السودان.. السلطة لا تستلطف الندوات

السودان.. السلطة لا تستلطف الندوات

07 ابريل 2014
غرافيتي لـ إسكيف / إسبانيا
+ الخط -

تراجعت السلطات الأمنية، ظهر أمس، عن قرارها بالإغلاق التام لـ"مركز علي الزين" الثقافي، إلى أجل غير مسمى، بعد الضجة التي أثارها هذا القرار على مواقع الإنترنت. وقال علي الزين، مدير المركز، إن جهاز الأمن والمخابرات، أبلغه بإمكانية استئناف نشاط المركز المتعلّق بتدريس الموسيقا فقط، وبوقف الفعاليات الثقافية، ريثما يتم إكمال إجراءات تجديد الترخيص لدى وزارة الثقافة.

وكان الزين قد تلقى، أمس الأول، استدعاء هاتفياً من الجهاز المذكور، أُبلِغ خلاله بقرار إغلاق المركز حتى إشعار آخر، بحجة أن المراكز الثقافية غير مسموح لها بممارسة أنشطة سياسية، وأن تدشين رواية "الاحتراق الرابع" للكاتب المدثر الجيلي، في المركز، كان تغطية لنشاط سياسي للبعثيين والشيوعيين، علماً أن كلاً من هذين الحزبين له دار معروفة ومرخّصة، بحسب الزين. وأُبلغ الأخير أيضاً بأن المركز لم يجدد الترخيص السنوي، مع أن هذا الأمر لا يدخل في اختصاص جهاز الأمن والمخابرات، بل هو شأن وزارة الثقافة، وأن طلب التجديد تم تسليمه منذ عام.

وقال الزين لـ"العربي الجديد" إنه أُبلِغ أمس، بأن ما أثير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عن إغلاق المركز "يروّج لصورة مختلفة عما حدث"، وإنه استُدعي (السبت) هاتفياً ولم يُعتقل، واستجوب بأدب واحترام، وطُلب منه ذكر هذا الأمر، وتصحيح التفاصيل المتداولة حول الاستدعاء والإغلاق.

وجاء قرار إغلاق المركز المذكور، بعد عام ونيف من إغلاق الحكومة السودانية مراكز ثقافية أخرى في الخرطوم، هي مراكز "الدراسات السودانية"، و"الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية" و"منتدى السرد والنقد" التي أغلقتها السلطات في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2012، بمبررات مختلفة تراوحت بين كونها "واجهات لأجهزة مخابرات أجنبية، تعمل لخلخلة وتغيير النظام"، حسب تصريح النائب الأول للرئيس وقتها، وبين أنها "تمارس أنشطة تضر بالأمن القومي"، إضافة إلى المماطلة في تجديد رخصة "مركز الدراسات الثقافية" و"المركز الثقافي الشبابي".

والمتأمل في علاقة السلطات السودانية بالثقافة، ربما سيستحضر مقولة غوبلز: "كلما سمعت كلمة ثقافة تحسّستُ مسدسي". فخلال ربع قرن من الحكم، لم تمنح الحكومة السودانية متنفساً لفعل ثقافي خارج توجيهها المباشر، إلا على مضض، وكجزء من بنود اتفاقية السلام الشامل في 2005. ولكن بعد انفصال الجنوب، لم تعد بنود الاتفاقية ودستورها ملزمة للحكومة السودانية، فقامت بإغلاق المراكز، الأمر الذي اعتبره الكثيرون تراجعاً عن مساحة الحرية التي كانت ممنوحة للعمل الثقافي.

وعلّق الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين، عثمان شنقر، على إغلاق "مركز علي الزين" بقوله "إن إغلاق المراكز الثقافية، بغض النظر عن المبررات، يعد تراجعاً عن روح الحوار التي تنتظم البلاد هذه الأيام". ومثل الكثير من المثقفين الرافضين للتضييق الحكومي على العمل الثقافي؛ رأى شنقر أن إغلاق أي مركز "هو بمثابة إطفاء شعلة تنوير ووعي"، وخلص إلى أنه "إذا كانت الدولة تحاور الفصائل المسلحة، وتجلس معها على طاولة المفاوضات، فالأولى أن تحاور الكتاب والمثقفين، وتتفاوض معهم في ما أشكل عليها من سوء فهم لمآلات العمل الثقافي، لا أن تسلط عليهم حيف الإغلاق والمصادرة"، مذكّراً بأن "إغلاق مركز علي الزين حلقة ضمن سلسلة إغلاق المراكز الفكرية والثقافية".

من جهته، قال الأصمعي باشري، عضو اللجنة التنفيذية في المركز الذي أُسّس عام 2010 لتدريس الموسيقى للراغبين من الجنسين، إن هذا المكان أصبح مقصداً للفنانين والشعراء والكتاب الذين وجدوا متنفساً فيه، وفي برامجه الأسبوعية المتنوعة، كبرنامج "ضربة حرة" بنظام "ليالي الميكرفون المفتوح"، ومنتدى "مشافهة النص الشعري" الذي أكمل عامين، وجذب أكثر من ستين شاعراً تفاعلوا بنصوصهم مع الجمهور. ولأن صاحب المركز لا يطالب أحداً بمصاريف برنامجه، صار أيضاً ملاذاً لتقديم التجارب الفنية والأدبية، ومنبراً لتدشين الكتب الصادرة حديثاً. أما الموقف الرسمي من المركز فيعود، في نظر باشري، إلى "العداء الذي تحمله السلطة الحالية ضد الثقافة المتسامحة والإبداع السوداني الحر".

من جهته يظن الصحافي يوسف حمد أن هناك اعتبارات سياسية تتعلق بالموقف الرسمي من المركز، ويرى أن هذه الاعتبارات "تغذيها أغنيات كثيرة، يؤديها علي الزين كمغنٍّ برفقة آلة العود، وتوصف جميعها بأنها أغانٍ ثورية، لكون كاتبي كلماتها هم المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، والعراقي مظفر النواب وغيرهما. 

يقول علي الزين، الذي تخرّج في المعهد العالي للموسيقا والمسرح (1983) عازفاً محترفاً على آلة العود، إنه لا يميل إلى قبول التشغيل الجزئي للمركز و"بتر" الدور الذي يقوم به داخل المشهد الثقافي السوداني، فإما التوقف التام أو التشغيل الكامل. وأكد أنه سوف يتابع مع وزارة الثقافة إكمال إجراءات تجديد الترخيص؛ والتي أوضح أن التأخير فيها لا يتحمله المركز، بل مكتب التسجيل الذي قال إنه طلب منه -كسباً للوقت- تقديم أوراقه مرة أخرى.

مهما يكن ما ستؤول إليه الأمور، تظل الأزمة العميقة بين مبدعي هذا البلد وحكومته قائمة، تتفاقم من حين إلى آخر لتطفو على السطح بأحداث مثل هذه.

المساهمون