الصحافي الشامل يتجلّى في حوارات ثوماس فريدمان

الصحافي الشامل يتجلّى في حوارات ثوماس فريدمان

11 اغسطس 2014
"نسبة الشيب في رأسه زادت" مقدمة لحوار مع أوباما
+ الخط -
مهما اختلف القراء أو الكتّاب العرب مع الآراء السياسية للكاتب الأميركي البارز ثوماس فريدمان، إلا أن من الإنصاف الإقرار بمهاراته الصحافية وقدراته المهنية.

انتمى فريدمان مبكراً للصحافة الرقمية واعتاد على تسجيل حواراته بكاميرا الفيديو وكيبورد الحاسوب، متيحاً الفرصة لمَن يرغب من متابعيه في تحليل إشارات جسد المجيب ونبرات صوته، وهذا ما ينطبق على آخر حوار أجراه مع الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض.

ساعة من الزمن فقط أتيحت لفريدمان للتجوال في صالات البيت الأبيض، ولكنه بدلاً عن ذلك، غاص في فكر وعقل الرئيس واستطاع استنطاقه حول قضايا لا تهم فريدمان فحسب وانما تهم أكبر قطاع من الصحافيين الأميركيين وغير الأميركيين. لا تهمّنا هنا تلك القضايا، ولكن تهمنا فقط طريقة عرضها.

ورغم أهمية الكاميرا بالنسبة لفريدمان، إلا أنه يدرك جيداً أن حواراته ليست معدّة بالضرورة لمحطات التلفزيون، وإنما لصحيفة ورقية عريقة هي "نيويورك تايمز" ولنسختها الالكترونية المتطورة. وبناءً على ذلك، فإنه في حواره مع أوباما لم يترك العبء على مَن يشاهد مقاطع الفيديو للتحليل والاستنباط، بل حاول تقديم المساعدة عن طريق تسجيل الانطباعات والوصف وتقديم السياق بما يخدم الأفكار والاستنتاجات التي يريد إيصالها لجمهوره.

ولم يبدأ فريدمان بتلخيص لقائه مع أوباما بالأساليب التقليدية في مقدمة ذات مطلع معتاد على نمط قال أوباما وأضاف، وصرح، وأشار، وأعلن، وأوضح.. إلخ. ذلك من الأفعال التي لا يمكن البدء بها في اللغة الانجليزية أصلاً، لأن كل الجمل اسمية، وليس هناك في الانجليزية أي جملة تبدأ بفعل بل بالفاعل أو الاسم المعني، وهو هنا الرئيس أوباما.

ولو أن البداية، التي استهلّ بها فريدمان موضوعه في "نيويورك تايمز"، عرضت على أي رئيس تحرير جريدة عربية، لقرر الاستغناء عن خدمات الكاتب ووصفه بالفشل. لكن ثوماس فريدمان يطبّق في عمله القاعدة القائلة إن "البساطة هي قمة الإبداع"، وأن المدخل السهل والقصير أفضل في عصر السرعة من الديباجات المعقدة والمطولة.

ففي عمود ثوماس فريدمان عن حواره مع أوباما، كانت المقدمة مختلفة تماماً، ولكن لا مناص من البدء بالرئيس للحفاظ على أهمية الموضوع، ولكي يعرف القارئ أن فريدمان التقى به. ولكن الناس قد ملّت من تكرار الحديث عمّا قاله الرئيس وما أشاد به وما أعلنه وما رفضه، فلماذا لا يتحدث فريدمان عن شيء مختلف وبداية مختلفة وجاذبه قد لا يجيزها رؤساء التحرير إلا لمَن هو في مكانته وكفاءته.

لقد بدأ فريدمان موضوعه بأول انطباع لاحظه عن الرئيس، وهو أن نسبة الشعر الأشيب في رأسه زادت عمّا كانت عليه في السابق. وهذا الانطباع لم يأتِ اعتباطاً ولا من أجل الإعلان عن صبغة شعر جديدة، بل للانتقال مباشرة إلى الموضوع السياسي، بعد التدليل على صعوبة الظروف السياسية التي يقاسيها الرئيس.

فطبقاً للمقولات المتعارف عليها بين كل شعوب الأرض بسند علمي أو بدونه، فإن المخاطر التي قد يواجهها المرء في حياته لا تؤدي إلى إشعال خوفه فقط بل إلى إشعال رأسه شيباً أيضاً.

ولم يطنب فريدمان كثيراً في هذا الجانب، بل اكتفى بالقول إن نصف الشعر الأشيب في رأس أوباما نما بسبب نمو حزب الشاي والقوى الداخلية المتطرفة، أما النصف الآخر من الشيب فقد اشتعل بسبب اشتعال الأزمات الدولية وتعقيدات "السياسة الخارجية".

ومن على متن كلمتين فقط هما: "السياسة، والخارجية"، انطلق الكاتب للحديث عن الموضوع الذي كان محوراً أساسيا للحوار الصحافي مع أوباما.

المساهمون