التوتر السياسي ينذر بتأزيم الأوضاع التونسية

التوتر السياسي ينذر بتأزيم الأوضاع التونسية

06 يوليو 2020
الطبوبي: تونس مقبلة على مرحلة صعبة جداً(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تصاعدت حدة التوتر في المشهد السياسي التونسي بشكل ينذر بأزمة كبيرة، خصوصاً مع أوضاع إقليمية غامضة، وظروف اقتصادية متجهة نحو مزيد الانكماش، وبالتالي تعكير الفضاء الاجتماعي.
ومع أزمة تضارب المصالح التي طاولت رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وخلافات عدد من الأحزاب مع الرئيس قيس سعيّد، وتصاعد الصراعات بين الكتل داخل البرلمان، وإضرابات الجنوب التونسي التي تهدد خزينة الدولة ومواردها واستقرارها في هذه المنطقة، وتواتر الإشاعات، برزت أزمة جديدة أقحمت نقابة العمال، اتحاد الشغل، في قلب هذا الصراع العام، الذي لم يترك فصيلاً سياسياً أو اجتماعياً إلا وجرّه إلى ساحة هذه الخلافات.
وأكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أنّ البلاد في أزمة حادة على كلّ المستويات، مندداً بالتجاذبات السياسية التي أرهقت الوضع. ووجّه الطبوبي رسالة إنذار، قائلاً ''نحن قادمون إلى باردو (مقر البرلمان) من أجل تعديل البوصلة حول الخيارات الوطنية''، معتبراً أنّ "المؤسسات السيادية لم تعد تحترم بعضها... وأنّ تونس مقبلة على مرحلة صعبة جداً على كلّ المستويات". وأوضح أن "موقف الاتحاد من مجلس نواب الشعب سيظل ثابتاً، والاتحاد عارض محاولات حل البرلمان الذي لا يمكن تغييره إلا بصناديق الاقتراع والآليات الديمقراطية".

الطبوبي: قادمون إلى باردو (مقر البرلمان) من أجل تعديل البوصلة حول الخيارات الوطنية

ويشهد الاتحاد معركة مباشرة مع "ائتلاف الكرامة"، بعد شبهة اعتداء نقابيين على قيادي من الائتلاف، وإيقافهم من قِبل القضاء في انتظار محاكمتهم. وأشار الطبوبي، في حوار تلفزيوني، إلى أن "هناك أطرافاً تتحكّم في القضاء التونسي، وأن هناك جزءاً من القضاء يخضع لضغوط سياسية"، وفق تعبيره.
ورداً على هذه الاتهامات، اعتبر رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر أن الاتهامات الواردة في خطاب الأمين العام للاتحاد للمجلس الأعلى للقضاء، بالتغطية على ملفات فساد في الجسم القضائي، مغالطات، ومحاولة للضغط على قضاة متعهدين بملفات. ونقلت وكالة الأنباء التونسية عن بوزاخر استنكاره لما جاء في خطاب الطبوبي، قائلاً "تضمّن الخطاب ازدراء واضحاً للقضاء لا يليق بمنظمة وطنية في حجم الاتحاد العام التونسي للشغل، بما احتوى من تزييف للحقائق... والدستور التونسي والقوانين الجاري العمل بها تُحجر (تمنع) التدخل في القضاء".

وعلى الرغم من محاولات الحد من هذه الصراعات المفتوحة، واجتماع الرؤساء الثلاثة، سعيّد وراشد الغنوشي والفخفاخ، ثم اجتماع الفخفاخ مع أحزاب ائتلافه الحكومي، لا يُتوقع أن يحصل تقدّم فعلي، خصوصاً بعد عملية التصويت التي أسقطت لائحة الحزب "الدستوري الحر" التي تصنّف جماعة "الإخوان المسلمين" تنظيماً إرهابياً، بعدما صوتت لها بعض أطراف هذا الائتلاف.
وأمام هذه الصراعات المعقدة، اعتبر المحلل السياسي، قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التوتر الحاصل هو نتيجة الوضع الحكومي، وتحديداً وضع رئيس الحكومة المُحرج، ليس من الناحية القانونية، لأنه يمكن أن يكون هناك مخرج له استناداً للفصل 20، وربما يواصل الفخفاخ رئاسة الحكومة، لكنها ستكون رئاسة ضعيفة ومرتهنة للأحزاب السياسية التي قد تؤثر في خياراته، مؤكداً أن الضربة المعنوية ستؤثر على الوضع العام وحتى على رئاسة الجمهورية. ورأى الغربي أنه من الناحية الأخلاقية السياسية فإن ملف الفخفاخ سيضعف من رمزية رئيس الجمهورية، لأنه هو الذي اختاره، على الرغم من محاولة شقيق رئيس الجمهورية، نوفل سعيّد، التعليق، في تدوينة له، أن الرئيس لا يتحمّل مسؤولية قانونية ودستورية.
وفيما يخص العلاقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، أوضح الغربي أن التوتر سيتواصل إلى أن يتم إيجاد صيغة لتحديد الصلاحيات بينهما، ونوع من التوافق، مبيناً أن الغنوشي، بحسب شخصيته، لن يكتفي بدور إداري كرئيس مجلس نواب، وإلى حد الآن لا توجد بصمة لسعيّد في المجال الدستوري وفي السياسة الخارجية، وهذا الفراغ يترك المجال لغيره للعب دور دبلوماسي، الغنوشي الآن وربما أحزاب وشخصيات سياسية مستقبلاً، وبالتالي الكرة في ملعب الرئيس لوضع حدود لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة.
وأفاد الغربي بأن "الأسباب العميقة للتوتر الحاصل بين الرئاستين هي أن الغنوشي اعتاد على شكل معين من الممارسة السياسية نظراً للعلاقات التي يملكها، ووجد مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي نوعاً من التوافق، غير موجود حالياً مع سعيّد، على الرغم من أنه لا اختلاف بينهما في العمق، فهما من المدرسة الأيديولوجية المحافظة نفسها ولديهما الخيارات الاجتماعية نفسها، لكن الخلاف في الصلاحيات السياسية وحول من يحكم". وحول التصعيد الحاصل من قبل اتحاد الشغل، اعتبر المحلل السياسي أن الاتحاد يشعر بأن هناك حملة ممنهجة ضده انطلقت من "ائتلاف الكرامة"، والاتحاد يشعر أن "النهضة" وراءه، وحتى "قلب تونس" انخرط في اللعبة في محاولة لتحجيم الاتحاد، وهذا خطأ كبير، لأن الاتحاد تاريخياً وواقعاً يلعب دوراً مهماً، وبالتالي فإن تونس تحتاج إلى اتحاد الشغل وإلى منظمات المجتمع المدني.
ولفت إلى أن الوضع في تونس لا يحتمل انتظار تشكيل حكومة جديدة ونقاشاً جديداً حول الشخصية الأقدر، لكن لو ثبتت الاتهامات على الفخفاخ حينها يوجد احتمالان، إما استقالة الحكومة ويختار رئيس الجمهورية شخصية جديدة، أو يُقال الفخفاخ والجهة التي تقيله، أي البرلمان، تبحث عن شخصية أخرى. وبالتالي، إذا ثبتت الإدانة فسيكون ذلك محل صراع بين البرلمان ورئاسة الجمهورية.
من جهته، أكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التوتر في الحقيقة موجود بين كل القوى إلى درجة أنه يصعب ضبط خطوط جبهات، وحتى أن هناك أطرافاً من المفروض أنها متحالفة في الحكومة والبرلمان، لكنها متصارعة سياسياً، مضيفاً أن الشيء نفسه قائم بين مؤسسات الدولة والرئاسات الثلاث، أي بين رئيسي البرلمان والجمهورية، وهناك صراع هادئ بين رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، مشيراً إلى أن اتحاد الشغل برز على الخط أخيراً والتوتر ظهر بين بعض الأحزاب البرلمانية. وأضاف منصر أن الوضع صعب، ويبدو أنه لا إمكانية لحله إلا بالتهدئة، مشيراً إلى أن الأزمة ناتجة عن المشهد الانتخابي والتعثر في تشكيل الحكومة الأولى، وصعوبة ولادة الحكومة الثانية التي كانت حكومة الاضطرار، ونتج عن ذلك تحالف حكومي غير مطابق مع التحالف البرلماني، ما أدى إلى وضع مفتت ومشتت. ويبدو أنه لا إمكانية للحل بطريقة جدية. وأضاف "ربما إذا تمت إعادة الانتخابات التشريعية فقد يتم إنتاج مشهد جديد، أو على الأقل تهذيب المشهد الحالي".

منصر: الخروج من الوضع الراهن لن يكون إلا بإعادة الانتخابات


ورأى أن استمرار هذا المشهد أصبح مستحيلاً، خصوصاً أن البلاد تواجه تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد والأعمال، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 300 ألف تونسي سيفقدون عملهم، ما يعني ارتفاع نسبة البطالة إلى 21 في المائة، وهذه بطالة رسمية من دون اعتبار البطالة غير المعلنة. وأكد أن هذا الوضع ينذر بكارثة، ويفترض أن الطبقة السياسية تحل المشاكل، لكن يبدو أنها تزيدها. ولفت إلى أن الخروج من الوضع الراهن لن يكون إلا بإعادة الانتخابات، ربما في محاولة لإنتاج برلمان وحكومة جديدين أكثر استقراراً، إلا أن هناك إشكالات أهمها القانون الانتخابي، فالبرلمان الحالي عاجز عن تحوير القانون الانتخابي، وبالتالي فهناك مأزق.