إذا توافرت الإرادة السياسية لصاحب القرار. وحتى يمكن توفير فرص عمل للشباب، يجب على الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص القيام برفع الإنتاجية وتوجيه الاستثمارات إلى قطاعات كثيفة العمالة والتكنولوجيا ورأس المال الإنساني، والقيام بإصلاح مؤسسي يركز على إعادة تقسيم فرص العمل على قطاع الأعمال العام والخاص والمشترك والمنظمات شبه الحكومية والأهلية والقطاع المدني، إضافة إلى القيام بتطوير التكامل والتعاون الاقتصادي الإقليمي مع ضرورة التحليل المستمر لمحددات العمل والبطالة".
وطالب عبد العال، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بضرورة إصلاح منظومة ونوعية التعليم وأساليبه واستحداث برامج ومشاريع موجهة نحو فئات محددة من الشباب، وتطوير نوعية التدريب والبيئة المؤسسية العلمية والتطبيقية، وتمكين المرأة من الحصول على فرص العمل والمشاركة النشطة لوزارات الدولة في برامج التشغيل، ودعم مؤسسات وشركات التوظيف العامة والخاصة.  
وترى أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة هدى زكريا، أن "الإنسان المصري مشهود له بالذكاء الفطري، مع الوفرة العددية المطردة في التعداد السكاني، الذي يمثل ميزة نسبية للاقتصاد المصري كعنصر أساسي من عناصر الإنتاج، مع توفر عناصر الإنتاج الأخرى من مواد أولية وثروات طبيعية. ولكن هذا الإنسان يحتاج إلى سياسات تضع غالبية الشعب في اعتبارها (وليس طبقات بعينها فقط)، وتسعى للنهوض بالاقتصاد وبمستوى المعيشة من خلال استيعاب تجارب دول النمور الآسيوية".

المساهمون