الكوفية الفلسطينية "حطة" وطن

الكوفية الفلسطينية "حطة" وطن

العربي الجديد

العربي الجديد
29 مارس 2014
+ الخط -

"الكوفية الفلسطينية" بلونها الأبيض ونقوشها السوداء، هي الشيء الوحيد الذي لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا تقسيمات الاحتلال لها، يرتديها الفلسطيني في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس، ويافا وعكا وبقية الأراضي المحتلة عام 1948، والحال ذاته في مخيمات الشتات، والمهجر، هي ذاتها التي ترمز لفلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها، وإلى كفاح شعب بأكمله وصراعه مع الاحتلال الإسرائيلي على مر العقود.

تعود بداياتها إلى الثلاثينيات من القرن الماضي عندما استخدمها الفلاحون في "التلثم" كي لا تعرفهم القوات الانجليزية والعصابات الصهيونية، وعممَت قيادة الثورة آنذاك ارتداءها على أبناء المدن ليصعب على تلك القوات والعصابات القبض عليهم، وأصبحت بعدها رمزاً للوطنية والثورة، ورداءً في المناسبات الاجتماعية والقومية.

اكتسبت الكوفية "الحطة" مزيداً من الشهرة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي كان مواظبا على ارتدائها كرمز للتراث والثورة والنضال في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وارتداها في كل المحافل الدولية، لتكتسب شهرة أخرى مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، والثانية عام 2000، ولفتت كل أنظار العالم حول رمزيتها التي تعبر عن الثوار ومقاومتهم للاحتلال.

في السنوات القليلة الماضية ازدادت مخاوف الاحتلال الإسرائيلي من توسع رقعة رمزية الكوفية ودلالتها على قضية الفلسطينيين وتاريخهم النضالي، وتعامل العالم معها باعتبارها رمزا تراثيا ونضاليا، وبدأت محاولات صهيونية  لطمس وتشويه هوية تلك الكوفية وتحويلها إلى موضة تجتاح الأسواق العالمية، وإغراقها بالكوفية الملونة لتصبح مجرد قطعة قماش للأزياء فقط.

وقالت مها السقا مديرة مركز التراث الفلسطيني، التي خاضت حملة كبيرة ضد تحويل الكوفية من حكاية ترمز لقضية شعب إلى موضة ملونة في العالم: "الكوفية هي رمز لنضال الشعب الفلسطيني منذ أعوام طويلة، وهذا الشيء لا يروق للاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي دفع عددا من المصممين اليهود، والمصممين الأوروبيين، إلى تحويلها إلى موضة  لتشويه رمزية النضال، وما تحمله من دلالات كبيرة على هوية الشعب الفلسطيني وتراثه العربي".

وأضافت السقا: "إن المصممين اليهود أرادوا إقناع العالم بأن إسرائيل جزء من الشرق الأوسط، وأن الكوفية الزرقاء التي تحمل نجمة داوود تعبر عن ثقافتهم وهويتهم، وهذا سرقة واضحة لهوية شعب بأكمله، وأن الفلسطينيين عليهم أن يعرفوا جيداً خطورة هذه الخطوة".

وتابعت: "الكوفية الملونة في الأسواق الأوروبية والعالمية ما هي إلا موضة، ومن المتعارف عليه أن الموضة تنتهي في فترة زمنية قصيرة ولا تدوم، وهي بالنسبة للشعب الفلسطيني عبارة عن تراكم حضارة وتراث، وأنه لا يمكن بشكل من الأشكال أن تُنهي الكوفية الملونة ما تحمله الكوفية الفلسطينية من دلالات، هي اليوم أصبحت أكثر عمقاً في التعبير عن القضية، والمتضامنون مع فلسطين في كل العالم يرتدونها بألوانها الحقيقية "الأبيض والأسود" أما تلك التي بالألوان أخذها العالم بأنها موضة وستنتهي".

ولا يمانع الفلسطينيون من انتشار كوفيتهم في أوروبا على أنها موضة، معتبرين ذلك انتشاراً لقضيتهم بما أنها تحمل اسم الكوفية الفلسطينية، حيث تعرف في المحال التجارية باسم الكوفية او الحجاب الفلسطيني، ولم يخفِ الشباب مخاوفهم من أن يكون مصدر الكوفية الاحتلال الإسرائيلي، والترويج لها على أنها أيضا من تراثهم.

وتقول فداء عياش من القدس : "لا أعارض أن يرتدي الأوروبيون الكوفية الفلسطينية، حتى لو كانت ملونة، إذا كان ارتداؤها نوعا من التضامن مع الشعب الفلسطيني في كفاحه ضد الاحتلال الاسرائيلي، وممارساته القمعية "

 وتابعت عياش: "إذا ما نظرنا إلى الموضة الآن فهي بعيدة كل البعد عن الثوب الفلسطيني، بينما نرى الاحتلال يستخدمه في كل مناسباته واحتفالاته الدولية، وهذا الشيء يحتاج منا كفلسطينيين إلى تعزيز تراثنا والتمسك برمزية الكوفية التي تدل على تاريخنا ووجودنا".

من جهته قال الناشط  حسين شجاعية من رام الله: "إن الكوفية كانت وما زالت رمزاً للنضال والكفاح الانساني رغم محاولات الكثير لتحويلها إلى مجرد قطعة قماش"، مشيراً إلى أن "إدخال الكوفية في تصاميم الموضة ليس وليد أوروبا فقط، نحن هنا نشاهد بعض العروض التي دمجت الكوفية بتصاميم الموضة الجديدة بألوان وأشكال مختلفة، وهنا أرى أن هذا انتقاص من حق الكوفية التي اقترنت بالقتال والتضحية والنضال ضد الاضطهاد والاحتلال، والآن أرى الكوفية تزين أجساد العارضات في كل مكان".

ويقول شجاعية: "التأثير الفعلي قد يكون غير ملموس بسبب معرفة الكل برمزية الكوفية، ولكن على المدى البعيد قد تتحول الكوفية من رمز تراثي فلسطيني إلى موضة بأشكال مختلفة".

أما  أمير شاهين من نابلس، فاعتبر قيام الإحتلال الإسرائيلي بتقليد الكوفية الفلسطينية، بألوان الأبيض والأزرق (لون العلم الإسرائيلي) وبرسم نجمة داود عليها، أمراً خطيرا، كونه تزويرا لتاريخ القضية الفلسطينية ومحاولة تشويهها.

وقال: "الكوفية هي جزء من تاريخنا النضالي، ولن نسمح لأحد أيا كان بأن يمس كوفيتنا التي تعني لنا الكثير، ويجدر بنا ألا نصمت أمام سرقات الاحتلال لتراثنا، والترويج له في العالم على أنه تراثه، واستخدام الكوفية في أوربا بألوانها المختلفة قد ينجح الاحتلال في استغلاله لذلك علينا الترويج لكوفيتنا بلونها الأصلي".

من ناحيتها أكدت الناشطة الشبابية راما عمرية من بيت لحم "أن تحويل الكوفية لموضة سواء في أوروبا أو في فلسطين يأتي ضمن محاولات تمييع القضية الفلسطينية وطمس رموزها، فالكوفية بشكل أساسي ترمز للفدائي الملثم، وهذا أهم استخدام للكوفية فلسطينيا منذ أيام الثورة الكبرى عندما خلع أهل المدن الطرابيش ولبسوا الكوفيات إسنادا للثوار ضد الإنجليز، حتى يومنا هذا في المظاهرات، وبالتالي لفتت إلى أنها محاولة تتخطى طمس الهوية التراثية إلى ما هو أخطر من ذلك، أي طمس الهوية النضالية والكفاحية للمناضل الفلسطيني".

وطالبت عمرية الشباب الفلسطيني بعدم السماح بانتشار هذه الأساليب في فلسطين، والمحافظة على نقاء الداخل الفلسطيني وعدم الاكتراث لما يفعله الغرب لأن هدفهم هو جر الشارع لمواجهة فرعية وتمييع المواجهة الجوهرية، وأضافت أن موضة الكوفية الملونة لن تقيد من النضال الفلسطيني، لذلك يجب أن يكون الخطاب للداخل الفلسطيني، وبعدها يمكن تصديره للخارج.

أعداد كثيرة من الأوروبيين تجهل القضية الفلسطينية، وتعرفها فقط من خلال الكوفية بلونها الأبيض ونقوشها السوداء، ويستخدمونها كثيراً في التضامن والتعاطف مع الشعب الفلسطيني لما يمارسه الاحتلال ضده منذ عقودٍ طويلة، حيث أصبحت الكوفية اليوم تعبيرا واضحا عن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة.