أموال المصريين في يد الأجانب

أموال المصريين في يد الأجانب

27 مارس 2016
الحكومة تعيد ملف بيع بنك القاهرة (العربي الجديد)
+ الخط -

 

ببساطة نحن مقبلون على مرحلة عنوانها العريض هو أن "أموال المصريين في يد الأجانب" يديرونها كيفما يشاءون وحسب أهدافهم الاقتصادية وفي مقدمتها تحقيق الأرباح السريعة، وإذا كان الأجانب يسيطرون حالياً على ما يقرب من 35% من حصة القطاع المصرفي المصري، وتزداد الحصة عندما نضيف لها حصة المستثمرين العرب، فماذا يكون عليه الحال إذن عقب بيع ما تبقى من وحدات وبنوك القطاع المصرفي المصري للأجانب، وماذا يكون عليه الحال مع إعادة الحكومة برنامج بيع البنوك العامة الكبرى المملوكة للدولة، والتي تمثل شريان الاقتصاد القومي والمصدر الرئيسي لتمويله.

في نهاية عام 2006، باعت الحكومة 80% من بنك الإسكندرية، رابع أكبر بنك في مصر، لبنك انتيسا سان باولو الإيطالي في صفقة تجاوزت قيمتها 1.6 مليار دولار، وذلك بعد إنفاقها مليارات الجنيهات على إصلاحه وتسوية ديونه المتعثرة وتنظيف محفظته المالية.

وفي عام 2008، قررت الحكومة بيع بنك القاهرة، ثالث أكبر بنك في البلاد، ولولا معارضة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع في ذلك الوقت وانتقاده الشديد لقرار حكومة أحمد نظيف بيع البنك الحكومي لبنوك أجنبية لتم تمرير الصفقة.

وبعدها أوقفت حكومات مبارك برنامج بيع البنوك العامة، بعد أن تسربت معلومات حول اتجاه الحكومة إلى بيع بنك مصر، ثاني أكبر بنك في البلاد، وظن بعضهم أنه ربما يأتي الدور في عملية البيع على البنك الأهلي المصري أكبر بنك في مصر من حيث الحصة السوقية ورأس المال. 

ومع بداية العام الجاري فتحت الحكومة ملف بيع البنوك مجدداً في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وأمس الأول كشف طارق عامر محافظ البنك المركزي عن قرار حكومي لبيع حصص في بنوك كبرى مثل بيع 20% من أسهم بنك القاهرة، وبيع 40% من أسهم البنك العربي الأفريقي الدولي، وبيع المصرف المتحد بالكامل لمستثمر استراتيجي سيكون في الغالب أجنبيا؟

وأظن أن المرحلة المقبلة سيعقبها مرحلة أخرى من عملية بيع البنوك، منها مثلاً بيع حصص الدولة في بنوك الاستثمار العربي، والتعمير والإسكان، والمصري لتنمية الصادرات، وربما تمتد عملية البيع للبنوك الحكومية المتخصصة مثل العقاري المصري والعربي، والعمال والتنمية الصناعية، والتنمية والائتمان الزراعي، إضافة لبيع ما تبقى من حصة الدولة في بنوك أخرى منها بنك الإسكندرية، وربما نصل لمرحلة أخطر هي بيع أكبر بنكين في البلاد هما الأهلي المصري ومصر اللذين يستحوذان على نحو 40% من أنشطة القطاع المصرفي.

دعونا نكون واضحين وصرحاء، ونجيب عن هذا السؤال المهم: ما الهدف الذي تسعى الحكومة المصرية لتحقيقه من بيع عدد من البنوك الكبرى، منها بنك القاهرة الحكومي، والبنك العربي الأفريقي الدولي وهو من أبرز البنوك الناجحة ذات الربحية العالية، والمصرف المتحد المملوك بالكامل للبنك المركزي المصري.

ولماذا قررت الحكومة، وفي هذا التوقيت بالذات، فتح هذا الملف الحساس بالنسبة لقطاع كبير من المصريين، علماً أن الحساسية هنا لها أسباب تاريخية منها ارتباط هذه البنوك بأحداث وتواريخ مهمة في تاريخ مصر، فقد أسست ثورة يوليو 1952 بنك القاهرة كأول بنك وطني مصري يتم تأسيسه بعد الثورة، وأسس الاقتصادي العبقري طلعت حرب أول بنك مصري في البلاد وهو بنك مصر، في عام 1928، أو ترجع الحساسية لأسباب اقتصادية بحتة منها أن هذا القطاع الحساس يتولى إدارة ما يقرب من 2 تريليون جنيه "ما يعادل 225.2 مليار دولار" هي مدخرات المجتمع، وهو الممول الأول للمشاريع الاقتصادية سواء الضخمة أو الصغيرة .

كما تنبع الحساسية من كون أنه لولا البنوك ما وجدت الحكومة أموالاً لسداد رواتب الموظفين العاملين بالدولة البالغة 18.16 مليار جنيه شهرياً، وما يعادل 218 مليار جنيه سنوياً، وما وجدت الحكومة أموالا تشتري بها القمح والغذاء والأدوية والألبان واللحوم والمواد الخام والسلع الوسيطة من الخارج.

ولولا أموال البنوك لانهارت مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، لأنها تولت تمويل التجارة الخارجية للبلاد، في وقت تعرض فيه الاقتصاد والإنتاج والأنشطة المختلفة من صادرات وسياحة واستثمارات لحالة شلل شبه كامل بسبب الأوضاع الأمنية وفرض حالة حظر التجوال، وصعوبة وصول شاحنات نقل السلع للموانئ.

إذن ما هو الهدف من بيع البنوك في هذا التوقيت، هل هو بهدف جذب الخبرات الأجنبية كما حاولت حكومات كمال الجنزوري وعاطف عبيد وأحمد نظيف أن تصور لنا في فترة التسعينيات من القرن الماضي، أم أن الهدف هو جذب استثمارات خارجية تنقذ الحكومة من أزمات تهاوي الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، وعجز الموازنة العامة للدولة وتراجع الإيرادات العامة، وكذلك عجز الميزان التجاري الذي تجاوز 40 مليار دولار؟

خطورة بيع البنوك أنك تجعل أموال المجتمع في يد الأجانب، فإذا كنا نقول إن الأجنبي لا يمكنه نقل المصانع والشركات للخارج، وبالتالي لا خوف على الأصول العقارية والصناعية، فإن الأجنبي وبـ"زر" واحد يستطيع أن ينقل أموال البنوك للخارج، وأن يستثمر أموال المصريين خارج الحدود، وبالتالي يحرم الاقتصاد الوطني منها، كما أن من حق البنك الأجنبي رفض تمويل أي مشروع مصري خاصة إذا ما كانت لهذا المشروع أبعاد اجتماعية لا اقتصادية.

بنوك مصر لديها من الخبرات البشرية ما يفوق الخبرات المتوافرة لدى البنوك الأجنبية العاملة في مصر، وبالتالي فإن هدف البيع لجذب تكنولوجيا مصرفية متطورة غير مقنع، والبنوك المصرية تحقق أرباحا كبيرة، وبالتالي لا يجوز التفريط فيها من الناحية الاقتصادية، وأكبر دليل على ذلك هو تهافت المصارف العربية والأجنبية للعمل في السوق المصرية رغم المعاناة الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد المحلى.

ارفعوا أيديكم عن البنوك حتى لا تهزوا الثقة بها، فأي تلاعب بهذا القطاع الحساس هو لعب بالنار يعرض الاقتصاد والبلد للخطر.

اقرأ أيضا: قرار للمركزي المصري يطيح بثماني قيادات مصرفية بارزة

المساهمون