إسلام آباد و"طالبان": الطريق الصعب نحو السلام

إسلام آباد و"طالبان": الطريق الصعب نحو السلام

11 فبراير 2014
+ الخط -

بموازاة مفاوضات السلام "السرية" بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان ــ أفغانستان"، انطلقت منذ أيام جولة جديدة من محادثات السلام بين الحكومة الباكستانية و"طالبان ــ باكستان". مساران لا يمكن فصلهما، ومرتبطان بكل تأكيد بالانسحاب الأميركي المتوقع هذا العام من أفغانستان، وبالاتفاقية الأمنية بين واشنطن وكابول، التي لم تُحسم فصولها بعد.

وإن كان الغرض من المفاوضات الأفغانية هو التوصل الى سلام، بعيداً عن التدخل الأميركي، أو على الأقل هذا ما يظهره الرئيس حميد قرضاي، فإن المفاوضات الباكستانية هي جولة جديدة من مسار مفاوضات لم يتوقف منذ بداية الحرب في عام 2001. ولطالما انتهى باتفاق سلام لم يصمد طويلاً، أعقبته عملية عسكرية واسعة النطاق في المنطقة القبلية في الشمال الغربي.

الجديد فيها أنها تأتي بعد انتخابات برلمانية أنتجت حكومة إسلامية الهوى بقيادة نواز شريف، تؤيد السلام مع "طالبان"، وتعارض الضربات الأميركية التي حصدت آلاف الأرواح في المنطقة القبلية بحجة "مكافحة الإرهاب"، وتصفية قادة تنظيم "القاعدة" وحليفته "طالبان". هي أيضاً استئناف لمفاوضات كانت قد بدأتها الحكومة منذ تشكيلها، قبل أن تتوقف بسبب تدخل الحليف الأميركي واصطياده رأساً جديداً للحركة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. كان الضحية هذه المرة قائدها حكيم الله محسود، الذي كان قد خلف قريبه بيت الله محسود في عام 2009، بعدما قضى في ضربة مماثلة، استمتع الرئيس باراك أوباما في مشاهدتها مباشرة، وأعطى الأمر بتنفيذها من غرفة العمليات في البيت الأبيض. وقد خَلَف محسود، الرجل الطالباني النافذ، مولانا فضل الله.

وبدأت حكومة نواز شريف عملية الحوار مع "طالبان"، بعدما منحها البرلمان، الذي يمثل مختلف الأحزاب السياسية، تفويضاً بذلك، وكلّفها بتبني سياسة السلام، بغرض إنهاء نزاع بدأ منذ 2001، تاريخ انطلاق الحرب على الإرهاب، وقتل أكثر من 40 ألف باكستاني. غير أن الحركة طرحت مطالب "تعجيزية"، وهو ما يضع عقبات أمام طريق طويل لا يلوح نور في أفقه حتى الساعة.

وبحسب تقارير صحافية، فإن مجلس شورى "طالبان" قد بلور مسودة وثيقة للمفاوضات تتضمن 15 نقطة، سيعرضها المفاوضون باسم الحركة على اللجنة الحكومية المكلفة بمفاوضات السلام. مطالب "طالبان" تتضمن:

- وقف هجمات طائرات الاستطلاع الأميركية، و- نفاذ قانون الشريعة في المحاكم، و- إقرار النظام الإسلامي للتعليم في المدارس الخاصة والعامة، و- إطلاق سراح سجناء الحركة الباكستانيين والأجانب (نحو 4 آلاف سجين)، وــ التعويض عن الأضرار التي ألحقتها هجمات الطائرات الأميركية، و- تأمين الوظائف لعائلات الضحايا، و- تسليم السلطة في المناطق القبلية للقوات المحلية، و- انسحاب الجيش من المناطق القبلية، و- إغلاق نقاط التفتيش التابعة للجيش، و- إسقاط الدعاوى المقامة ضدّ الحركة، و- تأمين المساواة للجميع، و- إلغاء النظام القائم على المنافع، و-استبدال النظام الديموقراطي بنظام إسلامي، و- قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، و- التوقف عن دعم الحرب الأميركية ضد الإرهاب.

غير أن تلك المطالب ليست رسمية بعد، وهناك تقارير تتحدث عن إطلاق المفاوضات على أساس مبادئ الدستور الباكستاني الحالي، وهو ما تطالب به اللجنة التي عيّنتها الحكومة للمفاوضات. وإذا وافقت الحركة على هذا المبدأ، فإنها ستسّهل كثيراً من إمكانية التوصل إلى اتفاق.

أول لقاء جمع الجهات المتفاوضة، كان يوم الخميس الماضي، حيث عرض ممثل "طالبان" مسألة إطلاق سراح معتقلي الحركة. ويفترض أن تكون اللجنة الحكومية المكلفة بالتفاوض قد نقلت المطالب الى الحكومة. وبحسب قيادي في "طالبان"، فإن مطلب إطلاق سراح المعتقلين هو بمثابة "جس نبض" لحسن نوايا الحكومة تجاه التفاوض. الفريق المفاوض باسم "طالبان" يتضمن إبراهيم خان من حزب الجماعة الإسلامية، إضافة الى رجال الدين يوسف شاه ومولانا عبد العزيز ومولانا سامي الحق، ومفتي كفاية الله.

وكانت الحركة قد عرضت على السياسي النافذ عمران خان، وهو نجم رياضة الكريكت السابق، أن يكون ممثلاً لها في مفاوضات السلام مع الحكومة، غير أنه رفض. وتوقع خان، في مقابلة أجراها أخيراً، أن تُفشِل الاعتداءات الإرهابية المفاوضات، وأن تنطلق عملية عسكرية موسعة بعد ذلك. فرضية تبقى قائمة بقوة، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار تجارب اتفاقيات السلام السابقة بين الطرفين، والتي اسقطتها الهجمات المتبادلة. والملاحظ أن هجمات "طالبان" قد اتّسعت في الآونة الأخيرة، مستهدفة القوات الأمنية؛ وقد عقد شريف على أثرها اجتماعات مع رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الباكستاني، راحيل شريف (الذي زار الرياض قبل يومين)، ترافقت مع تحركات عسكرية مكثفة على الأرض، وهو ما اعتُبر بمثابة محاولة لكسب الوقت لعملية عسكرية متوقعة ضد "طالبان".

وفي السياق، أكد المستشار الباكستاني لشؤون الأمن الوطني والسياسة الخارجية، سارتاج عزيز، أن الخيار العسكري يبقى قائماً في حال فشلت المفاوضات، مشيراً الى أن المسألة معقّدة جداً. وفيما أكد عزيز أنه لا يوجد أي ضغوط أجنبية على باكستان لإبرام اتفاق سلام، أقرّ بوجود ضغوط داخلية من أجل تحقيق الأمن والسلم في البلاد.

في مقابل التلويح الباكستاني بالخيار العسكري في حال فشلت المفاوضات، كان لـ"طالبان" تهديداتها "الخارجة عن المألوف" أيضاً، إذ أعلنت أن لديها نحو 500 انتحارية جاهزات للتحرك. وقال الشيخ عبد العزيز، وهو الرئيس السابق لمسجد "لال"، أو "المسجد الأحمر"، إن الحركة لا ترى أن هناك ضرورة للتوصل الى اتفاق سلام مع حكومة نواز شريف، وكشف أنها جهزت ما بين 400 و500 انتحارية متواجدات حالياً في شمال وزيرستان والمنطقة القبلية، للتحرك فوراً إذا فشلت تلك المفاوضات. لكن هناك من يرى أن الرقم الذي عرضه الشيخ الطالباني مبالَغ فيه، وأن الانتحاريات متواجدات لدى الحركة، وسبق أن استُخدمن، لكن ليس بهذا العدد الكبير. بالنسبة إلى عزيز أيضاً، فإن الحركة تحارب من أجل تطبيق الشريعة، ومسألة قتال الأميركيين "ثانوية" مقارنةً مع هذا المطلب.

المفاوضات بين إسلام آباد و"طالبان ــ باكستان"، تجري أيضاً بموازاة مفاوضات مماثلة بين كابول و"طالبان ــ أفغانستان". وكشفت تقارير صحافية أخيراً، أن الرئيس الأفغاني يفاوض "طالبان" بالسرّ، من دون علم الولايات المتحدة أو موافقتها.

لا يمكن فصل المسارين عن بعضهما البعض، لا سيما أن باكستان لديها نفوذ لدى "طالبان" الأفغانية، خصوصاً جهاز استخباراتها ISI، المتهم بدعم قادة الحركة وتأمين ملاذات آمنة لهم. وفي الوقت نفسه، يعتبر هذا الجهاز حليفاً قوياً للولايات المتحدة وجهاز استخباراتها "سي آي إيه"؛ هي اللعبة الغامضة التي امتهنتها باكستان منذ دحر السوفيات من أفغانستان على يد "المجاهدين" المدعومين أميركياً وسعودياً، قبل أن ينقلبوا الى ألدّ الأعداء.