الخيمة السورية مدرسة لأربع ساعات

الخيمة السورية مدرسة لأربع ساعات

15 مارس 2014
+ الخط -

دخلت الثورة السورية عامها الرابع، وهي سنوات عنف وإراقة دماء كان لها أثر مدمر على أطفال المدارس هناك، فنحو نصف أطفال البلاد أصبحوا غير قادرين على تلقي تعليم في البلد الذي مزقته الحرب، ويبلغ عددهم 2.8 مليون طفل أو يزيد، وفق منظمة الطفولة العالمية "اليونيسف التي تعتقد أن نحو 300 ألف طفل سوري لاجئ في لبنان لا يتلقون تعليما، إضافة إلى 93 ألفا آخرين في الأردن، و78 ألفا في تركيا، و26 ألفا في العراق ، وأربعة آلاف في مصر.

إلا أن مدرسة مؤقتة صغيرة بمخيم لاجئين قرب بلدة مجدل عنجر الحدودية بوادي البقاع شرق لبنان، تمنح بعض الأمل، فإلى جانب عشرين طفلا سوريا آخرين يقاوم أنس (13 عاما) الطقس البارد لحضور الفصل المقام في خيمة.

وهذه الخيمة هي منزل عائلة لاجئة تتحول إلى فصل دراسي لأربع ساعات يوميا في مخيم لاجئين غير رسمي أقيم على حقول ممتدة على طول الحدود السورية - اللبنانية. ولا يوجد بالفصل مكاتب ولا مقاعد ولا كتب ولا كراسات، مجرد أوراق وأقلام وربما بعض الأقلام الملونة تستخدمها شابتان - هما أيضا من اللاجئين - لتعليم أطفال تتراوح أعمارهم بين الخامسة والخامسة عشرة يدرسون القراءة والكتابة والحساب والرسم، وأيضا بعض الأغاني والأشعار.

كان أنس في الصف الرابع الابتدائي حين حوصرت مدينته حمص بوسط سوريا لنحو ثلاث سنوات.ثم اشتعلت النيران بالمدرسة وفر معلموه وكذلك فعل والداه وأشقاؤه الخمسة، الذين لم يحضر أي منهم فصلا دراسيا منذ ذلك الحين.

ويقول "في سوريا كانوا يقصفوننا ولذلك غادرنا وجئنا إلى هنا"، إلا أن معلمتيه بالمخيم تقولان إنهم بدأوا في تخطي بعض الصدمات التي واجهوها.

وتقول إحداهما، هنادي "عندما بدأنا مع الأطفال أدركنا أن أمامنا ميلا للعنف. فالأطفال لم يكونوا يرحبون بلقاء آخرين، وغيرهم كانوا يبكون باستمرار بسبب مخاوفهم، لكنهم الآن يدركون أنهم تخطوا ذلك وأصبحوا في وضع أفضل".

التحايل على الظروف

وهنادي واحدة من النساء اللاتي قررن العام الماضي تحويل خيمة العائلة إلى حجرة دراسة، وبمساعدة منظمة إنقاذ الطفولة الدولية الخيرية، يقدمن للأطفال نبذة عن الحياة التي كانوا سيعيشونها لولا الحرب.

وتقول "كنت أواجه موقفا صعبا لأن الأطفال كانوا يفقدون مستقبلهم ، ولم يكونوا يدرسون، ولم يكونوا يحضرون فصولا دراسية".

وقد وافقت على إجراء مقابلة صحفية معها بشرط الإعلان عن اسمها الأول فقط خشية تعرضها للتحرش من جانب السلطات.

أنس (13 عاما) واحد من بين مئات الآلاف من أطفال المدارس السوريين الذين لا يمكنهم الحصول على أي قدر من التعليم بسبب الدمار الناتج عن الحرب.

ولأن نهاية الحرب لا تبدو في الأفق فإن اللاجئين السوريين أصبحوا أكثر يأسا بشأن تلقي أبنائهم حتى مبادئ التعليم الأساسي، ويناشدون مديري المدارس ضمهم إلى المدارس الحكومية المكتظة بالفعل في لبنان، كما بدأوا في إرسالهم إلى فصول دراسية مؤقتة في خيام ومنازل، بل وأحيانا في مساجد.

مخاطر الوضع

وبالفعل يعد الأطفال الأكثر تضررا بالحرب الدائرة في سوريا. فوفق تقييم أجرته اليونيسف مؤخرا قتل ما يزيد على 10 آلاف طفل جراء العنف.

كما أصيب الآلاف، وشهد عشرات الآلاف منهم مقتل أفراد عائلاتهم وأصدقائهم.

كما فقدوا منازلهم ومدراسهم، وخلفت الصدمة جراء الحرب نحو مليوني طفل بحاجة إلى دعم أو علاج نفسي.

كما خلقت الحرب ملايين الأطفال بحاجة إلى تعليم فيما تتزايد آثار الصراع على أصغر ضحاياه.

من بين أطفال سوريا الذين يقترب عددهم من خمسة ملايين والذين كان من المفترض أن يكونوا جالسين في فصولهم الدراسية لايزال 2.3 مليون داخل الحدود السورية، يعانون من انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وقصف المدارس أو استخدام ما تبقى منها كملاجئ أو ثكنات عسكرية.

ويأتي ذلك بكل أسف عكسا لأحد الإنجازات الرئيسية التي حققتها سوريا قبل الحرب، ففي 2010، أي قبل اندلاع الحرب، كان تقريبا كل الأطفال في سن المدارس قد استكملوا تعليمهم الأساسي.

وتقول اليونيسيف إن من بين نحو 1.2 مليون طفل فروا من البلاد ويقيمون الآن في مخيمات لاجئين بأنحاء الشرق الأوسط لا يحضر نحو نصف مليون أو يزيد أي فصول دراسية.

قضية تعليم، أو انعدام تعليم الأطفال السوريين، هي الأكثر ضغطا في لبنان، حيث نما عدد السكان على مدار العام الماضي وحده بمقدار الثلثين بسبب التدفق الكثيف للاجئين، إذ فر أكثر من مليون سوري إلى لبنان الذي يبلغ تعداد سكانه 4.2 ملايين نسمة.

وبنهاية العام الماضي فاق عدد الأطفال السوريين في سن الدراسة - الذين يقدر عددهم حاليا بـ400 ألف - عدد زملائهم اللبنانيين بمائة ألف.

وحاليا يدرس نحو 45 ألف طفل سوري بالمدارس الحكومية اللبنانية، بحسب اليونيسيف، التي تتعاون مع وزارة التعليم اللبنانية لتحسين مستوى المدارس اللبنانية والمساعدة في دمج الأطفال السوريين في نظام التعليم اللبناني.

ويحضر 32 ألف طفل سوري آخر حصصا دراسية لمدة ساعتين ونصف بعد ظهر كل يوم لتعويض ما فقدوه من وقت دراسي ولتحسين لغاتهم الأجنبية الضرورية لتلقي علوم أخرى أساسية كالرياضيات والعلوم اللذين يدرسان بالإنجليزية والفرنسية في لبنان، وليس بالعربية.

وتقول عطاف عبد الصمد، مديرة مدرسة حكومية في بيروت، يحضر فصولها أطفال سوريون "الأطفال السوريون لديهم مشكلة مشتركة، وهي عدم الشعور بالأمان. جميعهم لا يشعر بالأمان، لكن عندما جمعناهم في مدارس، وعندما شعروا بالانتماء والحب، أحسوا بأننا نساندهم" ومن بين كل 259 طالباً بالمدرسة يوجد ثمانية وتسعون طالبا سوريا.