الأردن... في انتظار هيكل

الأردن... في انتظار هيكل

05 يونيو 2014
سقط في الحرب 589 شهيداً أردنياً (العربي الجديد)
+ الخط -

في الخامس من يونيو/ حزيران الجاري، تكون قد مضت على غياب هيكل، سبعة وأربعون عاماً، ومثلها في انتظار عودة لن تتحقق. كان جندياً برتبة ملازم أول، ومرشحاً لرتبة نقيب، وكانت الحرب أيضاً، حرب حزيران أو حرب الايام الستة، حرب العام 1967، التي التحق بها في يومها الأول، بعدما ودّع عائلته من دون أن يخبرها بوجهته، وودّع خطيبته التي كانت تتحضّر للزواج المرتقب. هو هيكل منصور تركي الزبن، إبن الرابعة والعشرين، يومها. فجراً، ركب سيارة " الفولز فاغن"، وانطلق برفقة زميلة له في الجيش، إلى جسر الملك حسين للالتحاق بجبهة القتال، مخلّفاً وراءه في قريته، منجا القريبة من مدينة مادبا (33 كيلومتراً جنوب عمان)، دويّ صوت السيارة، ذهاباً من دون الإياب.

التحق قائداً للسرية الثانية المرابطة في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، حيث كانت المعركة مستعرة، وهناك اكتشف مع كل ثانية أن النصر مستحيل، وأن تقدم الجيش الإسرائيلي لن تلجمه قوات الجيش الأردني المهترئة، فعزّى النفس بالصمود.

هو "العَبوس" الذي لم يبتسم إلا في وجه والدته التي ماتت في انتظاره، ولم يسلّم بالهزيمة، ولم يؤثر الهرب، كقادة آخرين رأوا فيه طوق النجاة الوحيد، فآثر، وهو القائد، التقدم محاولاً إحداث ثغرة في صفوف العدو، آمراً جنوده باللحاق به إذا نجح، أو الالتحاق بقيادة السرية الأولى عند الفشل، وكان الأمر الثاني.

قِيل إنه استُشهد بعد تعرضه للقصف، وقيل إنه أُسر حيث شوهد يقف ويمشي، لكن الثابت أنه لم يعد، وعاد الجنود يجرّون أذيال النكسة، ويروون رواياتهم عن الهزيمة، التي رغم كل البطولات التي نُسجت حولها، انتهت بسقوط الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية، وضياع القدس أو كان قد ما تبقى منها في يد العرب.

سقط في الحرب 589 شهيداً أردنياً، بحسب ما تحصي القوات المسلحة الأردنية، من بينهم هيكل الذي أُعلن استشهاده بعد انقضاء عامين على فقدانه، فكان الشهيد بلا قبر ولا جثة، وكان الحي في قلب الأم التي قررت ألا يحمل أحد اسمه، حتى تيبان مصيره، شهيداً بقبر أو أسيراً خلف القضبان، وهو ما تلتزم به أسرته حتى بعد وفاة الأم في 28 فبراير/ شباط 2000.

انتهت الحرب، وحل السلام بين الأردن وإسرائيل في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994، ولم يعد هيكل، ولم يُعرف مصيره، وسقط ملف الأسرى والمفقودين عن جدول أعمال المتفاوضين الذين توصلوا إلى معاهدة السلام.

لو كان حياً، لكان عمره اليوم 71 عاماً، ولو كان شهيداً، لكان حمل اسمه آخرون من أبناء العائلة، لكنه معلّق في الغياب، وهم معلّقون في الانتظار.

المساهمون