الحكومة السودانية ومتاهة الحوار الوطني

05 سبتمبر 2014

حسن الترابي وعمر البشير معاً (27 يناير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

في الثامن من إبريل/نيسان من العام الماضي، وجه ممثلو كندا ودول في الاتحاد الأوروبي، كانوا مجتمعين في الدوحة، انتقادات غير مسبوقة، مباشرة وقاسية للحكومة السودانية. وكانت كلماتهم تمثل الجزء الأكثر إثارة في أعمال المؤتمر الدولي للمانحين لإعادة الإعمار والتنمية في إقليم دارفور. ثم جاءت الترجمة العملية للاجتماع أن خرج صفر اليدين، ولم يقدم أيَّ دعم يذكر من المانحين الأوروبيين للسودان كما كان مؤملاً. وما أتذكره من ذلك الاجتماع الذي شاركت في تغطية أحداثه أنه وضع شروطاً واضحة تضمنتها كلمة مندوب كندا، وتبنتها الدول الكبرى المشاركة "على الحكومة السودانية البدء بإطلاق حوار شامل يجمع كل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني، لمخاطبة مشكلات السودان بصورة شاملة، بما في ذلك دارفور، إذ ثبت عدم جدوى الحلول الجزئية". و"إن الصراع الجاري، الآن، في جنوب كردفان والنيل الأزرق أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان. وندعو جميع الأطراف إلى إطلاق مفاوضات بين الحكومة والفرقاء السياسيين، مبنية على الثقة، وعلى الخرطوم وقف العنف، وتنفيذ التزاماتها تجاه السلام والتنمية". ثم توّجت بكلماتٍ أكثر صراحة للحكومة السودانية بأنها "تقوم بإعاقة عملية السلام برفضها تسهيل مهمة المانحين والمنظمات الدولية والإنسانية". هذه الصورة في إجمالها أصبحت ركناً ثابتاً وشرطاً من شروط هذه الدول، لتقديم أي مساعدات مستقبلية للحكومة السودانية.

أسوق هذا الكلام للتذكير بأن الحكومة السودانية، وحزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، ظلا يتعاملان منذ ذلك الاجتماع مع الحوار الوطني في السودان، كقضية ومطلب خارجي، أكثر منه حاجة وطنية، باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى. وإذا كانت القوى السياسية السودانية المعارضة باتت تدرك، تماماً، أن الحاجة للتغيير قد تعدّت كونها مطلباً سياسياً، بل أصبحت ضرورةً ملحة لتجنيب السودان كارثةً تتقدم، وبسرعةٍ تفوق كثيراً الرغبة الباردة في إطلاق الحوار. هذا الغياب للشعور بعامل الوقت والزمن، يعكس حالةً من الوهم المسيطر على الصفوة الحاكمة في السودان، وهذه تجمل كل ما يجري من سوء إدارة وتدهور، شمل كل ركن في السودان، ومعه حالة الفساد السرطانية، بأنه كله ضرب من خيالات الحاقدين وقوى الشر التي تتربص بالحكم "الرشيد" في الخرطوم.

وعلى ذلك، تنظر الخرطوم إلى الحوار الذي أطلقته بحسابات خاصة، ومن زاوية ضيقة، باعتباره فرصة ذهبية تجمع المصابين من شطري المؤتمر الوطني والشعبي والتفريعات الناجمة عن تصدعات الحركة الإسلامية في السودان، للوقوف معاً أمام الحاقدين والمتربصين بحكم الإخوان المسلمين. والواقع يؤكد هذا، فإن الحكومة التي فتحت باب الحوار على مصراعيه، ليستوعب المؤتمر الشعبي ومتفرعات الحركة الإسلامية، هي الحكومة ذاتها التي لم تتردّد في مكافأة الصادق المهدي، أقوى وأطول الأيدي المعارضة التي امتدت مباركة خطوة الرئيس، عمر البشير، أن وضعته في غياهب السجن. وكانت تلك رسالة أولى وواضحة، مفادها أن هذا مصير كل من لم يقبل الدخول تحت العباءة الجديدة التي تريدها الحكومة غطاءً لحوارٍ، يعيد القديم ولا يضيف جديداً. وأكدت، مرة أخرى، على سوء نيةٍ مبيتٍ للمعارضين أن وضعت أحد أنشط القيادات المعارضة، إبراهيم الشيخ، رئيس حزب المؤتمر في السجن من دون أسباب واضحة. ثم كانت الرسالة الأبرز، وهي سجن مريم الصادق المهدي، نائبة رئيس حزب الأمة، فور عودتها من اجتماع في باريس مع قادة الجبهة الثورية المعارضة. وإذا ما أضفنا إلى كل هذه الخطوات المجافية لتوفير الجو المطلوب للإعلان عن الجدية وحسن النيات، بشأن الحوار تأييد حكمي الإعدام ضد مالك عقار وياسر عرمان، القياديين في الحركة الشعبية، قطاع الشمال، وأهم ممثلي طرف الحوار المسلح والرئيسي، فإن المحصلة صفر كبير للحوار.

واعتقادي الأكيد أن هذا الحوار لم يقصد منه سوى شيء واحد، هو حوار للمصالحة بين الشيخ حسن الترابي وتلاميذه وعودتهم إلى السيرة الأولى. وحدة مطلوبة للصفوة الحاكمة في الخرطوم، تفرضها متغيرات إقليمية أفرزتها، بشكل رئيسي، تداعيات الأحداث في مصر تحديداً. وحدة لن تفيد أياً من أطرافها، بل تزيدهم عزلة على عزلة، وتزيد من سخط الشارع الذي طحنه الفساد والفوارق التي تزداد اتساعاً بين شريحةٍ صغيرةٍ من أعضاء الحركة الإسلامية الذين تطاولوا في البنيان، وفجروا في الثراء، وتحولوا لكبار الملاك في السودان أمام مرأى غالبية ساحقةٍ من أهل السودان، طحنهم الفقر، كما لم يحدث من قبل. وربما هي وحدة للحركة، يريدها الترابي، أكثر من غيره، عله يستطيع تصحيح صورةٍ باتت جزءاً من صفحات سيئة الصيت لتاريخ دامٍ ومؤلم، عاشه السودان أيام الترابي في المرحلة الأولى لحكم جبهة الإنقاذ. ولكن، هيهات إذ لم يحدث أن عادت عجلة التاريخ إلى الوراء.

0CD72F94-2857-4257-B30C-7F645EA599D7
طارق الشيخ

كاتب وصحفي سوداني، دكتوراة من جامعة صوفيا، نشر مقالات وموضوعات صجفية عديدة في الصحافة العربية، يعمل في صحيفة الراية القطرية، عمل سابقاً رئيس تحرير ل "الميدان" الرياضي السودانية.