إدارة التوحش

إدارة التوحش

01 مارس 2015
+ الخط -

تشهدُ الدول العربية مناخاً كرنفالياً سوداوياً، يؤكد أن المنطقة تعيش لحظة اللايقين ومرحلة تصريف الأعمال لترتيبات ما قبل عودة الاستعمار، بعد هزيمة الأنظمة العربية الحالية في تأسيس سلالاتها الحاكمة ضمن أطر دولها الوطنية. هذه الهموم المستأنفة ذّكرَتني بقصة المسلسل العربي "الزير السالم" الذي قاد حروبًا، دفاعاً عن مقتل شقيقه كليب، بسبب مرعى ناقة "البسوس"، وبعيره "علال"، فتضررت منه جميع القبائل، حتى ابنة أخيه اليمامة التي سكن الحب قبلها، فانتقم منها "الزير" بقتل حبيبها لتتجرع كأس السم، وهي القائلة "أريد أبي حياً...".

في سنة 2015، ما زالت فكرة البحث عن "المراعي الاقتصادية" قائمة دولياً في المستعمرات السابقة، والسيطرة على الثروات الباطنية لشعوب رفعت شعار "الشعب يريد..". لكن، لم يكن على معرفة بالمخاطر والأعراض الجانبية، لإرادته ومستويات خياراته، في ظل كيمياء سياسية ترسم الرجفة الكبرى مقدمتها صورة شاب سوري، أو، عراقي مستسلماً أمام الكاميرا لقدره مردداً الشهادتين، ولفظ التكبير، وخلفه جزاره "الدعشوش" بدوره يناجي ربه بـ"تكبيرته" وشهادته المزيفة المخمورة، مرسلاً صوراً مفزعة، متقاطرة على فضائياتنا لآلهة وتماثيل التوحش والبداوة.

قيل إن إدارة التوحش هي عنوان لكتاب الفلسفة "الجهادية" للقاعدة، عبَّر عن رؤية استشرافية لعالم عربي، يتنفس، أصلاً، الكساح المعرفي، من خلال تعميم الظاهرة الصومالية، تحت الجدار العالي "لصناعة الغياب" الذي استقدمته الظروف السياسية والاقتصادية المتخمة بالأدلجة والتراكمات المترتبة عن الولاءات الطائفية الهادمة للنسيج الاجتماعي الديني، لصالح جماعات إرهابية، تعيد طرح المشاريع الكولونيالية المُجمدة والسّياقات الهادرة في نشر قوائم المعنيين بالجَنة والحور العين والنار، وفق مقياس النكسة الحضارية ونهاية جبل القيم!

داعش، القاعدة، بوكو حرام هي "هاجاناه" مكررة، لم تأت من فراغ، بل صُورتنا المٌصدّرة للمعمورة، رغماً عنا، لعدم ردم الهوة السحيقة بين العلم والجهل المركب، وتجديد الخطابات السياسية والدينية، أولاً، مثلما تندرج، ثانياً، في دعم "حزب الخوف العربي". وما حَرقُ معاذ الكساسبة وقتل أقباط مصر وهدم التراث الإنساني الموصلي وكنوز العراق الثقافية والحضارية سوى تقليد لسياقات واستراتيجيات منظمة "الهاجاناه" الصهيونية، عند تأسيس إسرائيل، بحملة مجازر ضد الفلسطينيين، وتغييب التراث الإسلامي بالاستيطان والتزييف.

كل هذا في ظل ضمور النخب الثقافية وسكوتها، خوفاً أو تواطؤاً أو غياباً، تتعاظم لدينا كعرب فلسفة "حالة الإنكار"، وفقه المؤامرة، في تفسير جل الأشياء، وإذ كان على المسلمين تحصين أنفسهم ثقافياً وعلمياً، بدل نظرية "المانوية" المركبة على النور والظلام، ونحن فقط نمثل الخير وغيرنا الشر والظلام والغرق في سياجات دوغمائية، تنتج للعالم كما هو رديء وفصامي.

أخيراً، فقدنا عيون العلم والعمل والعدل والعقل، بما تربينا عليه من العطالة الروحية. لذلك، خاطبت "اليمامة" عمها الزير السالم لحظة جنونها ألا ينقصكم الغناء؟ الهوينى كان يمشي، كان يمشي فوق رمشي قتلوه بهدوء. وأنا أعطيه نعشي، وهي نهايات صادمة لسجن كراسات التاريخ على حساب خرائط الجغرافيا، ورسم حالة بائسة خياراتها الاستعمار أمامكم. داعش وراءكم، والاعتلال والاحتلال. أين المفر؟

avata
avata
الحسن حرمه (الجزائر)
الحسن حرمه (الجزائر)