إيران وأوراق خليجية بلا فاعلية

16 يونيو 2014
+ الخط -
تكشف سهولة تلاعب إيران بمنطقة الشرق الأوسط، مقابل ارتباك دول الخليج العربي، مدى ضعف الاستراتيجية الخليجية تجاه إيران، بل تكشف ما هو أبعد من ذلك بكثير، أي ضعف استثمار المزايا الاستراتيجية أوراق القوة التي تمتلكها تلك الدول، حتى يمكن القول إن تلك الأوراق لم يجر تفعيلها بعد، وهي مرحلة ما قبل الاستثمار بكثير.

ثمّة ما يجعل في الأمر مفارقة مثيرة، هي أن إيران باتت تشكل، وبالحساب الكمي، أكثر من نصف المشكلات التي تعانيها دول الخليج، سواء على المستوى الاستراتيجي، في ما يتعلق بمكانة دول الخليج ودورها المستقبلي، أو على المستوى الاجتماعي، عبر تحديات تفرضها، بمحاولتها تمزيق الهوية الوطنية لشعوب الخليج، وهو ما مارسته في كل من سورية والعراق واليمن والبحرين.

والمفارقة، أيضاً، أنه، منذ الأيام الأولى لثورة الخميني، قبل أكثر من ثلاثة عقود، كان واضحاً وجود استراتيجية إيرانية هجومية تجاه الجوار، تتمثل بتصدير الثورة، ثم تحولت إلى محاولات للهيمنة على دول الخليج، بشكل علني وشفاف، حتى أن الجزء الأكبر من الفاعلية الإيرانية، سواء ما تعلق بتحركاتها الميدانية في المنطقة، أو بعلاقاتها مع الخارج، وسواء اتخذت طابع الصراع السياسي أو التفاوضي، يقوم على هذا الهدف بالتحديد. وعلى الرغم من ذلك، لم تقم دول الخليج بصياغة استراتيجية مضادة لمواجهتها، وبقيت السياسات الخليجية ترتكز على تكتيكات قصيرة المدى، تقوم على تحريض الغرب على إيران، من دون تدعيم هذه السياسة بركائز تجعل مصلحة الغرب تسير في هذا السياق.

المفارقة أيضاً، أن إيران، بحسابات القوة، تعدّ طرفاً ضعيفاً، وينطوي على ثغر كثيرة في خريطتها الاجتماعية وواقعها الاقتصادي، وليس صعباً اختراقها من تلك الثغر، إذا جرى استخدام استراتيجية مواجهة حقيقية، لكن الغريب أن إيران دفعت دول الخليج إلى أحد خيارين، استمرار السكوت عن سياساتها العدائية أو التفاوض معها من رصيد أوراقها هي، إذ لا أوراق تملكها دول الخليج في مواجهة طهران، ولم تبن دول الخليج حقلاً تفاوضياً في مواجهة إيران، وليس لديها خيارات كثيرة، ولا خطة استراتيجية صلبة، ولا تكتيكات واضحة!
تدفع سورية والعراق ولبنان ثمن الضعف الخليجي، فعدا أن جزءاً كبيراً مما أصابهما كان هدفه تطويق الخليج وإضعافه، فإن قناعة إيران بعدم وجود ظهير حقيقي لهذه البلاد دفعها إلى التنكيل بها إلى أبعد الحدود، ولم يستطع الخليج تشكيل شبكة أمان لها، في مواجهة الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من إيران، وقد أحدثت هذه السلبية الخليجية مقابل الاندفاع  الإيراني نوعاً من البلبلة والتشويش لدى عرب كثيرين، ذلك أن سياسات دول الخليج لم تمنحهم كثيراً من الثقة بإمكانية القيام بعمل حاسم وفاعل، وقد كشفت الأزمة السورية قلة الحيلة الخليجية، وضعف فاعليتها على مستوى النظام الدولي.

يدفع هذا الأمر إلى السؤال عن حقيقة أولويات سياسة الدول الخليجية؟ فمن نافل القول أن الاستقرار السياسي، بما يعنيه حماية السلطة، هو الهدف الأسمى لدى أي نظام، أو جماعة سياسية. وفي إطار هذا الفهم، تبدو واضحة مساعي بعض دول الخليج في مواجهة الإسلام السياسي الذي تعتبره العدو الأول، أو الأكثر خطراً في الوقت الحالي. لذا، كان واضحاً التركيز على إقصاء الإسلاميين من حكم مصر، وملاحقتهم في ليبيا. لكن، ماذا عن الأخطار الأخرى التي تشكل إيران جزءاً كبيراً منها؟ لا شك في أن ذلك يعكس مدى الخطأ الحاصل في ترتيب الأولويات، بحيث تتأخر الأخطار الاستراتيجية إلى درجة متدنية في سلم الأولويات، في مقابل اهتمامات ذات علاقة بالسلطة، وممارستها والحفاظ عليها!

الفرق بين إيران والخليج، في هذا المجال، يكمن في وجود انسجام بين توجهات إيران والإسلام السياسي الذي تدعمه، في حين لم تصل دول الخليج بعد إلى إيجاد تسوية معينة لهذه المسألة، ليس مطلوباً من الخليج شراء مكونات بحالها، ولا رشوة شخصيات بعينها، كان من المفترض أن توجد دول الخليج قواسم مشتركة مع تلك المكونات، على صعيد المصير والمصلحة.

حتى على صعيد العلاقات الدولية، وخصوصاً مع الغرب، لم يتم استثمار الأموال في إطار اللعبة السياسية، حيث لا يوجد كتلة مؤيدين في دوائر صنع القرار الغربية توازي ثقل المال الخليجي في اقتصاديات تلك الدول، وهي حالة غير سوية في مفهوم العلاقات الدولية في الزمن المعاصر، وتشكل علامة استفهام حول ما إذا كان واضعو الاستراتيجيات في دول الخليج، مدركين لهذه الإشكالية في سياستهم! وخصوصاً أن بلادهم باتت بحاجة ماسة لتفعيل هذه الأوراق، في ظل تعرضهم لخطر مصيري يهددهم.

في دمشق اليوم، يجري الحديث عن اجتياح إيراني منظم، بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية للمدينة، عبر شراء العقارات والأراضي، وتتحدث مصادر عن رصد إيران مبلغاً يساوي أربعة مليارات دولار لإنجاز هذه المهمة. وفي فترة سابقة، وتحديداً بعد الأزمة المالية العالمية، اتجهت رؤوس أموال خليجية كثيرة صوب سورية، وتحديداً إلى سوق العقار، وكان حينها النظام غارقاً في الفساد، ويشارك القصر بنصيب من عمليات البيع والشراء، لكن المشكلة أن العملية لم تكن منظمة، ولم تكن لها أهداف سياسية واجتماعية، وكان من الممكن صناعة طبقة من رجال الأعمال موالية للخليج، وكانت ستكون رصيداً مهما في الأحداث التالية.

المؤسف أن المال الخليجي، على الرغم من وفرته، وعلى الرغم من وجود العقول الاستراتيجية في دول الخليج العربي، إلا أن ذلك لم يترجم بإيجاد معادل موضوعي من القوة التي تجعل دول الخليج ذات فعل وأثر واضحين في السياستين الإقليمية والدولية.
5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".