الشراكة الإسرائيلية مع السيسي: مصلحة استراتيجية تفوق الأمن

الشراكة الإسرائيلية مع السيسي: مصلحة استراتيجية تفوق الأمن

08 يونيو 2014
الحملة العسكرية في سيناء حمت إسرائيل (خالد دسوقي/فرانس برس/getty)
+ الخط -

برز اسم الجنرال روعي إليكبيتش في ثلاثة أحداث هامة، وفي أوج انتفاضة الأقصى (2000 ــ 2005)، إذ كان قائداً للواء المدرعات الذي اقتحم "المقاطعة" في مقرّ رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله (2003)، وقام بتدمير معظم المباني التي أحاطت بمكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي فُرض عليه حصار خانقٌ حتى أصابه المرض، قبل أن يموت أو يُغتال في عام 2004.

وقبل ذلك، لعب اللواء نفسه الدور الرئيس في تدمير البلدة القديمة من نابلس (2002)، حيث سوّت دبابات إليكبيتش العديد من المنازل الفلسطينية بالأرض، من أجل تمهيد الطريق أمام تقدم قوات لواء المظليين بقيادة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الحالي أفيف كوخافي، الذي تولى قيادة الحملة العسكرية على المقاومة الفلسطينية في المدينة.

وخلال عملية "عمود السحاب" التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، كان إليكبيتش رئيساً لهيئة أركان قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال. وبحكم موقعه هذا، كان من أبرز الجنرالات الذين خططوا وأشرفوا على تنفيذ الحملة التي أسفرت عن استشهاد 160 فلسطينياً وجرح مئات آخرين.

غير أن أكثر مهام إليكبيتش إثارة، هي تلك المرتبطة بمنصبه الحالي كقائد "فرقة إيلات"، المسؤولة عن تأمين الحدود مع مصر، وهو الموقع الذي جعله المسؤول المباشر عن بلورة وإدارة التعاون الأمني مع الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء.

يخرج إليكبيتش عن طوره في كيل المديح لقيادة الجيش المصري، ولجهودها في الحرب على "الحركات الجهادية". وهي الحرب التي يؤكد أنها قلّصت حجم التحديات التي تهدد إسرائيل، لدرجة أن قواته في كثير من الأحيان لا تجد ما يشغلها في هذه الجبهة.

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "يسرائيل هيوم"، ونُشرت أمس الجمعة، يقول إليكبيتش: "نحن لا نجني إلا عوائد إيجابية وفوائد جمة من الحرب التي يشنها الجيش المصري ضد الجهاديين؛ فهذه الحرب منحتنا الهدوء والأمن".

ومن مظاهر الحرب التي يشنّها الجيش المصري حالياً، كما يرصدها إليكبيتش، هي الاعتماد على وحدات "كوماندوس" مدعومة بدبابات وبغطاء من مروحيات "الأباتشي".

يقول إليكبيتش: "عملياتهم ضدّ (الجهاديين) تثير الانطباع (الانتباه)، وأسفرت عن نتائج جوهرية، فمن أصل 25 مطلوباً تمت تصفية تسعة مطلوبين، من بينهم قادة الإرهابيين". إن أوضح معطى، بحسب أليكبيتش، يعكس العوائد الإيجابية للجهد الحربي الذي يقوم به الجيش المصري، على إسرائيل، يتمثل في الانخفاض الكبير في عدد المتسللين الأجانب عبر الحدود.

وعلى الرغم من أن إليكبيتش يشير إلى الدور الحاسم للجدار الإسمنتي الذي بناه الكيان الصهيوني على طول الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة لمنع المتسللين من تجاوز الحدود، غير أنه في الوقت نفسه يؤكّد أنّ الحرب التي أعلنها قائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي على "الجهاديين"، كان لها دور كبير في ذلك.

وحسب إليكبيتش، فقد انخفض عدد المتسللين الأجانب، خصوصاً الأفارقة الباحثين عن عمل، من 10455 متسللاً عام 2011 إلى سبعة متسللين فقط خلال العام 2014. مع العلم أن إسرائيل ترى أن مشكلة المتسللين الأجانب، أو مَن تسميهم "لاجئو العمل"، في الأساس، اجتماعية، وقد منحت قوى اليمين المتطرف الفرصة لتنظيم تظاهرات ضخمة تطالب بطرد الأفارقة على وجه الخصوص.

وقد استدعى حل هذه المشكلة قيام الحكومة الإسرائيلية بجهود دبلوماسية وسياسية لإقناع دول أفريقية بالإسهام في استيعاب نسبة من هؤلاء المتسللين، مقابل حصول هذه الدول على مساعدات اقتصادية من دولة الاحتلال.

لكن أهم إنجاز في حرب السيسي ضدّ مَن يصفهم بـ"الجهاديين"، كما يرى إليكبيتش، هو ذلك المتعلق بالوعي الجمعي للمصريين، إذ إن السيسي أعلن أن التنظيمات الإسلامية، هي "العدو رقم 1 لمصر". ولا يفوت إليكبيتش التذكير بأن إسرائيل سمحت لمصر بزيادة عدد قواتها العاملة في سيناء، بما يتجاوز المسموح به في الملحق الأمني من اتفاقية "كامب ديفيد 1978"، لجعل الحرب ضد "الجهاديين أكثر فاعلية".
 

في إسرائيل يشيرون بشكل خاص إلى الدور الذي  يلعبه الجيش المصري في تحسين البيئة الاقتصادية الإسرائيلية. وحسب تقرير بثته الإذاعة العبرية يوم الخميس الماضي، فإن 2.8 مليون سائح يصلون سنوياً إلى إيلات.

ومن الواضح أن تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود مع مصر يقلص بشكل كبير حجم السياحة، ما يمسّ بأحد مصادر الدخل الرئيسة في إسرائيل. في الوقت نفسه، فإن الشعور بالأمن يدفع 900 ألف سائح إسرائيلي للتمتع بالمرافق السياحية هناك بكلفة زهيدة، إذا ما قورنت بكلفة السياحة في إيلات.

وفي الواقع، فإن التقدير الإسرائيلي الكبير للدور الذي يلعبه السيسي في الحرب على "الحركات الجهادية" في سيناء، ينبع بالأساس من التحولات التي طرأت على خارطة المخاطر الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل.

وبحسب شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، "أمان"، فإن "حركات الجهاد العالمي"، التي يعتبر "الجهاديون" في سيناء جزءاً منها، باتت واحدة من أخطر خمس تحديات تواجه "الأمن القومي" الإسرائيلي. 

وذكر تقرير، نشره موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" في 14 مايو/ أيار الماضي، أن التحوّط لمواجهة خطر "الجهاديين" دفع "أمان" إلى تدشين قيادة جديدة تُعنى فقط بجمع وتحليل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بها، وتوجيه الجهد العملياتي ضدّها.

وحسب معطيات "أمان"، فإن هناك بضع مئات من "الجهاديين" يتمركزون في قلب سيناء، يستغلون بيئة بدوية "حاضنة". من هنا، لم يكن على سبيل الصدفة أن يعتبر البرفسور إفرايم كام، نائب رئيس "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، أن انتخاب السيسي هو "أفضل نتيجة يمكن أن تتوقعها إسرائيل"، إذا ما قورنت بأي سيناريو يمكن أن تنتهي إليه ثورة 25 يناير 2011 .

وفي ورقة صدرت عن المركز، نشرها أول أمس الخميس على موقعه، يعيد كام للأذهان حقيقة أن السيسي يرى في اتفاقية السلام مع إسرائيل "ذخراً استراتيجياً" لمصر، ولا يشكك في أهمية الالتزام بها واحترامها.

ويضيف كام أن السيسي، من خلال موقعه السابق كمدير للاستخبارات العسكرية، وكوزير للدفاع، يعي أهمية التعاون الأمني مع إسرائيل، منوهاً بأن مطالبته بتعديل الملحق الأمني في اتفاقية كامب ديفيد جاءت بشكل أساسي لتحسين قدرة الجيش المصري على مواجهة التنظيمات "الإرهابية" في سيناء.

لكن ما يثير الفزع لدى كام، هو حقيقة أن إسرائيل يمكن أن تخسر كل هذه العوائد في حال أزيح السيسي عن دائرة الحكم، محذراً من أنه في حال لم يتمكن السيسي من إقناع الرأي العام المصري بقدرته على تحسين أوضاعهم الاقتصادية في زمن محدد، فإن الجماهير ستندفع مجدداً للمطالبة بإطاحته. ولا يفوت كام التذكير بأن تجربة المخلوع حسني مبارك تدلّل على أن دعم الجيش للرئيس ليست كفيلة بتحصينه من الخلع.

المساهمون