الأسد في المزاد العلني

الأسد في المزاد العلني

21 اغسطس 2015

هل يبيع بوتين الأسد؟ (Getty)

+ الخط -
النظام الدموي في سورية، ومن خلال إصراره على إنكار الثورة الشعبية السورية بأطيافها القومية والدينية كافة، ومطالبها المشروعة في الحرية الكرامة والتعددية الديمقراطية، واختزال ما جرى ويجري بالمؤامرة ومحاربة الإرهاب، على الرغم من أن الإرهاب المنظم هو من يولّد الإرهاب الفوضوي، لجأ إلى الرد الأمني العسكري الوحشي والعنيف على الشعب، حتى وصل إلى حدود من الدموية غير المسبوقة، وكذلك تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجباته، في إيجاد حل لهذه القضية العادلة قد أطال عمر الصراع، وسمح للنظام الأسدي، حتى باستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، وكانت هناك مباركة دولية لدخول المليشيات الشيعية من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وكتائب فيلق بدر وفضل العباس العراقية. وفي المقابل، فتح النظام الأسدي أبواب سورية على مصراعيه لدخول الإرهابيين وجذبهم من كل العالم، بالتنسيق مع مراكز المافيات العالمية ومركز مدينة قم الإيرانية باسم المجاهدين الذين شوهوا الدين، وكفروا العباد، ليقول إن ثورة الشعب السوري كانت طائفية ومذهبية.
هل يمكن أن تعلن إيران بشكل علني احتلالها سورية، ربما بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع الغرب والإفراج عن أموال إيران المجمدة قد تزيد تعاون الملالي مع نظام بشار الأسد وحزب الله اللبناني أكثر، وتعلن احتلالها سورية، بالاتفاق الأميركي الغربي علناً، لأن ما يجري أن قوات إيران وحزب الله هي التي تحارب الثوار، والقيادات العسكرية الإيرانية هي التي تتفاوض في الجبهات في أغلب المعارك، لأن النظام الأسدي فقد القدرة على الأرض، وعلى ما يبدو، الغرب متمسك بوجود بشار أكثر من إيران. ولكن، تريد دعمه من خلال فلتان يد الملالي في المنطقة، في مقابل الحفاظ على أمن الإسرائيلي واستقراره.
ولكن، في ظل الصراع الصفري بين محور بقيادة إيران وتحالف تقوده السعودية، من الصعب أن نرى كيف يمكن لاتفاق نووي أن يغير ديناميكيات الصراع السوري، وعلى الرغم من أن الدول الإقليمية والعالمية الفاعلة في المسرح السوري تؤيد، بالكلام فقط، الحاجة إلى حل سياسي في سورية، إلا أن أيا منها ليست على استعداد للتخلي عن مواقفها. وعلى أي حال، لا يسير كل شيء على ما يرام بالنسبة لنظام الملالي في سورية، فإن طهران تواجه حالة كلاسيكية من توسع حجم المهمة، فاضطرت إلى تخصيص موارد عسكرية ومالية إضافية في سورية، وسقطت في المستنقع السوري، ولا تمتلك أي استراتيجية واضحة للخروج.
ويبدو أن كل التحركات الإيرانية، أخيراً، ليست للحفاظ على بشار، وإنما للحفاظ على مصالحها في المنطقة، وأن لا تخرج خاسرة من المعركة.

يعود الدعم الروسي لسورية إلى عام 1950، خلال ذروة الحرب الباردة، ومنذ بداية إعلان النظام الأسدي الحرب على الشعب السوري في عام 2011، منحت روسيا الأسلحة والوقود والمساعدات المالية للأسد، واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن أربع مرات لحماية الرئيس بشار الأسد من قرارات تدعو إلى تحرك دولي ضده، وكان موقفها حازما ضد التدخل الخارجي في سورية. ولكن روسيا لا يهمها الأسد، بقدر ما تهمها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، والتاريخ الروسي معروف ببيع الأصدقاء قبل الأعداء. وربما يبيع بوتين الأسد بأي صفقة تجارية مع الدول العربية الأخرى، وهذا ما لوحظ، أخيراً، بعد الاجتماع في روسيا، الشهر الماضي، بين بوتين وولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع محمد بن سلمان، عندما عقدت المملكة احتمال استثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في روسيا. ومن جهة أخرى، طلبت الرياض مساعدة موسكو في ما يخص تطوير برنامجها النووي، وذكرت وكالة روسيا الدولية النووية (روسيا توم) أنه تم توقيع اتفاق معها في مشاريع مشتركة، ويمكن للعلاقات أن تتحسن مع الرياض بفتح صفقات الأسلحة الروسية التي كانت معلقة أكثر من عام، وتشمل بيع أسلحة بقيمة 3،5 مليارات دولار لمصر التي تعتمد على الرياض في تمويلها بعمليات شراء الأسلحة، كما يمكن تحسين العلاقات بتحفيز المملكة لدعم مفاوضات جديدة بين المعارضة والنظام، حسب مبادئ جنيف 1، لكن الرياض، وحسب كل التصريحات، غير مستعدة للتنازل عن أي شيء أقل من تنحي الرئيس الأسد.
بعد انسداد الأفق أمام الثورة السورية، ودخول المليشيات إلى سورية، من كل حدب وصوب، وتخاذل المجتمع الدولي الذي جعل من سورية صفقات في بازارت إقليمية ودولية، بات المستقبل السوري مرشحا للتطور، وفق سيناريوهات ثلاثة، تتراوح بين الأفضل والأسوأ والأقل سوءاً، على النحو التالي:
الأول، السيناريو الأفضل، وهو السيناريو الديمقراطي، ومنه يواصل قطار الثورة مسيرته إلى أن تتحقق الديمقراطية التعددية من خلال الاعتراف بحقوق جميع المكونات القومية والدينية في العيش المشترك من خلال دستور يضمن الحقوق والواجبات. وحالياً، لا يوجد هذا السيناريو في الأفق القريب.
الثاني، السيناريو الأسوأ، سيناريو التفتيت، حيث تصبح الثورة، وفقاً لهذا السيناريو، مرشحة للدخول في فوضى شاملة، يعلو فيها صوت المطالب الفئوية وتغلب المصالح الطائفية والقومجية الضيقة والقبلية والعشائرية على المصالح الوطنية والقومية الأوسع في ظل غياب قوى قادرة على المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي والفسيفساء القومي والديني الجميل، وهو ما قد يفتح الباب أمام تفتت الدولة السورية التي كانت، بالأساس، مغتصبة من عصابات المافيوية الأسدية، إلى دويلات صغيرة تقوم على أسس مذهبية وطائفية، وهذا هو السيناريو الذي تسعى إليه دول كبرى كثيرة، من خلال برنامج الفوضى الخلاقة في المنطقة، للحفاظ على أمن مصالحها واستقرارها.
الثالث، السيناريو الأقل سوءاً، هو سيناريو الديمقراطية الناقصة أو غير المكتملة، والتي تسعى إليها دول إقليمية كثيرة، مثل مصر وروسيا وإيران، ويدخل الاتفاق، أخيراً، بين هيئة التنسيق و"الائتلاف"، وكذا التحرك الروسي الإيراني، في هذا الإطار، لأن دولاً كثيرة داعمة للنظام باتت مقتنعة بأن النظام لا يمكن أن يستمر بهذه العنجهية والإجرام. لذلك، تحاول هذه الدول، وبالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، العثور على نظام بديل للنظام المنهار، تلتزم بالمحافظة على مصالحها الاستراتيجية في سورية والمنطقة.

8829B9E8-34BE-4121-BEB3-AB6533784986
محمد محمود

من مواليد 1995، محام، سبق له الكتابة بعدة صحف ومواقع منها العربي الجديد وكسرة وزائد 18 واليوم الجديد وبوابة يناير.