الخلاف السياسي يحرم دول "التعاون" من الغاز القطري الرخيص

الخلاف السياسي يحرم دول "التعاون" من الغاز القطري الرخيص

20 مارس 2014
قطر تملك ثالث احتياطي عالمي من الغاز (GETTY)
+ الخط -

كيف حرمت دول مجلس التعاون مواطنيها من الغاز القطري الرخيص، وتستورده الآن بأسعار باهظة من الخارج، قصة ترويها، بالارقام والحقائق، دراسة صدرت قبل يومين من جامعة "لندن سكول أوف ايكونومكس".
تقول الدراسة، التي أعدها الباحثان، جيم كرين ووالس اس ويلسون في معهد "بيكر لدراسات الطاقة" التابع لجامعة، رايس الاميركية، والبروفسور ستيفن رايت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر: "إن الخلافات السياسية، وخلافات أسعار الغاز حرمت مواطني دول التعاون الخمس، وهي السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ومملكة البحرين، من الحصول على الغاز الطبيعي القطري الرخيص، واضطرتها الى استيراده من الخارج". وربما تلجأ بعض هذه الدول الى ايران، التي تناصبها العداء لاستيراد الغاز الطبيعي مستقبلاً.

وفيما تواجه دول التعاون الخمس نقصاً كبيراً في الغاز الطبيعي على الرغم من أنها غنية بالنفط، تتمتع قطر بثروة غازية هائلة جعلت منها دولة استراتيجية في انتاج الغاز. وكان يمكن لهذه الدول بسهولة الحصول على الغاز القطري، وبسعر رخيص وتأمين إمدادتها على المدى الطويل، لو قدمت مصالح مواطنيها على الخلافات السياسية.
وتعد قطر صاحبة ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، حيث تملك نسبة 15% من احتياطات الغاز الطبيعي التقليدي عالمياً. وتأتي في الترتيب مباشرة بعد الولايات المتحدة وروسيا. كما تملك قطر ثاني أكبر منشآت للغاز الطبيعي المسيَل في العالم. وهي التجهيزات التي تجعل تسييل الغاز الطبيعي ونقله سهلا للاسواق العالمية.

تطرح الدراسة سؤالا مهماً، وهو لماذا ضيعت دول الخليج الخمس فرصة تلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي القطري الرخيص عبر إنشاء شبكة أنابيب للغاز الطبيعي تمتد عبر دول التعاون الخليجي الخمس، ونقله من قطر مثلما يحدث في باقي دول أوروبا ، بدلاً من استيراده من الخارج بسعر باهظ يقارب أضعاف ما عرضته قطر لسعر غازها؟ تقول الدراسة: "إن الاجابة عن هذا السؤال تنبع من عاملين رئيسيين وهما، عامل التسعير والخلافات السياسية والنزاعات الحدودية".

فعلى صعيد السعر، تقول الدراسة ان دول التعاون الخمس المحتاجة الى الغاز كانت غير راغبة في دفع السعر المعقول الذي طلبته قطر. وهو سعر لا يتعدى 1.5 دولار لمليون وحدة حرارة بريطانية مقارنة  بالسعر الذي تدفعه للغاز المسيَل الذي تستورده من الاسواق العالمية ويصل الآن الى قرابة 15 دولارا،ً وربما يرتفع الى أعلى من ذلك، إذا تطورت أزمة أوكرانيا الحالية وتوقف الامداد الروسي الى أوروبا.
وأشارت الدراسة الى أن قطر عرضت في بداية العقد الماضي سعراً منخفضاً جداً بالمقاييس العالمية، ولكن دول مجلس التعاون رفضت هذا السعر. وقالت: إن هذا السعر المنخفض إضافة الى النزاعات الحدودية بين باقي دول التعاون كان أحد الاسباب التي دعت قطر الى ترك السوق الاقليمي (سوق دول مجلس التعاون) والاتجاه الى السوق العالمي وبناء شراكات دولية مع شركات الطاقة في اليابان وأوروبا. وهو ما مكنها لاحقاً من انشاء أضخم مجمع صناعي لانتاج الغاز المسيل في العالم.

وقالت الدراسة "تمكنت قطر عبر هذه الشراكات من الحصول على عقود طويلة الاجل لمبيعات الغاز الطبيعي وبأسعار عالية، جعلت منها دولة ثرية في ظرف عقد واحد من الزمان يتمتع مواطنها بأعلى دخل في العالم". ثم حينما توسعت قطر في صناعة الغاز المسيَل أصبحت تبيع فوائض الغاز الطبيعي المسيَل، بعد تلبية العقود طويلة الاجل مع شركائها، في السوق الفورية العالمية للغاز.

يذكر أن سعر الغاز الطبيعي في الاسواق العالمية يرتبط صعوداً وهبوطاً بسعر النفط. ولكن ما يمنح، قطر، ميزة فريدة على بقية دول التعاون، أنها على الرغم من عضويتها في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"وتخضع لنظام الحصص النفطية، فإنها على صعيد الغاز الطبيعي غير مقيدة بحصص، وتنتج كما تريد، وبحرية تامة، من دون الخضوع لاية قيود عدا عمليات الجدوى الاقتصادية لانتاج الغاز الطبيعي وأسعاره الدولية.

وقالت الدراسة إن "النجاح الكبير، الذي حققته قطر في صناعة الغاز الطبيعي مكنها من الحصول على مستوى رفيع من النفوذ السياسي عالمياً، ومنه دعم أمنها القومي". وأشارت في هذا الصدد الى أن الشراكات الدولية التي نفذتها قطر مع دول رئيسية لتلبية احتياجاتها من الطاقة ولأجل طويل، ربطت مصالح قطر في الامن والاستقرار بمصالح هذه الدول.

وقالت الدراسة: إن الدول أصبحت صاحبة مصالح حقيقية في تأمين إمدادات دائمة من الغاز القطري. وقالت: إن هذه الشراكات لم تمنح قطر مكاسب مالية فحسب، ولكن سمحت لها كذلك بالحصول على النفوذ السياسي العالمي عبر حرص هذه الدول على الاستقرار في قطر. من هذا المنطلق قالت الدراسة: إن قطر ليست بحاجة حالياً الى بيع غازها الطبيعي بسعر رخيص الى دول التعاون، بقدر ما دول مجلس التعاون الاخرى بحاجة الى الغاز الطبيعي القطري.

وتطرح الدراسة كذلك الاسباب، التي أدت الى فشل تجربة أنبوب مد الغاز الطبيعي "أنبوب الدولفين" الذي أفتتح في العام 2007. تقول الدراسة في هذا الصعيد: إن أنبوب الغاز الطبيعي "الدولفين" الذي افتتح في العام 2007 الى دولة الامارات العربية المتحدة ثم مد لاحقاً الى سلطنة عمان يعد الجنين الاول لمد الغاز الطبيعي القطري الى كامل دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن هذه التجربة خنقت للخلافات السياسية والحدودية وثانياً: إصرار دول التعاون على الحصول على سعر ضئيل جداً للغاز القطري، لا يقارن بسعره في الاسواق العالمية.

وخط انبوب "الدولفين" أنشأ عبر شراكة تجارية بين مجموعة "مبادلة"، وهي هيئة سيادية تابعة لحكومة أبوظبي وبين شركتي، أوكسيدنتال، الاميركية وشركة، توتال، الفرنسية. وتملك مجموعة مبادلة الحصة الرئيسية في المشروع، فيما تملك الشركتان حصة أقلية. وتدير هذه الشركات الثلاث مشروع "الدولفين" وتشرف على عمليات نقل الغاز الطبيعي والصيانة. وبدأ الخط بطاقة نقل قدرها 33 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ولكن طاقته التشغيلية انخفضت الى 20 مليار قدم مكعب.

وينقل خط "الدولفين" حالياً 17 مليار قدم مكعب الى إمارة ابوظبي ودبي وملياري قدم مكعب الى سلطنة عمان. وقالت الدراسة كان يمكن لانبوب "الدولفين" أن يعمل بطاقته القصوى ولكن السعر الضئيل الذي عرضته الامارات العربية على قطر، جعل قطر تفضل بيع غازها بأضعافه في السوق العالمي. وبدأ سعر الغاز القطري الذي ينقل الى الامارات عبر هذا الخط بـ 1.25 دولار لمليون وحدة حرارة بريطانية، ليرتفع هذا السعر سنوياً بنسبة ضئيلة حتى وصل السعر 1.5 دولار في العام 2012. وكان يمكن لخط "الدولفين" أن يمتد عبر كامل دول مجلس التعاون ويكفي هذه الدول من متاعب استيراد الغاز الطبيعي المسيل بسعر باهظ، ثم كلف النقل واعادة التحويل الى الحالة الغازية، ولكن الخلافات السعرية ثم الحدودية وقفت عائقاً أمام نجاح خط "الدولفين".

حسب دراسة "لندن اسكول أوف ايكونوميكس" فإن خلافات الاسعار، وقتها كانت تدور حول رؤية مجلس التعاون لسعر الغاز القطري يقل عن دولار لمليون وحدة حرارية، في الوقت الذي وصلت فيه أسعار الغاز الى أضعاف ذلك في الاسواق العالمية. ثم إن هناك بعض دول التعاون التي منعت فكرة مد الخط عبر أراضيها الى دول أخرى في مجلس التعاون للخلافات الحدودية.

وقالت الدراسة "هكذا أجهضت فرصة استفادة مواطني دول التعاون من الحصول على الغاز القطري الرخيص". وتضطر دول التعاون حالياً الى استيراد الغاز الطبيعي من الخارج وبأسعار باهظة. ومثالاً على ذلك، فإن الكويت ودبي أتجهتا الى استيراد البترول من الخارج وبسعر يتراوح بين 11 الى 16 دولاراً . وهو سعر يعادل أضعاف سعر الغاز الذي تصدره قطر للامارات عبر  "خط الدولفين".

وفي عام 2011 الذي شهد أزمة غاز في دول الخليج، استوردت دبي 1.4 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي من الاسواق العالمية، فيما استوردت الكويت 3.2 مليار قدم مكعب . وأعلنت أبوظبي، أنها ستبدأ في استيراد الغاز من الاسواق العالمية في العام الجاري 2014. وهنالك خطط أن تستورد السعودية الغاز من الخارج، لأن إنتاجها المحلي، لا يكفي احتياجاتها حسب التصريحات الرسمية.

وتتزايد احتياجات دول التعاون، عدا قطر، للغاز الطبيعي لأسباب عدة، أولاً : تلبية احتياجات الكهرباء، وتحلية المياه، واستخدامه في حقن آبار البترول للحصول على إنتاج أعلى. وثانياً: الغاز الطبيعي مصدر الطاقة النظيفة، ويتوافق مع المعايير البيئية، التي تطالب بها المنظمات الدولية. وثالثا: تحتاج هذه الدول الى توفير النفط عبر استخدام الغاز الطبيعي حتى تتمكن من زيادة صادراتها النفطية، خاصة وأن معظمها يعتمد على مبيعات النفط في الدخل.

 

دلالات

المساهمون