السيسي يراهن على الخليج ورجال أعمال "مبارك" لتثبيت أقدامه

السيسي يراهن على الخليج ورجال أعمال "مبارك" لتثبيت أقدامه

30 مارس 2014
صورة أرشيفية للافتة دعائية لترشح السيسي للرئاسة
+ الخط -
يبدو أن عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري المستقيل والمرشح للانتخابات الرئاسية، سيراهن على بعض دول الخليج العربي ورجال أعمال بارزين في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لتثبيت أقدامه بمصر التي تعاني من تأزم اقتصادها، بحسب محللين اقتصاديين، فيما لعبت الأطراف ذاتها دورا، لدعم إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز الماضي.
ووصل مرسي إلى الحكم مطلع يوليو/تموز 2012، عبر أول انتخابات رئاسية تشهدها مصر بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، فيما شهدت الأشهر الأخيرة من العام الذي قضاه بالحكم أزمات اقتصادية خانقة، قال مؤيدوه إنها كانت مدبرة بإيعاز مما وصفوها بأجهزة "الدولة العميقة"، في إشارة إلى الجيش والأجهزة الاستخباراتية ورجال أعمال بارزين.
وقدمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت مساعدات سخية لمصر في أعقاب الانقلاب العسكري ضد مرسي، تصل قيمتها حسب البيانات الحكومية في مصر إلى 10.8 مليار دولار، من إجمالي تعهدات بنحو 15.9 مليار دولار.
واستقال السيسي من منصبه كقائد عام للقوات المسلحة ووزير للدفاع يوم الأربعاء الماضي، تمهيدا لترشحه لانتخابات الرئاسة المقررة في غضون أشهر.
وتعين على السيسي الاستقالة من الحكومة والتخلي عن صفته العسكرية، كي يدرج اسمه في قاعدة بيانات الناخبين، وهو شرط لازم للترشح.
ولا يسمح للعسكريين بالانتخاب أو الترشح أثناء خدمتهم في الجيش وكذلك رجال الشرطة.
وتواجه مصر ظروفا اقتصادية متردية، بسبب استمرار الاضطرابات السياسية والأمنية، منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والتي ازدادت حدتها في أعقاب الانقلاب العسكري، والتي أدت إلى تراجع معدلات نمو الاقتصاد بشكل حاد.
وقال محمود الصعيدي، خبير الاقتصاد المصرى في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المساعدات الخليجية ودعم رجال الأعمال المحسوبين على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك سيكون الرهان الوحيد للسيسي في "تسكين الأزمات الاقتصادية" في مصر بشكل مؤقت.
وأضاف الصعيدي، أن بعض رجال الأعمال لم يخفوا دورهم في الإطاحة بمرسي، خاصة ما يتعلق بدعم حملات المعارضة أو التسبب في الضغط على الوضع الاقتصادي المتأزم بتهريب استثمارات خارج مصر.
كان الملياردير المصري نجيب ساويرس، قال في تصريحات لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في يوليو/تموز 2013، إنه دعم الحملات المناهضة لمرسي وعلى رأسها حركة "تمرد"، التي زعمت أنها جمعت 22 مليون توقيع لإسقاط حكم مرسي دون أن تقدم برهانا لذلك.
وأشار ساويرس إلى أنه قدم الدعاية الإعلامية لـ "تمرد" من خلال قنواته الفضائية، كما دعم الحركة صحفيا من خلال صحيفة "المصري اليوم" وهي أكبر صحيفة مستقلة في مصر، يملك حصة كبيرة فيها.
كما قامت عائلة ساويرس ومستثمرون آخرون بتأسيس شركة في هولندا تحمل اسم " أو سي أي إن في"، قامت بدورها بالاستحواذ على أوراسكوم للإنشاء والصناعة في مصر " أو سي أي"، المملوكة بحصة أغلبية لعائلة ساويرس، فيما وصفه محللون اقتصاديون آنذاك بتهريب رؤوس الأموال للخارج.
وكان نجيب ساويرس، قد قال في تصريحات صحفية عقب إطاحة الجيش بنظام مرسي، إنه يعتزم ضخ استثمارات بنحو مليار دولار، وكرر هذا الوعد قبيل اجراء الاستفتاء على الدستور .
وقال الصعيدي، إن دور رجال الأعمال لم يقتصر على محاولة تجميد وتهريب الاستثمارات في عهد مرسي وإنما دفعوا وسائل الإعلام الخاصة التي يمتلكونها من فضائيات وصحف خاصة، لتأجيج الشارع ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي وتسليط الضوء على أزمات الوقود والكهرباء، والتي كان أغلبها مفتعلا.
وشهدت مصر خلال الأسبوعين الأخيرين من يونيو/حزيران 2013، أزمة وقود خانقة، وانقطاعا متكررا في التيار الكهربائي، فيما كانت المعارضة تتقدمها حركة "تمرد"، قد دعت للتظاهر ضد مرسي في الثلاثين من نفس الشهر.
وأظهرت بيانات رسيمة صادرة عن المركز القومي للتحكم في الكهرباء التابع لوزارة الكهرباء في يوليو/تموز 2013، تحقيق مصر فائضاً ملحوظاً في توليد الطاقة الكهربائية منذ بداية مطلع يوليو/ تموز الحالي، بعد أيام قليلة من خروج التظاهرات التي بررها الجيش للإطاحة بمرسي، حيث سجلت الطاقة المولدة عجزا كبيرا في التاسع والعشرين من يونيو.
وحسب البيانات، فإن قدرات الشبكة القومية للكهرباء بلغت يوم 29 يونيو/حزيران نحو 22.1 ألف ميجا وات، بينما بلغ الاستهلاك 24.4 ألف ميجا وات، ليصل العجز إلى نحو 2325 ميجا وات، فيما سجلت الشبكة وفرا منذ مطلع يوليو/تموز، ليبلغ في الأول من يوليو نحو 290 ميجا وات، بينما قفز في بعض الأيام إلى 700 ميجا وات مثلما تحقق يومي 6 و13 يوليو، وأعتبر محللون أن هذا هو أكبر دليل على دعم المؤسسات الحكومية الانقلاب العسكري عبر قطعها الخدمات عن الجمهور ومنها الكهرباء ومشتقات البترول.
وبحسب الصعيدي فإن " دول الخليج التي دعمت مصر بقوة بعد الإطاحة بمرسي، هي نفسها من امتنعت عن تقديم أية مساعدات خلال العام الذي قضاه الرئيس المنتخب للحكم. وان هذه الدول حتما ستظل داعمة لمصر، خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تولي السيسي الحكم الذي لا يلوح في الأفق أي منافس له على الساحة".
لكن الدكتور سامي خلاف، مساعد وزير المالية للدين العام، قال:" لولا المساعدات الخليجية خلال الشهور الماضية لتفاقم الوضع المالي لمصر من حيث العجز والدين العام".
وأضاف خلاف في اتصال هاتفي لمراسل "العربي الجديد" بالقاهرة:" ستكون هناك مساعدات لا تتوقف، إلى أن يعود الاقتصاد المصري إلى معدلاته الطبيعية".
وقال هاني قدري ، وزير المالية المصري، في تصريح لمراسل "العربي الجديد" بالقاهرة، إن الحكومة حصلت على وعود مؤكدة بتحويل مساعدات عربية لمصر تغطي احتياجاتها حتى أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
لكن أشرف العربي خبير الاقتصاد، انتقد التوجه نحو الاعتماد على المساعدات، مطالبا بوضع خطط اقتصادية جريئة تشمل ترشيد الدعم وزيادة حصيلة الضرائب وإعادة ادارة القطاع العام وأصول الدولة بشكل أمثل.
وقال:" إذا لم تفلح مصر في وضع خطط اقتصادية تطبق بعد انتهاء الانتخابات، فستتأخر كثيرا... لا يصح لبلد بحجم مصر وثرواتها أن تعتمد على المساعدات".
وبحسب تقرير لمؤسسة "كارنجي" للسلام الدولي منتصف مارس/ أذار، فإن نجاح القيادة الجديدة في مصر بوضع الاقتصاد على طريق المعافاة، مرهون بإعادة إرساء الاستقرار السياسي وتحسين الظروف الأمنية والحصول على مزيد من الموارد المالية من بلدان الخليج الغنية.
وذكرت المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقراً رئيسياً لها، أن الاستقالة غير المتوقّعة للحكومة المؤقتة برئاسة حازم الببلاوي الاقتصادي الليبرالي نهاية فبراير/شباط الماضي، تشير إلى مدى استفحال وتعقيد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
وأشارت إلى أن المعونة المالية والنفطية، التي أمّنتها المساعدات الخليجية السخية، في أعقاب الإطاحة بمرسي " كانت غير كافية لتلبية الاحتياجات المالية المتزايدة للبلاد أو طلبات المصريين الذين نفدَ صبرهم".
وأظهرت بيانات حكومية، تراجع معدلات نمو الاقتصاد، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم (أسعار المستهلكين)، والديون المحلية والخارجية وانخفاض الإيرادات السياحية بشكل حاد.
وبحسب وزارة المالية المصرية في يناير/ كانون الثاني الماضي، قفز حجم الاقتراض المحلي لحكومة الببلاوي، عبر طرح أدوات دين ممثلة في سندات وأذون خزانة إلى نحو 486.7 مليار جنيه في الفترة من يوليو إلى ديسمبر/كانون الأول 2013، مقابل 316.3 مليار جنيه في الفترة من يناير إلى نهاية يونيو من العام نفسه وهي أخر ستة أشهر في العام الذي قضاه مرسي بالحكم، بزيادة بلغت نسبتها 53.8%.
كما سجلت معدلات السياحة الوافدة إلى مصر تراجعا حادا خلال الستة أشهر الأولى من عهد حكومة الببلاوي، ليصل عدد الوافدين إلى 3.6 مليون سائح بإيرادات 1.5 مليار دولار، مقابل 5.9 مليون سائح بإيرادات 4.4 مليار دولار.
واتهمت المعارضة مرسي بـ"الفشل" في إدارة البلاد، خاصة على صعيد الملف الاقتصادي، فيما أظهرت مؤشرات رسمية صادرة عن البنك المركزي بعد الإطاحة بمرسي بثلاثة أشهر، أن هذه الاتهامات غير صحيحة وان معاملات مصر مع العالم الخارجي على سبيل المثال، حققت فائضا كليا في ميزان المدفوعات للمرة الأولى منذ نحو 50 عاما بقيمة 237 مليون دولار خلال العام المالي الممتد في الفترة من يوليو/ تموز 2012 وحتى نهاية يونيو/ حزيران 2013، والذي يتوافق مع العام الذي قضاه مرسي في الحكم، مقابل عجز بنحو 11.3 مليار دولار في العام المالي السابق الذي كان المجلس العسكري يتولى خلاله مقاليد البلاد.
وميزان المدفوعات هو بمثابة الحساب الذي يسجل قيمة الحقوق والديون الناشئة بين بلد معين والعالم الخارجي وذلك نتيجة المبادلات والمعاملات التي تنشأ بين المقيمين في هذا البلد ونظرائهم بالخارج خلال فترة زمنية عادة ما تكون سنة.

المساهمون