العربي الجديد .. أفق وطريق

العربي الجديد .. أفق وطريق

03 ابريل 2014
+ الخط -

يحيل اسم المنبر الإعلامي الجديد، الجامع لمفردتي "العربي الجديد"، إلى طريق وأفق. وسنوضح الإيحاءات المقرونة بالكلمتين، لنعين بعض علامات مرافعاتنا التي ستتواصل أسبوعيا في صفحة الرأي، بهدف مساءلة إشكالات التحول في الفكر والمجتمع العربيين، قصد المساهمة في تعيين بعض ملامح وسمات هذا العربي الجديد.
عندما نرسم بالحرف كلمتي "العربي الجديد"، أو ننطلق بهما، نستشعر أن المرسومَ من الأحرف، والمنطوق من الكلمات، ينفتح على أفق مُشْرعٍ، أكثر مما يحيل إلى واقع مُحدد، أو معطيات فعلية، ذلك أن واقع العربي اليوم يؤشر إلى تطلعات مُحددة. وتُعيِّن قَسَمَاته العامة مفارقات وتناقضات وتراجعات. إنه واقع يدعو إلى كثير من الحيرة والقلق، ولنا، في مؤتمر القمة العربية في الكويت الشهر الماضي، خير شاهد على ما نقول.
يرادف الأفق الذي نرسم أَمَارَاته الكبرى في هذه المقالة ما نتطلع إليه، ونترقب حصوله، حيث نفترض أن يترتب عن المتغيرات التي حصلت في السنوات الأخيرة، بعد انفجارات سنة 2011، ما يشعرنا بأن الأفق الذي تشير إليه الكلمات قريب منا، على الرغم من عدم تَمَكُّننا من الوصول إليه.
وبناءً على ما سبق، نستطيع القول إن كلمتي "العربي الجديد" تحيلان إلى المأمول والمرتجى، يتعلق الأمر بمشروع النهوض العربي، والذي يمكن تشخيصه في قدرة العرب على التفاعل الإيجابي التاريخي، والنقدي، مع المتغيرات الجارية في عالم ما يفتأ يتغير، متعولماً وصانعاً جدلياتٍ في السياسة والفكر والتقنية، تدعو إلى مزيد من التواصل والتجاوز، وذلك باستيعاب المكاسب، ومغالبة المآزق والأزمات بمنطق الفعل والإرادة والتاريخ.
 إن الأفق، هنا، مسافة تقع في مرمى البصر، لكنها ليست مسافة قريبة، بحكم أنها تستدعي جهوداً مستميتة، لنتمكن من مواجهة مختلف قيود الماضي والحاضر، ومواجهة صور التراجع التي تشكل سمة الراهن العربي، بسبب عجزنا المتواصل، وعدم قدرتنا على مجابهة معضلات التحول في ثقافتنا ومجتمعنا.
تحيل قوة التسمية، كما قلنا، إلى أفق قريب، وهي تشير، بوضوح، إلى أن الأفق طريق يستدعي الاستماتة في النظر، ومجابهة مختلف عوائق النهوض، المتمثلة في تحديث المجتمعات والذهنيات العربية، ذلك أننا لا نتصور أن الفعل السياسي الذي بلورته انفجارات 2011، في بلدان عربية كثيرة، يكفي، وحده، لمغادرة أزمنة التأخر التاريخي، أزمنة التسلط والفساد، أزمنة الهدنة المتواصلة في مواجهة إشكالات التاريخ العربي، القديم منها والمستجد.
 إن تمرد الانفجار والاحتجاج الذي حصل يعكس ردود الفعل القوية التي انخرط فيها الشباب داخل شوارع وساحات ومدن وعواصم البلدان العربية، في حركةٍ ثورية امتزج فيها الحلم بالأمل. ونتصور أن تمرد الأمس القريب يتطلب، اليوم، احتضاناً تاريخيا لشراراته المتبقية، ودروسه المستخلصة، بهدف تحويل مكاسبه إلى برنامج في العمل القادر على تحقيق التَحوُّل المأمول.
يصبح الأفق أكثر تاريخيةً، عندما يتحول إلى طريق مُوصِلٍ إلى دروبٍ، نتطلع إلى الوصول إليها منذ عقود. صحيح أن الأفق، اليوم، يضعنا في قلب متغيرات الطور الانتقالي في مجتمعات الانفجارات في كل من مصر وتونس والمغرب وليبيا واليمن، حيث تنشأ ممانعات جديدة، وتتبلور استقطابات سياسية جديدة، عيبها الأكبر استنادها إلى كثير من المواقف القبلية والقطعية. كما تفاعل معارك، بعضها قديم وبعضها ينشأ في ضوء تفاعلات تحصل في معارك الجدل الدستوري، وجدل الهوية، والأشكال الاحتجاجية الجديدة، الأمر الذي يستدعي كثيراً من اليقظة، في مواجهة ما يجري بمختلف تداعياته. إن عودة الحديث بصخب إلى الإثنيات واللغات والأعراق يغفل دروس المواطنة والدولة الديمقراطية في التاريخ المعاصر.
إذا كان بإمكاننا أن نقول إن أغلب الشعارات التي يتم تداولها في المجال السياسي العربي تحيل إلى معارك، سبق خوضها في الماضي، فإن ما هو مطلوب، اليوم، في هذا الطريق الذي يرسمه أفقه العربي الجديد، هو بناء شرعية سياسية جديدة، قادرة على التخلص من أعطاب الشرعية التي كانت مهيمنة عقوداً من الزمن، من دون أن تسعف بتملك أوليات الحداثة والتحديث في مجتمعنا.
ضمن هذا السياق، نتصور أن الطريق الذي نَعبُرُه اليوم نحو العربي الجديد، يتطلب إتمام مشروع الإصلاح الديني، لنتمكن من التحديث الثقافي، وترسيخ قيم المواطنة، كما بنتها الفلسفات السياسية الحديثة.
يستدعي الطريق، هنا، لزوم التصالح، أولاً، مع الذات، وذلك بإعادة بنائها في ضوء مكاسب المجتمع الحديث وقيمه، قيمَ النسبية في التاريخ والمعرفة، لنتمكن من التصالح مع العالم، فنتمثل شعارات الميادين بالفعل، ونتخطى عوائق وإكراهات زمن التسلط والفساد.
يواجه العربي الجديد طريقاً طويلا، مفتوحاً على معارك، بعضها، كما قلنا، قديم، وبعضها مستجد، لكنه يواجه كل ما سبق، بروح تتجه إلى إسناد انفجارات 2011 وتداعياتها، منطلقاً من إعادة الاعتبار للسياسة والثقافة في أفعال التغيير المأمولة والمرتجاة، واضعا نصب عينيه المشروع الديمقراطي العربي، أفقاً قابلاً للبناء، وفي المؤشرات التي تملأ أرجاء الوطن العربي اليوم هنا وهناك، علامات دالة على أن العرب يلجون من جديد دروب التاريخ.

C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".