أقوى من الرصاص

أقوى من الرصاص

11 مايو 2014
+ الخط -

يستهين بعضهم ما يمكن أن تحدثه "الاحتجاجات السلمية" من تأثير في حياة الشعوب، وفي مستقبل السلطة الحاكمة في ظل الديكتاتوريات والأنظمة المستبدة والقمعية، لا سيما وأن شرارة الانطلاق دائماً ومسرد الأحداث لا يوحيان بالمآلات. فمن يصدق أن يكون احتجاج بائع الخضار التونسي، محمد بوعزيزي، على واقعه المرير، بإضرام النيران في جسده النحيل، شرارة الاحتراق للنظام الحاكم في تونس بشكل عفوي، ثم لأنظمة أخرى في المنطقة العربية، وعلى الرغم من مضي أكثر من ثلاثة أعوام على تلك الحادثة، إلا أن الشرارة التي اندلعت لم تخفت نيرانها، وما تزال مرشحة للزيادة والعدوى في بلدانٍ وبقاع أخرى.
والمتتبع للمسار الثوري السلمي عالمياً يلاحظ إنجازاتٍ عظيمةً، أقرب إلى المعجزة، أحدثتها الصدور العارية والحناجر العالية والإيمان المستحكم في صدور وعقول أصحاب النضال، بمبادئهم وحقوقهم، وقبل ذلك، يقينهم بالنصر، على الرغم مما واجهوه من مصاعب وأهوال.
أعظم الثورات في التاريخ الماضي والمعاصر لم تجن ثمارها في يوم وليلة، ولم تنطفئ جذوتها في ليلة وضحاها، فالثورة الفرنسية، على سبيل المثال، والتي أثرت بشكل بالغ العمق على مستقبل أوروبا، بشكل عام، وليس فرنسا فحسب، استمرت عشر سنوات، حتى حققت مرادها (1789 – 1799م)، مرت فيها بلحظات مد وجذر وانكسارات.
تأخذ المقاومة السلمية أشكالاً عديدة، مرشحة للزيادة والابتكار، مثل المسيرات والمظاهرات والعصيان العام والاحتشاد في الساحات والميادين والمهرجانات وإحياء المناسبات والاعتصامات والاضرابات العامة، أو الإضراب عن الطعام. وقد يكون الاحتجاج، أيضاً، بالتعري للفت الأنظار إلى قضية معينة، أو بالمقاطعة الاقتصادية، أو بجمع التوقيعات، والرسوم الجرافيتية على الجدران والأبنية، أو عبر الفضاء الإلكتروني.
إن اضطرار الثائر السلمي للدفاع عن نفسه، في لحظة ما ضد جحافل الطغيان، أو التراشق غير المتكافئ مع سلطات القمع، لا ينفي السلمية، وإن حاول الطغاة الوصول إلى ذلك. فالهزيمة، في نظري، ليست في استمرار النضال، مهما طال أمده، وكبرت فاتورته، أو توارى إلى الصدور، واختبأ في الأفئدة تحت آلات البطش، بل في تحويله عن مسار السلمية إلى العنف والمواجهات المسلحة. الانتصار الإعجازي الذي يستطيع أن يجنيه المدني الثائر لن يكون أبداً بحمل السلاح ضد قوات الجيش والشرطة وبلطجية النظام الحاكم وشبيحته، وإنما في الصمود السلمي، والإصرار، والالتفات على هدف واحد، واليقين بالنصر.
وعلى الرغم من الصورة القاتمة التي نعيشها، وتعيش فينا، فإنني على يقين أننا في مصر مازلنا نعيش الثورة، مهما حملت الفترة الراهنة من انكسارات وإحباطات، فلا ثورة إلا وتمر بفترات تراجع وتآكل وخفوت، ولا ثورة إلا وتعقبها ثورة مضادة، تصارعها أو تصرعها.  
فحتى لو عاد أذناب النظام البائد وزبانيته، في صور وقوالب جديدة، ولو تمسكت الدولة العميقة بالبقاء، فهي في زمن الكهولة والضعف، مهما استقوت، فخيول الحرية انفلتت من زمامها، ولا يمكن إيقافها، فالأصعب من تحريك الناس من مضاجعهم تكميم أفواههم، بعدما تنفسوا بصيصاً من نسيم الحرية، ولو تحت لهيب البنادق، بل هو المستحيل بعينه. 

 


 

7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
عمر غازي (مصر)
عمر غازي (مصر)