العقل متعدد الأبعاد

03 ابريل 2016
نحن مطالبون في أن نبقى بحالة بحث دائماً (Getty)
+ الخط -

في صباح يوم ممطر، حيث تداعب أشعة شمس الصباح غيوم السماء، وتهطل قطرات المطر اللطيفة على زجاج السيارات بكل رقة ونعومة، وأثناء التوجه إلى العمل كانت آيات من القرآن عن موقف إبراهيم عليه السلام وحواره مع الله عز وجل: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).. استوقفتني قوة إبراهيم وجسارته في طلب الدليل العقلي المُعجز من الله، ثم متابعة تبرير طلبه بحجة ذكية (وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)! 

إنسان يطلب من الإله أن يثبت وجوده وقوته بالدليل القطعي في الثبوت والدلالة! لم تنتهِ الدهشة هنا بل إن الأكثر إدهاشاً أن الله يستجيب لهذا الطلب، ويحققه أيضاً!

رجعت بالزمن إلى أعوام مضت، وكل الأفكار التي تلقيتها في يوم من الأيام حينما كان الأمر يصدر ثم يُقال: نفذ ولا تناقش، ثم تحسن إلى نفذ ثم ناقش، وإن ناقشت أصلاً فأنت محل تشكيك في الولاء والانتماء!

وأظن هذا أفضل وأقل حدة ممّن سيتهمك في إيمانك وعقيدتك إن ناقشت، وقد يسمك بالمتفلسف والزنديق والمنحرف عن منهج أهل السلف الصالح!

ولو كنت في جماعة سلفية "جهادية" فربما كانت نتيجة تساؤلاتك الذبح من الوريد إلى الوريد، وإلى جهنم وبئس المصير!

ولا يقف الأمر عند التربية في المحاضن الإسلامية، بل إلى سائر المجتمع بكل تياراته واتجاهاته، حيث إن الثقافة السائدة تقوم على إهمال العقل، وسقوطه أسيراً مع أول اختبار، فمن خرج على سلطان الدين وقع في أسر الأفكار الغربية مثل الإلحاد، ومن يتبنى أي أيديولوجيا يسارية أو ليبرالية تجده يتعبّد ويتطرف لمنظومته الفكرية، وقليل أولئك الذي لا يجدون حرجا في الحوار مع الآخر ليس من أجل إقناعه واستلابه، وإنما من منطلق احترام ذاتيته وحريته في الاختيار.
هي أزمة عقل وحيد البعد، عقل حينما يتبنى فكراً يصير عبداً له، متسلسلاً بأغلاله!

في حين أن على كل واحد منا مسؤولية تتمثل في بناء العقل متعدد الأبعاد. العقل متعدد الأبعاد هو ذاك العقل المفكر، الذي يحاول تجاوز العُرف والعادة. العقل المتشكك في أساسه، الذي ينتظر الدليل وينظر إليه باعتباره باباً لبناء الرأي وإنشاء التصور مستبقاً أي عملية حكم. هو العقل الذي يتسامى عن اللغو في الشخوص ليتأمل الأفكار. العقل الذي يدرس الأحداث بعين المحايد، نعم قد يخطئ في تقييمه وتفسيره فيقف عند الجانب الخاطئ، ولكنه حينما يدرك خطأه يبحث عن الصواب مرة أخرى.. فالحق أحق أن يتبع.

نحن نبقى في بحث، في حركة دائمة إلى أن نموت، وقبل ذلك قد يحدث موت سريري لأي منا حينما يؤجر عقله لغيره.


(البحرين)

المساهمون