ألان غريش: والدي الشيوعي المصري هنري كورييل

ألان غريش: والدي الشيوعي المصري هنري كورييل

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
03 نوفمبر 2014
+ الخط -
تحكي سيرة حياة الصحافي، ألان غريش، تقاطعات العلاقة بين الشرق والغرب والعلاقة بين الأديان في منطقتنا ولاسيما خلال القرن الماضي.

فرنسي الجنسية، مصري المولد، أمه يهودية روسية، وجده لأمه صهيوني ليتواني، أبوه في السجلات قبطي مسيحي مصري، بينما والده البيولوجي يهودي مصري، يساري التفكير، فلسطيني الهوى..إنه نموذج تعقد الهوية في عالمنا المعاصر.

ولد غريش في القاهرة 1948، ودرس فيها حتى ترحليه وعائلته إلى فرنسا عام 1962، حيث انتسب الى الحزب الشيوعي الفرنسي، وتسلم مهمات قيادية إلى أن انسحب منه 1983 إثر خلاف على الموقف من دخول الروس إلى أفغانستان.

للرجل عشرات المؤلفات وللقضية الفلسطينية حصة وازنة منها، حيث كانت أطروحته للدكتوراه "القضية الفلسطينية: تطوير أشكال المقاومة من1967 إلى 1977"، وكانت عن النقاش الداخلي في منظمة التحرير بعد النكسة حيث "كان الفكر السياسي الفلسطيني عموماً  ليس مع دولة فلسطينية، وكان هناك تيار آخر، وهو تيار فتح يريد دولة فلسطينية مستقلة، وشمل النقاش أيضاً مستقبل اليهود الموجودين في فلسطين، حيث كان معظم الفلسطينيين قبل الـ67 يرون أنهم سيعودون إلى بلادهم، وكانت فتح أول منظمة ترى أن اليهود الموجودين في فلسطين يمكن أن يبقوا فيها في إطار الدولة الديمقراطية". -لماذا لوموند ديبلوماتيك مختلفة عن لوموند؟

صحيفة لوموند ديبلوماتيك شهرية، متخصصة في السياسة والاقتصاد الدولي، ولها موقف خاص، فهي ضد الأيديولوجية السائدة في فرنسا، وضد العولمة والليبرالية وضد الإسلامافوبيا ومع فلسطين.

هي جزء من لوموند اليومية، ولكن لأسباب تاريخية هي مستقلة، و49٪ من الأسهم فيها للصحافيين، ولطاقمها و51٪ في يد لوموند، عندما تقرأها وتقرأ لوموند تلاحظ تناقضاً كبيراً بين موقفيهما.

تأسست لوموند ديبلوماتيك عام 1954، وكانت صحيفة دبلوماسية، تسلم إدارتها كلو جوليان 1973 بعد صراع في لوموند بين تيارين، يساري ويميني، وكان جوليان كاثوليكيّاً يساريّاً، وعندما حصل الانقلاب العسكري في التشيلي 1973، أخذت لوموند ديبلوماتيك موقفاً قويّاً ومع الوقت كسبت استقلاليتها، ربما لو أراد أحد الآن أن يؤسس صحيفة مثل لوموند ديبلوماتيك لا يستطيع، لا ماديّاً ولا سياسيّاً.

دخلت لوموند ديبلوماتيك 1985، وكان فيها أربعة أشخاص فقط، وبعد 10 سنوات عندما تقاعدت رئيسة التحرير تسلمت مكانها، وبقيت 10 سنوات أيضاً، وبعدها صرت مديراً عاماً.

هل خضت صراعات في هذه الفترة؟

كان يوجد اتفاق جماعي على معظم القضايا في لوموند ديبلوماتيك، لا جدال حول تأييد فلسطين، والكفاح ضد العنصرية، وأخذنا موقفاً ضد الانقلاب العسكري في الجزائر، وضد حرب الخليج الأولى، والحرب الأميركية على العراق 2003، ولكن القضية الوحيدة التي خلقت انقساماً هي الحجاب في فرنسا.

وماذا كان موقفك؟

كنت ضد أي قانون لمنع الحجاب، بدأ أول قانون 2004 ضد الحجاب في المدراس، وهذا فتح المجال لمحاربة الحجاب حتى في الشارع، كما فتح مجالاً للإسلام فوبيا، وكان هناك من يؤيد "اللاسيتيه" أي العلمانية الفرنسية، ولكن المشكلة أن العلمانية في فرنسا لها بعد كاثوليكي. وحتى اليمين المتطرف "مارين لوبان" تستخدم العلمانية ضد المسلمين.

بسبب هذا تركت رئاسة التحرير؟!

لا، أنا بقيت 10 سنوات، ويجب أن يأتي جيل جديد، وهذه مشكلة العالم العربي، وهي هيمنة الأجيال، ينبغي أن يفسح الجيل القديم المجال للجيل الجديد.

كم من كتاب ترجم لك إلى العربية؟

أفضل كتاب وزع "فلسطين-إسرائيل حقائق على نزاع" فقد بيعت منه 80 ألف نسخة بالفرنسية وتُرجم إلى العربية والإسبانية والألمانية والتركية والفارسية.

وترجم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتابي الأخير "على ما يُطلق اسم فلسطين" وكذلك ترجم للعربية كتاب"100 مفتاح للعالم العربي" الذي ألفته مع دومنيك فيدال وهو قاموس نأخذ 100 عبارة مثل، جمال عبد الناصر وغيرها ونكتب عنها، وكتاب آخر مع فيدال، صدر قبل الحرب ضد العراق 1991 "الخليج مفتاح لحرب قادمة" وتُرجم إلى العربية دون إذن مني، وشطبوا ما كتبناه عن صدام حسين بحجة أنه مسيء له!

هل استطعت أن تفهم العالم العربي؟

المفتاح هو أن يفهم العالم الغربي العالم العربي، أرى أن دوري هو التأثير على الرأي العام الغربي، كي يفهم أكثر ما يحدث في العالم العربي، لأن هناك صعوبات كثيرة، مثل تاريخ الاستعمار ومشكلة الإسلام.

قابلت ياسر عرفات؟

قابلته أكثر من 16 مرة في بيروت وتونس ورام الله، إذ كنت مسؤول الحزب الشيوعي لقضية الشرق الأوسط 1978-1983، ونظمنا أول لقاء بين سكرتير الحزب الشيوعي، جورج مارشيه، والزعيم الفلسطني الراحل، ياسر عرفات، عام 1981 في بيروت.

وزرته في تونس عام 1991 بعد حرب الخليج الثانية، وبدأت الحوار معه بعبارة: أنتم أخذتم موقفاً مؤيداً لصدام حسين؟ فنظر إليّ وقال: ما هذا، نحن لم نأخذ موقفاً مؤيداً لصدام، هذا كذب!

لماذا تركت الحزب الشيوعي الفرنسي؟


الخلاف الأساسي كان بسبب الغزو السوفييتي لأفغانستان، تركت الحزب وعدت إلى الجامعة، ودرست اللغة العربية ثلاث سنوات، وعملت رسالة دكتوراه عن منظمة التحرير.

ولدت في مصر؟


نعم، أمي يهودية ووالدي مسيحي قبطي، وكانت لغة أمي وأبي الفرنسية، وكذلك ثقافتهما، درست في المدرسة الفرنسية في القاهرة وكنا نتعلم العربية كلغة أجنبية.

‫والدي كان قبطيّاً مصريّاً، وكنت أحمل الجواز المصري، وأمي ولدت في سويسرا من أب وأم روسيين، وجاءت إلى مصر مع جدتي التي تزوجت شخصاً آخر، وكان يهوديّاً صهيونيّاً من لتوانيا، ويريد الهجرة إلى فلسطين في عام 1928، وكان صيدليّاً، لكن الأزمة الاقتصادية في فلسطين، فضلاً عن وجود مئات الصيادلة اليهود المهاجرين، جعلته لا يجد عملاً، فانتقل إلى مصر.

لكنك تقول إنك ابن هنري كورييل؟


أبي وأمي كانا منفصلين، وأمي كانت لديها علاقة مع كورييل، وعندما ولدت كان كورييل في السجن، وبعدها طردوه، فسجلت كابن لزوج أمي المسيحي المصري.

هل عرفت هنري كورييل؟


نعم، عندما جئت إلى فرنسا 1962، ولعب دوراً مهماً في تجربتي وفكري السياسي. ولد هنري عام 1914 في عائلة يهودية ثرية وبدأ السياسة حين كان في 21 من العمر، واتجه نحو الشيوعية مؤسساً إحدى المنظمات الشيوعية والتي ستلعب دوراً كبيراً، ودخل السجن أول مرة عام 1942 والتقى هناك بالكثير من الوطنيين المصريين، وخرج مقتنعاً أن الكفاح الأساسي هو الاستقلال الوطني وأول حركة أسسها هي "حركة التحرر الوطني" ولم يكن فيها اسم الشيوعي.

‫‬ هل اعترف كورييل بأنك ابنه؟


لم أكن أعرف أنه والدي، ولكن كان لدينا علاقات قوية جداً، من 1962 وحتى مقتله 1978.

لم تتكلموا في الموضوع؟


لا، لا.

هل كورييل من عرفك على الشيوعية؟


لا، ذهبت إلى فرنسا وعمري 14 سنة، ولم أكن أعرف كورييل. كانت الأفكار في البيت يسارية. وقفت العائلة مع عبد الناصر، بينما كانت العائلات القبطية بشكل عام ضد عبد الناصر، لأنهم كانوا من البرجوازية عموماً.

انخرطت في حركات الشباب الشيوعية وبعدها الحزب الشيوعي، ولعب هنري دوراً مهما كي لا أكون شيوعياً فرنسيّاً فقط.

‫‬هل تعاني من أزمة هوية؟


بالعكس كل جزء من هذه الهوية إيجابي، ومنحني إضافة خاصة، الكثير من أصدقائي اليساريين في فرنسا لا يفهمون موقفي، وأعتقد أن سبب ذلك هو تجربتي في مصر، اليسار الفرنسي عموماً يفكّر بأن الدين هو العدو. لأن الكنيسة الكاثوليكية كانت العدو، بينما أنا عشت في مجتمع مصر الدين فيه ليس هو العدو، طريقة تفكيري كانت نتيجة للهويات المختلفة، البعض يعتقد أن هناك تناقضاً، فيقولون أنت يهودي، فكيف تتخذ موقفاً ضد إسرائيل، أنا كيهودي لا أريد أن تتكلم إسرائيل باسمي، فكيف من الممكن لي كيهودي أن أذهب إلى إسرائيل وأقول، أنا مواطن إسرائيلي، بينما شخص ولد في فلسطين لا يستطيع العودة. هذا غير معقول!

‫‬ من قتل هنري كورييل؟


لا نعرف، ولكن كان هناك دور واضح للمخابرات الفرنسية، أسس هنري منظمات جمع الأموال لدعم ثورة الجزائر، وسجن في 1961 حتى 1962 وأسس منظمة "التضامن" لتأييد حركات التحرر الوطني، وبعد 1967 بدأ ينظّم نقاشات بين العرب والفلسطينيين والإسرائيليين، شككنا في نظام جنوب إفريقيا، ولكن بعد نهاية النظام العنصري ذهبنا إلى هناك ولم نجد أي دليل على أنهم من قتلوه. بقي رواية ليست موثقة، تقول: إن القتل كان بقرار من الرئيس، فاليري جيسكار ديستان، لأن العلاقات بين فرنسا والجزائر كانت سيئة في عهده.

هل ورثت هنري كورييل؟


لا، عندما خرج هنري وأخوه من السجن أعطيا الفيلا التي كانا يملكانها في القاهرة للحكومة الجزائرية، وعندما رجعت إلى مصر قابلت أحد المسؤولين، وهو أحمد حمروش، وكان من الضباط الأحرار وصديقاً لهنري، أخبرني أن ما تم تأميمه من أملاك هنري يمكن أن يرجع له، أخبرت هنري الذي رد أنه لا يريد ذلك.

‫‬ذهبت إلى سورية بعد قيام الثورة السورية؟


أجريت قبل ذلك حوارين مع بشار الأسد وكنت أظن أنه سيحصل تغيير على يديه، ولكني اقتنعت في النهاية بعدم إمكانية إصلاح حقيقي لأي نظام عربي، لأن ذلك يعني إسقاط النظام لنفسه. ذهبت في يونيو 2011 بترتيب من بثينة شعبان للقاء بشار الأسد، ولم يحصل ذلك لأني زرت حماة بعد يومين من زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي لها، كانت محررة، الكثير من أهالي حماة قالوا لنا "ذهبنا ثلاث مرات عند بشار وكان يعد بحل المشكلة وعدم تدخل الجيش وكل مرة يتدخل الجيش" وبعد زيارتي حماة أبلغتني شعبان بعدم إمكانية مقابلة الرئيس، وكانت هذه زيارتي الأخيرة لسورية.

المساهمون