استنفار أمني إسرائيلي خشية المصالحة الفلسطينية

25 ابريل 2014
بدء العد التنازلي لاشتعال النار في المناطق المحتلة (Getty)
+ الخط -

لا تخفي إسرائيل خشيتها من تداعيات المصالحة الفلسطينية عليها، ولا سيما في ما يتعلق بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية للاحتلال وأجهزة السلطة.

ضمن هذا السياق، انطلق المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أليكس فيشمان، اليوم الجمعة، في حديثه عن الاستعدادات الإسرائيلية الأمنية لمواجهة سيناريوهات ما بعد المصالحة، من التقديرات الإسرائيلية التي تعتبر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإن كان معنيًا بتشكيل حكومة تكنوقراط، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنه سيمضي إلى إجراء انتخابات بعد نصف سنة. ومرد هذا الاعتقاد أن تشكيل الحكومة يتيح لعباس الوصول إلى الاجتماع السنوي للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل، ممثلاً عن الفلسطينيين كافة.

ورأى فيشمان أن هذه الخطوة ترافقها منذ اللحظة الحالية خطوات واستعدادات في أجهزة الأمن الإسرائيلية لمواجهة الواقع الذي قد يتغير بفعل المصالحة. ويأتي في مقدمة هذه الخطوات تحميل عباس، من الآن فصاعداً، المسؤولية الكاملة عن كل عملية، أو إطلاق صاروخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. وهو ما يعني عملياً كسر قواعد اللعبة من كلا الطرفين.

ويرصد فيشمان النجاحات الأخيرة التي يحققها عباس، مقابل "السلبية" والخمول الإسرائيليين، بدءاً من التوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الانضمام لـ15 اتفاقية وصولاً إلى توقيع اتفاق المصالحة مع حركة "حماس".

كذلك يرصد فيشمان تقديرات وأصوات خرجت من قطاع غزة، اعتبرت أن هذه الوحدة وهذا العرس ليس عرساً في الواقع، بقدر ما هو انتهاز السلطة الفلسطينية للوضع الصعب الذي تعيشه "حماس"، من جهة والاستجابة لمطالب الجمهور الفلسطيني من جهة ثانية.

ولفت فيشمان في تحليله إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا تعتقد بأن اتفاق المصالحة سيعطي ثماراً ما، لكنها تحذر من أن عباس "يلعب بالنار".

ووفقاً لتقديرات الأجهزة، فإنه حتى لو كان التغيير في طبيعة العلاقات بين "حماس" و"فتح" هو مجرد "عرض مخادع" يهدف لتحقيق مكاسب تكتيكية، إلا أن الرسالة التي يبعثها للميدان الفلسطيني هي رسالة مقلقة.

وبحسب فيشمان، لن يكون بمقدور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية العمل ضد "حماس" والجهاد الإسلامي في ظل أجواء المصالحة الوطنية.
وعلى الرغم من أن هناك أصواتاً ترتفع في غزة، وتقول إن كل هذا الحديث هو مجرد رتوش، لكن في حال تم فعلاً تطبيق ملف الحريات المدنية، فإن ذلك يعني، ولو جزئياً، تغييراً في العلاقات الأمنية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تغييراً كلياً.

ويرى فيشمان أن إسرائيل ستفقد أحد أدوات الحكم الأكثر أهمية التي توفرت لها في الضفة الغربية، أي التنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية. لذلك فإن أجهزة الأمن الإسرائيلية لا تعول، وفقاً لفيشمان، "على أجهزة الأمن الفلسطينية في كل ما يتعلق "بمكافحة الإرهاب"".

لكن الـ40 ألف عنصر العاملين في أجهزة الأمن الفلسطينية، على أنواعها وتشكيلاتها المختلفة يعملون قبالة السكان الفلسطينيين في المحافظة على النظام العام ومنع الاحتكاك عند الحواجز العسكرية، ومع المستوطنات.

ويحتفظ الجيش الإسرائيلي بتنسيق أمني مع هذه الأجهزة خلال عمليات مداهمات وحملات اعتقال في القرى والمدن الفلسطينية.
وعملت هذه الأجهزة ونشطت لكبح ومحاصرة نمو القوة السياسية لحركة "حماس" في الضفة الغربية ووقف عمليات نقل الأموال لـ"حماس" والجهاد الإسلامي.

وكانت هناك مصلحة مشتركة للطرفين (الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية) بمنع عودة "حماس" إلى مواقع القوة في الضفة الغربية؛ إذ سعى عباس للمحافظة على نظامه وسعت إسرائيل إلى ضمان الهدوء الأمني.

وبحسب فيشمان، فقد رصدت الأجهزة الإسرائيلية، منذ فترة، نوعاً من التراخي في "عمل ونشاط وسيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مواجهة عناصر المعارضة الفلسطينية".

فقد نقلت إسرائيل للأجهزة الأمنية الفلسطينية قائمة بأسماء مطاردين من سلطات الاحتلال، يعيشون في مخيم جنين، إلا أن الطرف الفلسطيني ظل "مكتوف اليدين"، ما دفع بقوات الجيش الإسرائيلي إلى اقتحام المخيم لاعتقالهم ونشوب المواجهات التي أسفرت عن مقتل المطاردين الفلسطينيين الثلاثة وعلى رأسهم الشهيد حمزة أبو الهيجا، الذي كانت السلطة الفلسطينية تعرفه لكنها لم تقم باعتقاله.

لكن أهم ما يشغل بال إسرائيل ويقلقها من المصالحة هو أن تطلب "حماس"، في سياق المصالحة، أن يتم ضم عناصرها وأفرادها لأجهزة الأمن الفلسطينية الرسمية، مع أن هناك آلية فلسطينية لا تمكّن حالياً عناصر "حماس" من الانضمام لهذه الأجهزة، ولا سيما قوات "دايتون" التي بناها الأميركيون وأجهزة الأمن الوقائي المختلفة.

وأقرّ فيشمان بحيوية العلاقة القائمة بين أجهزة الأمن الإسرائيلية وبين الأجهزة الفلسطينية. إلا أنه يرى أن الأجواء الجديدة التي ستسود بين عناصر السلطة وعناصر "حماس" ستلزم إسرائيل بالتعامل مع هذه الأجهزة بشكل مغاير كلياً عما كان لغاية الآن، ولا سيما بالنسبة لكل ما يتعلق بالمحافظة على "النظام العام". والأخير مصطلح إسرائيلي يقصد به منع التظاهرات ومنع مهاجمة المستوطنات في الضفة الغربية أو مهاجمة الحواجز العسكرية لجيش الاحتلال.

ووفقاً لفيشمان، فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، تعرف بشكل أفضل من إسرائيل شبكة عناصر وأنصار حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي. واعتبر أن عناصر الأجهزة الفلسطينية يجيدون "معالجة البنى التحتية للإرهاب" بشكل أفضل.
كما أن هذه الأجهزة أعفت إسرائيل، تحت ستار التنسيق الأمني من معالجة ومواجهة العنف الجماهيري والشعبي، وبالتالي فإن الوضع الجديد سيلزم إسرائيل بتوسيع نطاق نشاطها الميداني لمواجهة التظاهرات واستعراض قوة أكبر في نقاط الاحتكاك، مثل الخليل وحول المستوطنات وبجوارها.

إلى ذلك، فإن المصالحة ستؤدي وفقاً للاعتقاد الإسرائيلي إلى رفع الرقابة عن المساجد. وهو ما سيزيد من "موجات التحريض" في المساجد ويعزز قوة "حماس" مجدداً.
وقد تكبر الانتفاضة الشعبية القادمة، التي يطلق عليها عباس مصطلح المقاومة الشعبية، ويتسع نطاقها لحجم أكبر بكثير مما عهدناه.
وبالنسبة لفيشمان، "لقد بدأ عملياً العد التنازلي لاشتعال النار" في المناطق المحتلة.

المساهمون